المنصة 2025
لقطة من فيديو لحوار المنصة مع جمال رشدي المتحدث الرسمي باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، 26 فبراير 2025

عن القمة الطارئة وسوريا الشرع.. المنصة تحاور المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية

جمال رشدي: حرب غزة صُممت وأديرت لتضع العرب في مأزق.. وترامب أنهي حل الدولتين

منشور الاثنين 3 مارس 2025

في قاعة الإمارات بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة، وقُبيل انعقاد القمة العربية الطارئة المؤجلة، كانت لدينا العديد من الأسئلة وجهناها للمتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة، المستشار جمال رشدي، بشأن المتوقع من القمة، خاصة ما يتعلق بمستقبل غزة والرؤية العربية للسلام في الشرق الأوسط.

يُرجِع رشدي تحديد أكثر من موعد للقمة ثم تأجيلها لتنعقد غدًا الثلاثاء 4 مارس/آذار الحالي، لـ"أسباب لوجستية" تتعلق بجداول أعمال القادة العرب، والحرص على اختيار موعد مناسب للجميع لضمان حضور أكبر عدد ممكن من القادة في "قمة طارئة استثنائية تتعلق بموضوع حيوي يخص الأمن القومي العربي".

خطة عربية بديلة لمقترح ترامب

من المنتظر أو المرجو من القمة المرتقبة "الخروج بموقف جماعي عربي"، يلفت المتحدث باسم الأمين العام إلى أنها ستكون قمة مغايرة للصورة النمطية المعتادة للقمم السابقة التي تنتهي في العادة ببيانات شجب وإدانة دون قرارات جدية "الموقف الحالي مختلف، لدينا مقترح من الرئيس الأمريكي ترامب بخصوص غزة... والجانب العربي له موقف، ليس فقط الدولتان المعنيتان مصر والأردن، ولكن عدد من الدول العربية".

يؤكد رشدي على أن "هناك طرحًا بديلًا يجري بلورته"، وقبل أيام قليلة عقدت قمة سباعية في السعودية، وهذه القمة وغيرها من الجهود هي "محطات لبلورة خطة عربية بديلة لمقترح ترامب"، واستجابة لأصوات من الإدارة الأمريكية طالبت العرب بالتقدم بمقترح بديل إذا كانوا يرفضون الخطة الأمريكية.

القمة القادمة ليست من نوعية القمم التي ستُلقى فيها خطب أو يُكتفى فيها بالبيانات

لم تطّلع الجامعة العربية على نتائج القمة السباعية التي استضافتها الرياض مؤخرًا، حسب رشدي الذي يوضح أن هذا أمر معتاد في القمم غير الرسمية "لا يُتوقع منها صدور قرار، خاصة أنها لا تضم الدول العربية جميعًا"، كونها "حوارًا غير رسمي، حوارًا أخويًا حول هذا الموضوع الحساس على أعلى مستوى".

ولكنه في الوقت نفسه، يعتبر اللقاء السُباعي تحضيرًا للقمة العربية لأنها استثنائية "ليست من نوعية القمم التي ستُلقى فيها خطب أو يُكتفى فيها بالبيانات أو القرارات؛ لازم يكون لها تحضير، هذه القمة بالذات محتاجة تحضير، محتاجة توافق عربي، خاصة بين الدول العربية المعنية أكتر من غيرها بالوضع الفلسطيني"، مشددًا على أنه "مهم جدًا إنه ما يكونش هذا الرفض (لمقترح ترامب) قاصر على مصر والأردن".

الوصول لموقف عربي موحد، كما يرى المتحدث باسم الأمين العام، يكون من خلال "خطط بديلة، واتفاق على طريق المستقبل، اتفاق على مسار معين للتعامل مع هذه المقترحات ومواجهتها بمقترحات بديلة؛ ده شيء محتاج نقاش عربي، لأنه عمل دبلوماسي وسياسي لا بد وأن يكون جادًا عشان تكون له مخرجات حقيقية".

