تصوير أحمد مصطفى، المنصة
لفريق جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، خلال حواره مع المنصة، سبتمبر 2025

حوار| جبريل الرجوب: الدعم العربي للسلطة الفلسطينية غير كافٍ

ما يحدث في غزة هولوكوست أشد قسوة

منشور الاثنين 15 أيلول/سبتمبر 2025

في ظل مشهدٍ فلسطينيٍّ منقسمٍ وسياقٍ إقليميٍّ معقّد، وبعد ساعات من استهداف قيادات المكتب السياسي لحركة حماس في الدوحة، الأسبوع الماضي، وقبل التأكد من فشل العملية الإسرائيلية، التقت المنصة في القاهرة الفريق جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس قطاع الرياضة في السلطة الفلسطينية.

ارتبط اسم الرجوب، الذي قضى في سجون الاحتلال نحو 17 عامًا، بتأسيس قطاع الأمن الوقائي في الضفة الغربية. ومثلما اقترن اسمه بتاريخ النضال الفلسطيني كونه من القيادات الأمنية والسياسية البارزة في حركة فتح، اقترن أيضًا بملف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وملاحقة مقاتلي المقاومة أثناء قيادته جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية.

كان الرجوب مُقرَّبًا من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، لكن مع اقتحام الجيش الإسرائيلي مقر الرئاسة الفلسطينية وحصار مقر الأمن الوقائي في رام الله خلال الانتفاضة الثانية في 2002، أقاله عرفات من منصبه، قبل أن يضطر تحت ضغوط أمريكية لإعادته بمسمى مستشار مجلس الأمن القومي للسلطة الفلسطينية.

ظل الرجوب في منصبه حتى انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في يناير/كانون الثاني 2006 التي خسرها لصالح مرشحي حماس في دائرة الخليل، وكان من بينهم شقيقه نايف، ليستقيل بعدها من منصبه قبل أشهر من بداية الانقسام الفلسطيني الذي زاد تعقيد المشهد في دولة تناضل لإنهاء احتلالها والحصول على اعتراف دولي.

ورغم أن السلطات المصرية منعته من دخول أراضيها في فبراير/شباط 2017 ورحَّلته من مطار القاهرة إلى الأردن، بعدما وصل بدعوة من الجامعة العربية لحضور أحد الاجتماعات، يؤمن الرجوب أن مصر هي المعنيُّ الأول بالقضية الفلسطينية، بحكم الجوار والتاريخ.

أزعر الحارة

الفريق جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، خلال حواره مع المنصة، سبتمبر 2025

جاء استهداف قيادات حماس في قطر لينذر بتطورٍ خطيرٍ في سياق العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر من جهة، وفي سياق أمن الخليج من جهة أخرى، وهو ما يراه الرجوب نموذجًا لطبيعة وآليات تفكير "اليمين الفاشي" و"النازيين الجدد" في إسرائيل، الذين يتصرفون مثل "أزعر الحارة"، على حد تعبيره.

ويقول "هم يستخفون بكل شيء وخير دليل على ذلك ما يحدث في غزة من تطهير عرقي وإبادة، وحرمان من أبسط الحقوق مثل المياه والدواء، وما يحدث في القدس من اجتياحات ومحاولات للتهويد، إضافة إلى الاعتداءات خارج حدودهم".

يؤكد الرجوب على أن هذا النوع من العمليات يعكس العجز والفشل من جانب حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومدى ضحالة فهم مقتضيات واستحقاقات مستقبل الإقليم، الذي يُمنّي الإسرائيليون أنفسهم أن يكونوا جزءًا منه.

واعتبر القيادي الفتحاوي أن قصف مقرات حماس في قطر يعكس "إفلاس" نتنياهو، لا سيما وأن الضربة استهدفت عاصمة الدولة التي "قدَّمت سابقًا برغبة من نتنياهو وحكومته أموالًا ومساعدات لتكريس الانقسام الفلسطيني لدفن الدولة الفلسطينية"، على حد قوله، متابعًا "هذا استخفاف بالقانون الدولي".

وتحدثت تقارير إعلامية إسرائيلية في وقت سابق عن تمويل قطر لحماس بموافقة إسرائيلية منذ عام 2012 وحتى 2018.

