تصميم أحمد بلال 2025
موسى أبو مرزوق رئيس المكتب السياسي الأسبق لحركة حماس ومسئول ملف العلاقات الخارجية الحالي

موسى أبو مرزوق: الهدنة مخرج نتنياهو الوحيد من حرب بلا هدف

إسرائيل ستنسحب من محور فيلادلفيا.. ونسعى لتشكيل حكومة توافق وطني

منشور الخميس 30 يناير 2025

مع صباح كل يوم جديد منذ أن دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الجاري، يتردد السؤال الأبرز بشأن ما إذا كانت إسرائيل ستستأنف الحرب مجددًا عقب المرحلة الأولى من الاتفاق تحت وطأة ضغوط اليمين المتطرف وأهداف نتنياهو الانتخابية أم لا، وهو التساؤل الذي يجيب عنه الرئيس الأسبق للمكتب السياسي لحركة حماس، ومسؤول ملف العلاقات الخارجية الحالي موسى أبو مرزوق، الذي التقته المنصة بمقر إقامته في القاهرة.

بدا جدول الرجل مزدحمًا للغاية بسبب المشاركة في اجتماعات متعلقة بترتيبات داخلية في الحركة، وأخرى مرتبطة بالتنسيق مع باقي الفصائل، وثالثة مع المسؤولين المصريين بشأن ترتيبات وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات والاستعداد لبدء مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق، لكنه في المقابل كان حريصًا على إطلاع الرأي العام المصري والعربي على تفاصيل ما يجري من خلال وسائل إعلام تتمتع بمصداقية وثقة. 

يقول أبو مرزوق لـ المنصة "الاتفاق الذي أُعلن عنه مؤخرًا ودخل حيز التنفيذ جرى التوصل إليه بكل تفاصيله منذ جولة مفاوضات جرت في مارس/آذار الماضي، ما يعني أن نتنياهو وجد نفسه يقاتل بلا معنى وبلا هدف ويدمر بلا استراتيجية، وبالتالي هو وقع الاتفاق، لأنه يُدرك أنه المخرج الوحيد له من هذه المعركة بعدما فشل في تحقيق الأهداف التي حددها للحرب".

حماس ستدير قطاع غزة لحين التوصل إلى بديل تجنبًا للفوضى والفراغ الأمني

ويعدد عضو المكتب السياسي لحماس أهداف الحرب، التي فشل نتنياهو في تحقيقها "حدد ترتيبات اليوم التالي في غزة ولم يستطع تنفيذها، ووعد بتدمير حماس وكتائب القسام ولم ينجح، ووعد باحتلال قطاع غزة بالكامل وإدارته بالسلاح ولم يستطع، ووعد بإعادة الاستيطان لشمال القطاع ومُني بالفشل، وأعلن البقاء في محوري فيلادلفيا ونتساريم وأجبر على الانسحاب"، مضيفًا أن رئيس وزراء إسرائيل فقد أي مبرر للعودة إلى الحرب.

اليوم التالي وفيتو المصالحة

سيناريوهات وأشكال عدة طُرحت طوال 15 شهرًا مضت لإدارة غزة تحت مسمى اليوم التالي، لكن على أرض الواقع، بعد بدء اليوم التالي فعليًا في القطاع عقب توقف الحرب لم يُر أيٌ من هذه السيناريوهات، وبقيت حقيقة واحدة على أرض الواقع، هي حضور حركة حماس بأجهزتها الشرطية والتنفيذية في صدارة المشهد، تدير وتقدم ما تيسر من الخدمات، وأمام هذا المشهد باتت هناك تساؤلات عدة بشأن مستقبل القطاع وإدارته وتأثير ذلك على توجهات المانحين الدوليين، ومن ثم على عملية إعادة الأعمار، وإعادة تأهيل حياة المواطنين.

وهنا يرى أبو مرزوق أن إدارة حماس للقطاع في اليوم التالي لتوقف الحرب كان وضعًا طبيعيًا "لا يمكن أن نترك شعبنا هكذا دون أن يقوم أحد على خدمته أو يقوم على مصالحه وحل مشكلاته".