يعود رشدي إلى الحرب التي امتدت على غزة نحو 16 شهرًا ليوضح أثرها البالغ فهي "لم تكن فقط حربًا على غزة؛ كان مسرحها الإقليم كله. هذه الجولة من المواجهات العسكرية لها نتائج على الشرق الأوسط، والتعامل مع التداعيات والنتائج هو أمر يستغرق وقتًا حتى نتبين تأثير هذه التداعيات على شكل المنطقة كله".

يشير إلى أن "تدمير غزة بهذا الشكل يطرح تحديًا أمام الفلسطينيين للحفاظ على قضيتهم بوجودهم على أرضهم... القضية ليس لها معنى بدون وجود الناس على الأرض"، لافتًا إلى أن خطة الحرب أُديرت وصممت بطريقة تضعنا في هذا الموقف "إحنا في موقف أصعب، ونحتاج إن إحنا جميعًا ندرك هذا أولًا".

https://www.youtube.com/watch?v=TKVMGfvYZ_I&t=498s

اتفاق الهدنة الهش

تحدث رشدي عن ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار باعتباره مسألة أساسية للانتقال للمراحل التالية "إحنا بنتكلم عن دمار غير مسبوق في القطاع، هناك تقديرات للتكلفة بما يزيد عن 50 مليار دولار. مَن سيدفع هذه المبالغ الضخمة ويمول عملية إعادة إعمار طويلة إن لم يكن هناك سياق جديد يضمن الأمن في غزة؟ كل هذه العوامل في الموقف الحالي متوقفة على صمود اتفاق وقف إطلاق النار. الدول الضامنة، وبالذات مصر وقطر والولايات المتحدة، تبذل جهودًا خرافية من أجل الحفاظ على هذا الاتفاق الهش".

العدول عن حل الدولتين يهدد استقرار المنطقة

يرى رشدي أن الأسباب التي تجعل اتفاق الهدنة هشًا يتعلق بعضها بالجانب الإسرائيلي وبعضها بالجانب الفلسطيني، فـ"وصول نتنياهو للمرحلة التانية في الاتفاق ووقف الحرب معناه أن يفقد ائتلافه الحكومي، أو أن يواصل الحرب للحفاظ على الائتلاف، وبالتالي لن يحصل على الأسرى أو الرهائن الإسرائيليين، وينهار الاتفاق".

أما الجانب الفلسطيني ممثلًا في حماس فـ"أيضًا لديه معضلة، تقول له أريد إتمام الحصول على جميع الرهائن الإسرائيليين، بينما هو يسمع تهديدات بالقضاء كليًا على حركة حماس، أو أكثر من ذلك بخطة إخلاء غزة من سكانها بالكلية"، يوضح رشدي "هذا يجعل الطرفين عندهم عدم ثقة في استمرار الاتفاق".

مفاجآت ترامب

لم تكن الولاية الأولى لترامب كافيةً للتعرف على مخططاته وأهدافه، فما زال الرئيس الأمريكي قادرًا على مفاجأة الدبلوماسيين والخبراء بخططه، ومن بينها "فكرة الاستحواذ (الأمريكي على غزة)" فهي "مفاجأة، لكن مخطط التهجير في ذهن الجميع منذ بداية الحرب".

يلفت رشدي إلى ولاية ترامب الأولى التي عكست سياسات موالية لإسرائيل، ومنها موقفه من القدس، والجولان "فيها تحوّل كامل عن كافة الإدارات، وموقف الإدارات الأمريكية السابقة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

يرى أننا أمام "أول إدارة أمريكية لا تتحدث عن حل الدولتين، لا تعتبر أن حل الدولتين أصلًا على الطاولة. طبعًا هذا شيء خطير جدًا، لأنه حتى الخطط التي طرحها ترامب في إدارته الأولى، مثل خطة كوشنر، وصفقة القرن، كانت في النهاية، وأخذًا في الاعتبار كل الملاحظات على هذه الخطط، كانت في النهاية صورة أو أخرى من صور حل الدولتين".