رسائل الهجوم

يعتقد الرجوب أن تحليق المقاتلات الإسرائيلية في أجواء دول عربية في طريقها لاستهداف قادة حماس في الدوحة يرسل رسائل مهمة ليس للقطريين والفلسطينيين وحدهم، بل معهم ثلاثة أطراف أخرى. 

الرسالة الأولى للعرب؛ مفادها أن عليهم مراجعة مواقفهم والعودة لمضمون المبادرة العربية؛ هنا يدعو الرجوب إلى "مراجعة العلاقات والاتفاقات بين الدول العربية وإسرائيل، ورفض دمج إسرائيل والتطبيع معها إلا بعد إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء معاناة الفلسطينيين".

يبدى قدرًا من التفاؤل بالمبادرة المصرية السعودية التي اعتمدها مجلس وزراء الخارجية العرب، الشهر الحالي، كونها قدَّمت "دلالات على الاستياء والرفض والشعور بواجب مراجعة العلاقات مع إسرائيل، والعودة للمبادرة وربط دمج إسرائيل والتطبيع معها بإقامة الدولة الفلسطينية وعودة إسرائيل للحدود المعترف بها دوليًا".

"إسرائيل تعتدي على الدول العربية، وتضم أراضيَ فلسطينية، وتدمر غزة وتبني مستوطنات"، يقول الرجوب ويؤكد على أن هذه الانتهاكات تتم في ظل "سفارات وعلاقات إسرائيل ببعض الأطراف العربية".

إسرائيل تقصف اجتماعًا لقيادات حماس في الدوحة، 9 سبتمبر 2025

واعتمدت الجامعة العربية قرارًا بمبادرة مصرية سعودية تضمن 7 بنود، من بينها التأكيد على عدم التعويل على ديمومة أي ترتيبات للتعاون والتكامل والتعايش بين دول المنطقة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لبعض الأراضي العربية أو التهديد المبطّن باحتلال أو ضم أراض عربية أخرى.

أما الرسالة الثانية، من وجهة نظر الرجوب، فهي للمجتمع الدولي وتستدعي اتخاذه موقفًا في ظل "قيام أحفاد ضحايا الهولوكست بممارسة هولوكوست جديد بشكل أكثر قسوة وشراسة بحق الفلسطينيين، رغم أن الفلسطينيين ليست لهم علاقة بما حدث في السابق ولم يكونوا جزءًا منه". 

ويؤكد الرجوب على "أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية أمرٌ عظيمٌ من جانب بعض الدول. لكن لا بد من فرض عقوبات ومقاطعة ومحاصرة هذا النموذج المسخ"، حد تعبيره.  

أما ثالث الرسائل، فهي للإدارة الأمريكية، "فلا يصح أنه بعد نضال أبراهام لينكولن، ومبدأ حقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، أن يحكمها رئيس يتحدث بلغة الصبيانية والرعونة وغياب الرؤية حتى بحدها الأدني، التي على الأقل ترتكز عليها ثوابت السياسة الأمريكية الخارجية، التي تتضمن أن هذه أراضٍ محتلة، وأن الشعب الفلسطيني شعب موجود ومن حقه أن يعيش".

ويرى الرجوب أن ترامب بات "ألعوبةً في يد مجموعة النازيين الجدد الذين يحكمون إسرائيل، في ظل حالة الإسناد والرعاية دون التزام بالقانون الدولي أو المواثيق ولا حتى باتفاقية المقر للأمم المتحدة، لا سيما بعد منع تأشيرات دخول أمريكا عن الرئيس محمود عباس والوفد الفلسطيني".

ويعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس "حالة استثنائية في فهمه وإدارته للحالة الفلسطينية المرتكزة على السلام واستبعاد الدم كخيار، والاعتراف القائم على التبادلية حتى إقامة الدولة الفلسطينية".

ضغوط الأمم المتحدة

عند إجراء الحوار، توقّع الرجوب أن ينجو قادة حماس من الضربة التي اعتبر أنها "فشلت في تحقيق أهدافها"، وستكون هناك ارتدادات على متخذ هذا "القرار الغبي"، مؤكدًا أن "نتنياهو يعيش تحت ضغط قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يبحث عن صورة نصر تهيئ له صيغة لوقف عدوانه على الأراضي الفلسطينية، في ظل وجود تعقيدات تواجه إسرائيل والإدارة الأمريكية في الجمعية العامة المقرر عقدها الشهر الحالي، لا سيما وأن مخرجاتها ستشكل عاملًا إضافيًّا في محاصرة نتنياهو ونبذه ومنعه من الاندماج في المجتمع الدولي".