ويستدرك "لا يمكن اعتبار أن هذه هي رغبة حماس، فما تريده الحركة وترغب فيه هو تشكيل حكومة توافق وطني يرضى عنها كل الشعب الفلسطيني، وتكون غير فصائلية، ويقبلها المجتمع الدولي بما فيه إسرائيل، وتقبل كافة الدول التعامل معها حتى تستطيع إعادة الإعمار وبناء قطاع غزة المنهك"، مشددًا على أن حماس "هي من ستدير القطاع لحين التوصل إلى بديل تجنبًا لحدوث فوضى وفراغ".

الحديث عن استمرار إدارة حماس لغزة لحين إيجاد بديل، يأتي في أعقاب إعلان الخارجية الأمريكية أن الوزير ماركو روبيو أكد لنظيره المصري بدر عبد العاطي أهمية التعاون الوثيق لضمان عدم تمكن حركة حماس من حكم غزة مرة أخرى.

الجدل بشأن إدارة قطاع غزة وإيجاد بديل لحماس، يأتي أيضًا في وقت لا يزال فيه موقف المبادرة المصرية بشأن تشكيل ما يعرف بلجنة الإسناد المجتمعي التي كان من المقرر لها أن تتولى إدارة القطاع، معلقًا، أمام إصرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس على رفضها رغم إعلان حماس الرسمي قبولها بكافة الشروط التي طرحتها حركة فتح.

يُعَلَّق أبو مرزوق على الأمر "يبدو أن هناك فيتو على الوحدة الفلسطينية، وضغوط على أبو مازن حتى لا يتفق مع حماس"، وهي الضغوط التي تحفَّظ مسؤول ملف العلاقات الخارجية في حماس على ذكر الأطراف التي تقف وراءها.

اختيار الأسرى المدرجين في صفقة تبادل الأسرى جرى وفق معايير وطنية فقط

ويضيف "مصر بذلت مجهودًا كبيرًا في إيجاد ظهير عربي وإسلامي وأوروبي وأمريكي وإسرائيلي للجنة الإسناد، ونجحت في ذلك بشكل كبير"، كاشفًا أنه عقب اجتماعات فتح وحماس في القاهرة "توصلنا إلى صياغة نهائية جرى التأكيد فيها على أن تكون مرجعية اللجنة إداريًا وماليًا للسلطة الفلسطينية، وحتى مرجعيتها السياسية لأبو مازن".

ويبدي أبو مرزوق اندهاشه من رفض الرئيس محمود عباس وحركة فتح لمقترح لجنة الإسناد "وافقت حماس على كل الشروط التي وضعتها حركة فتح، ووافق الاتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي و17 دولة أخرى على تشكيل اللجنة، حتى أن إسرائيل وافقت عليها".

ملف كبار الأسرى

ملف آخر مهم يشغل الرأي العام العربي والفلسطيني هو مصير رموز المقاومة في سجون الاحتلال والآمال المعلقة على أسماء بارزة بإمكانها أن تلعب دورًا حاسمًا لدفع المصالحة بين فتح وحماس قدمًا، مثل مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، الذي تصر إسرائيل على رفض إدراجه ضمن صفقة التبادل إذ تعتبره العقل المدبر للانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، قبل أن تعتقله عام 2002، ويصدر ضده حكم بالسجن، إضافة إلى أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

بخصوص هذا الملف يقول أبو مرزوق الذي انخرط في المفاوضات غير المباشرة مع حكومة الاحتلال طيلة الأشهر الماضية "هناك إصرار من جانب حماس على إطلاق سراح مروان وسعدات وكل إخوانهم في السجون"، موضحًا "المعايير التي اتخذناها في تبادل الأسرى كلها وطنية وليس لها علاقة بالحزبية أو الفصائلية".

رغم إصرار حماس على تحرير رموز المقاومة لا ينفي أبو مرزوق صعوبة معركة المفاوضات في المرحلة التالية "لا يمكن للإنسان أن يحصل على كل ما يريد، ولكننا سنبذل كل جهودنا من أجل تبييض السجون".