ويعتبر أن التراجع عن حل الدولتين "يمثل زعزعة كبيرة جدًا لاستقرار المنطقة، لأنه استقرار  قائم على أن حل القضية الفلسطينية يكون بوجود دولة تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل. ندرك مصاعب هذا في الوقت الحالي، كلنا نرى الواقع، ولكن هذا هو النموذج وهذا هو الطريق الذي نسير فيه. تحويل الطريق إلى طريق آخر ينذر في واقع الأمر بعدم استقرار كبير في المنطقة".

يقر المتحدث باسم الأمين العام للجامعة بوجود صعوبة في فك شفرة السياسة الأمريكية الحالية، ليس على مستوى الوطن العربي فقط ولكن في العالم كله، مثمنًا مقولة "لا تأخذوا ترامب حرفيًا ولكن خذوه بجدية"، موضحًا أنه "في أكثر من قضية، ربما لا يقصد بالضبط منطوق الكلام أو المقترحات التي يتحدث بها، ولكن بالتأكيد يعني أشياء معينة، هو لا ينطق بشكل عشوائي".

يحلل رشدي أسلوب ترامب المعتمد على تفجير قنبلة كبيرة، "تلفت كل الأنظار إلى موضوع معين، تلفت الانتباه، تشتت الجميع، تجعل الجميع في حالة فقدان توازن، تدفع الأطراف للخروج بمقترحات معينة".

مع ذلك، يوضح أن محاولة العرب للوصول لموقف موحد لم تبدأ اليوم فقط "من بداية هذه الحرب، فيه تفكير في اليوم التالي، ماذا سيفعل الفلسطينيون في اليوم التالي"، لافتًا إلى وجود وعي عربي مبكر بمخطط التهجير منذ بداية الحرب، ومشددًا على أن "إعادة الإعمار، ليست عملية مقاولات، رغم أنها جزء مهم، ولكن يوجد جزء آخر مهم هو تهيئة السياق الأمني والسياسي في غزة".

يقودنا هذا لضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني، فيشير إلى الدور الذي تلعبه مصر "الوضع الحالي لا يحتاج خلاف فصائلي وإنما يتطلب إدارة فنية تكنوقراطية لقطاع غزة".

سوريا الجديدة

استعادت سوريا مقعدها في الجامعة العربية قبل أكثر من عام، وكان بشار الأسد ما زال على رأس السلطة، وحاليًا على الجامعة العربية أن تتعامل مع سوريا الجديدة بنظامها الوليد الذي يقوده أحمد الشرع.

يرى رشدي أنه فيما يخص الحالة السورية الحالية هناك أمل كبير وتخوف من المستقبل "فيه أمل، وفيه خوف من المجهول، خاصة إن حالة الدولة صعبة جدًا. هناك اهتراء للمؤسسات، والقيادة الجديدة تدرك أن الوضع صعب جدًا بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية".

ويؤكد على أن التعامل مع سوريا الجديدة بدأ سريعًا "لأنه كان فيه رغبة في احتضان السوريين بعد سنين من كون سوريا خارج الفلك العربي"، مشيرًا إلى اجتماعيّ العقبة ثم الرياض "صحيح هذه الاجتماعات لم تشمل كل الدول العربية، يعني ليست على مستوى وزراء الخارجية العرب، عدد من الوزراء فقط، ولكن كان مهم يكون فيه تقييم أوّلي للنظام الجديد".

يشير أيضًا إلى زيارة استكشافية لسوريا من خلال الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي التقى خلالها الحكام الجدد وأطيافًا سياسية واجتماعية للتعرف على الوضع عن قرب "ما لمسناه رغبة لدى القيادة الجديدة في تطمين الناس من الداخل، وفي الإقليم".

رغم ذلك ما زالت هناك مخاوف قائمة و"أكبر تخوف في سوريا هو اللون الواحد للحكومة، اللون الواحد في اللجنة التحضيرية.. فيه مخاوف لدى بعض الطوائف، مخاوف مشروعة من المستقبل، شكل الدولة، حماية الأقليات، إلى آخره".