وعن هدف الهجوم في هذا التوقيت والمجازفة بالعلاقة مع وسيط يتمتع بعلاقات قوية بأمريكا، يرى الرجوب أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب بقدر بحثه عن صورة نصر تغطي على أي شيء يحدث معه في الأمم المتحدة. التي يعتقد أن مخرجاتها هذه المرة "ستكون محطة مفصلية في تاريخ النظام العالمي".

ثلاث قضايا يخشاها نتنياهو

يعتقد الرجوب أن نتنياهو "يعمل جاهدًا على تنفيذ خطوة تؤدي إلى إرباك المشهد الحالي في ظل خشيته من ثلاث قضايا رئيسية، الأولى والثانية هما "اعتزام عدد من الدول الغربية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والعقوبات التي تنتظره وتنتظر حكومته... وهي آتية لا محالة في ظل سلوك بعض الدول مثل إسبانيا".

أما القضية الثالثة فهي "خشية نتنياهو من رفع الغطاء الدولي عنه، حتى من الإدارة الأمريكية، خاصةً أن ترامب شخص غير مستقر ومتقلب"، كما أن "الدولة العميقة ومصالح أمريكا ليستا مع الاستسلام الكامل للإرادة اليمينية الفاشية في إسرائيل"، يقول الرجوب.

صمود الفلسطينيين هو أرقى وأنبل أشكال المقاومة

ويعوّل القيادي الفتحاوي على الاعتراف بالدولة الفلسطينية لتتحول من دولة مراقب بالأمم المتحدة إلى عضو كامل، مشددًا على أن "ذلك سيمثل ضغوطًا إضافية على نتنياهو وإسرائيل".

على الجانب الآخر، يدعو الرجوب "الأمة العربية ومحبي فلسطين وداعميها لأن يستمروا في المساندة والدعم" و"تأييدنا كفلسطينيين فقط" دون أي تشعبات أخرى، قائلًا "أنا فتحاوي، ولا أطلب من أي طرف محاصرة حماس، فدعوتي هي أحبونا كفلسطينيين فقط".

ويعتبر "صمود الفلسطينيين أرقى وأنبل أشكال المقاومة، لأن الورقة الرابحة في القضية الفلسطينية هي هذا العامل الديموغرافي، الذي يشكل أكثر من 50% من فلسطين التاريخية".

إنهاء الانقسام

يظل فشل محاولات المصالحة الداخلية، وإنهاء الانقسام، علامة استفهام كبيرة في ظل الأحاديث المنمقة التي يرددها القادة في حركتي فتح وحماس والسلطة الفلسطينية، لكن الرجوب يرجع فشل المصالحة إلى عوامل غير مباشرة بحاجة إلى علاج، يرى أنه مع عدم حسمها "فإن أي اتفاق مهما حسنت النوايا ومهما تطهرت النفوس ومهما تجملت النصوص لا يمكن أن ينجح".

ويقول "الجميع  تدخلوا بنوايا حسنة؛ الجزائريون والصينيون والروس، والمصريون عنصر ثابت على مدار عمر الانقسام"، لكن "إذا لم تعالج العناصر غير المباشرة، فأي اتفاق لن يدوم ولن يستمر ولن يطبق"، ويضيف يجب أن "ننظف الطاولة ونعالج الأسباب غير المباشرة للانقسام".

إنهاء الانقسام بالتوافق على صناديق الاقتراع وليس بصناديق الرصاص

ويؤكد الرجوب أن "صلب المشكلة بين فتح وحماس هو الصراع على الحكم وليس أي خلافات بشأن السياسة أو المقاومة أو الأيدولوجيا"، ويرى أن "حل المشكلة بالتوافق على صناديق الاقتراع، وليس بصناديق الرصاص، وترك الحرية للشعب الفلسطيني في اختيار ممثليه، والتداول السلمي الديمقراطي للسلطة".

ويؤكد على ضرورة "تجاوز الترسبات السياسية والاجتماعية بقناعة حقيقية وبعيدًا عن المناورات السياسية، وفتح أفق جديد للتعاون بعد إنهاء مظاهر التخوين والتشهير والتكفير".