تفاهمات بشأن فيلادلفيا

قبل يوم واحد من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ قال نتنياهو في خطاب متلفز أن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة الكاملة على ممر فيلادلفيا، الشريط الرفيع من الأرض الذي يمتد بطول 14 كيلومترًا بدء من معبر كرم أبو سالم، وحتى ساحل البحر المتوسط، وهو الخطأ الذي أثار الكثير من الجدل بشان نوايا رئيس حكومة الاحتلال.

قوة أوروبية ستشرف على معبر رفح من الجانب الفلسطيني بالتنسيق مع السلطة

في المقابل اعتبر أبو مرزوق أن "حديث نتنياهو يأتي في إطار التلاعب بالكلمات"، إذ أن إسرائيل وفي إطار تفاهمات مع مصر، ستنسحب بشكل كامل من ممر فيلادلفيا بعد 56 يومًا من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وسيكون هذا الانسحاب طوال تلك المدة بمساحات عرضية مختلفة بعضها سيكون 150 مترًا وبعضها 350 وبعضها 650، وسيكون هناك 4 نقاط ثابتة يتمركز فيها جيش الاحتلال بعد اكتمال المرحلة الأولى، قبل أن يفككها بشكل كامل عقب انتهاء الـ56 يومًا.

وحول حديث رئيس حكومة الاحتلال بشأن البقاء في الممر، يوضح أبو مرزوق "نتنياهو قال إن الانسحاب لن يتم بعد المرحلة الأولى وكلامه صحيح، لأن المرحلة الأولى 42 يومًا والانسحاب سيكون بعد اليوم الـ56".

قوة أوروبية بمعبر رفح

وكما الحال في محور فيلادلفيا، أحاط الجدل تشغيل وإدارة معبر رفح، في ظل جدليتين رئيسيتين، أولهما استمرار رفض السلطة الفلسطينية للجنة الإسناد التي كان من بين بنود تشكيلها إدارة المعبر، وثانيهما رفض نتنياهو تسليم المعبر إلى السلطة الفلسطينية.

ويقول أبو مرزوق "هناك قوة أوروبية ستوضع في المعبر من الجانب الفلسطيني إضافة إلى هيئة المعابر الفلسطينية التابعة للسلطة والتي سيقتصر دورها على ختم جوازات السفر فقط، في حين سيظل القرار الأمني في المعبر لإسرائيل".

ويستطرد "في البداية كنا متمسكين أن هذا المعبر شأن فلسطيني مصري بحت، ولكن حتى لا نُتَّهَم بوضع المعوقات أمام نتنياهو في توقيع اتفاق الهدنة وافقنا في النهاية".

بالونة ترامب

ويقلل أبو مرزوق من جدية تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، ويقول إن تصريحاته "مجرد بالون اختبار، أكثر من كونه قرار معتمد داخل الإدارة الأمريكية بحيث يعمل على إرضاء اليمين الإسرائيلي من جهة، واستطلاع موقف القوى العربية المؤثرة وسكان غزة من جهة أخرى".

ويشدد القيادي بحماس على أن خطة ترامب التي يعمل على ترويجها "مرفوضة بالكلية"، كما أنها "غير قابلة للتطبيق لعدة اعتبارات أولها الرفض المصري والأردني القاطع، وثانيها وجود أطراف دولية فاعلة مثل ألمانيا وفرنسا وإقليمية مثل السعودية ترفض هذا الطرح أيضًا".

ويشير أبو مرزوق إلى ما أسماه "تناقض الرئيس الأمريكي مع نفسه"، موضحًا أن برنامجه الانتخابي تضمن بشكل أساسي التعهد بوقف الهجرة لأمريكا، متسائلًا "كيف ترفض أن يهاجر أحد إلى بلدك ثم تريد تهجير شعب آخر من بلده. هذا منطق معوج، وإن كان المنطق المختل مرتبط بالقناعات الأمريكية وانحيازها لإسرائيل".  

ويرى القيادي بحماس أن مصير خطة ترامب سيكون الفشل مثلها مثل الخطة الأمريكية عام 1954 التي كانت ترمي لتهجير نصف سكان غزة إلى مدينة العريش المصرية، وهي الخطة التي رفضها بشكل حازم الرئيس المصري جمال عبد الناصر وقتها.