يتعقد الوضع السوري أيضًا نتيجة التركيبة الكردية التي تتشابك مع سوريا وتركيا "فيه مشكلة الأكراد مع تركيا، فيه ما يشبه الإدارة الذاتية في منطقة كبيرة من سوريا، فيه مساعي إنه الاحتفاظ بهذا الوضع في ما يشبه الاستقلال الذاتي وفيه حوار مع السلطة في هذا، لكن المشكلة الكردية لها طبيعة خاصة في سوريا، غير التعامل مع المكونات الأخرى، المكون الكردي مسألته أكثر تعقيدًا، وتعقدت للأسف بسبب الحرب الأهلية".

الأتراك والإيرانيون

ماذا عن الجيران التقليديين للعرب في منطقة تتلاقى فيها المصالح وتتنافر بالأخص مع النفوذين التركي والإيراني ودوريهما في الإقليم؟ يعلق رشدي على الدور الإيراني "في السنوات الأخيرة كان لها مشروع معين، وهذا المشروع مسرحه كان العالم العربي، وللأسف عانت دول عربية كثيرًا بسببه"، مشيرًا إلى تدخلات إيرانية في عدة دول منها لبنان وفلسطين واليمن.

الآن يتعرض المشروع الإيراني الذي كان يفخر صناعه بالسيطرة على عواصم عربية "لنكسة كببرة بسبب نتائج المواجهات مع إسرائيل، ربما هي فرصة للجانب الإيراني لمراجعة هذا المشروع كله، والنتائج التي تحققت، والثمن اللي دُفِع في هذا المشروع، والأموال التي ضُخت فيه".

"لا أستطيع أن أرى في أي مكان دخل فيه المشروع الإيراني إلا مشاكل" يعلق رشدي على تأثير التدخلات الإيرانية على الدول العربية، مع ذلك يؤكد أنه "ليس من مصلحة أي طرف وجود مواجهة عربية مفتوحة مع إيران، كل ما يرغب فيه العالم العربي حُسن الجوار، نحفظ للدول سيادتها، نمنع التدخل في شؤونها، لأن هذا التدخل أدى إلى نتائج كارثية في بعض الأحيان، وغير مُرضية في أحيان أخرى، ولم يحقق الجانب الإيراني في النهاية النتيجة اللي كان يطمح إليها". 

أما النفوذ التركي، فيقول عنه إن "تركيا تقدم تطمينات للعالم العربي أنها ليست مثل إيران، ليست لديها مثل هذه الطموحات. علاقتها بالعالم العربي مختلفة عن إيران".

ورغم وجود توترات سابقة بسبب الدور التركي في بعض الدول مثل ليبيا وسوريا ومصر، يقول رشدي "لاحظنا إنه مع تحسن العلاقات حصل استرخاء في بعض الملفات، وخاصة إنه فيه إمكانية كبيرة للاستثمار مع تركيا" التي يتفهم مصالحها في بعض الملفات "مفهوم إنها لها مصالح وأدوار وتريد أن يكون لها وجود في المنطقة، مثل دورها في الملف السوري، نتمنى ونسعى أن يكون هذا الوجود لخدمة سوريا المستقلة ذات السيادة".

وسط هذا الكم من التحديات التي تواجه الدول العربية والنزاعات المستمرة في السودان وليبيا واليمن والتوترات في لبنان وسوريا، والكوارث والإبادة في فلسطين، يشدد رشدي على أهمية دور الجامعة العربية فهي لا تزال "السقف الوحيد في المنطقة الذي يتكلم تحته كل العرب، السقف الوحيد لتكوين موقف سياسي من أي نزاع".

ويتوقع أن "العالم العربي بدون الجامعة العربية ستتحول مشكلاته البسيطة إلى أزمات كبيرة، لأنه من دون هذا السقف المنطقة العربية أضعف كثيرًا، يعني لو ما كانتش الجامعة موجودة، كان العرب هيخترعوها، كانت ستظهر أفكار جديدة لعمل إطار للتشاور السياسي والعمل على تنسيق المواقف".