ويشدد على أن "أي وحدة يجب أن تقوم على الإقرار بمرجعية قرارات الأمم المتحدة والمبادرة العربية والتزامات منظمة التحرير والاعتراف بها ممثلًا شرعيًا وحيدًا للشعب الفلسطيني"، مع التأكيد على "وجود سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد وشرطة واحدة"، فهي "استحقاقات لن يقبل المجتمع الدولي بدولة فلسطينية دونها".

اليوم التالي وجاهزية السلطة

في سبيل تهيئة الأجواء لإنهاء الحرب في قطاع غزة منذ 20 شهرًا، دفعت مصر بمقترح تشكيل إدارة مدنية مستقلة، من شخصيات غير فصائلية تحت مسمى لجنة الإسناد المجتمعي، وذلك في ظل رفض إسرائيلي لوجود السلطة أو حماس في إدارة القطاع.

وبينما وافقت حركة حماس على المبادرة المصرية، كان لحركة فتح والسلطة الفلسطينية قولٌ آخر، يوضحه الرجوب بأن "اللجنة بمعزل عن السلطة والحكومة الفلسطينية ستكون وصفةً لتكريس الانقسام والاحتلال"، مشددًا على ضرورة "أن تكون هناك حكومة واحدة، بها لجنة خاصة للإشراف على غزة"، ثم تساءل "على سبيل المثال إذا حدثت مشكلة ما في محافظة مثل سوهاج، هل يتم تشكيل لجنة أو حكومة لإدارة الأزمة؟".

وشدد الرجوب على أن "أي تصور يجب أن يرتكز على وحدة الأراضي من رفح إلى جنين، ووحدة النظام ووحدة الجهاز الخدماتي، وأي صيغة بخلاف هذا لن يكتب لها النجاح".

وعن جاهزية السلطة الفلسطينية لتولي إدارة قطاع غزة في الوقت الراهن دون الانتظار لليوم التالي، في محاولة لقطع الطريق أمام المراوغات الإسرائيلية، قال الرجوب "لا أستطيع القول السلطة قادرة أم لا، لكن أقول إن السلطة الفلسطينية هي صاحبة الولاية والحق في إدارة غزة ولكن يجب أن يسبق ذلك توافق وطني والعودة يجب أن تكون باتفاق وليس بأي التفاف أو رهانات، ومن هنا يجب أن نتفق".

https://youtu.be/J8hfzwzdQAc?si=77zBrUXy__TdtD84

دعوة للعرب

يرى الرجوب أن "ما تقدمه الدول العربية لدعم القضية الفلسطينية غير كافٍ"، حسب تعبيره، داعيًا "الدول العربية الممولة للسلطة الفلسطينية، إذا كان لديها ملاحظات بشأن عمليات الإنفاق، لأن يقوموا بأنفسهم بإدارة قطاعات مثل التعليم أو الصحة أو التنمية والإعمار بشكل مباشر".

ولا ينكر في الوقت نفسه أن"السلطة بحاجة إلى إصلاح سياسي ومالي وإعلامي"، لكنه يرفض أن "يتم اتخاذ بعض القضايا ذريعةً للتخلي عن المسؤوليات ودعم القضية الفلسطينية"، ويقول "إحنا بحاجة لإصلاح سياسي وإصلاح أمني وإصلاح قضائي وإصلاح إداري وإصلاح مالي وإصلاح إعلامي لكننا قادرون على تنفيذه بأنفسنا".

ينهي الرجوب حديثه معولًا على دعم عربي للمؤسسات الفلسطينية، وعلى صمود الشعب الفلسطيني باعتباره السلاح الأقوى في النضال، لكنه في الوقت نفسه لا يزال يستشعر بُعد تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام الفلسطيني في ظل استمرار الصراع على الحكم. 

ويدعو مصر كدولة مجاورة وحدودية إلى أن "تبادر لتهيئة الظروف ليكون هناك وطن فلسطيني واحد يعيش فيه شعب واحد بقضية واحدة وقيادة واحدة وهدف واحد وواضح ومتفق عليه ووسيلة نضالية واضحة ومتفق عليها وقادرة أن تحاصر هذا الاحتلال".