البيت الأبيض، فليكر
ترامب مع وجبات ماكدونالدز ودومينوز بيتزا وبرجر كينج، 14 يناير 2019

ماذا لو عاد منتصرًا؟

ترامب الذي يشبه أسلافه ومن بعده

منشور الجمعة 8 مارس 2024

بعد طول ترقب وانتظار، قضت المحكمة العليا الأمريكية بإلغاء قرار يستبعد دونالد ترامب من الاقتراع الرئاسي التمهيدي في ولاية كولورادو، بعد مساعيه لإلغاء نتائج انتخابات 2020 التي خسرها، والتي اختتمت بمشاهد أنصاره وهم يهاجمون مبنى الكابيتول في واشنطن بدايات عام 2021.

ترامب اعتبر الحكم "فوزًا كبيرًا لأمريكا"، إذ قررت المحكمة العليا أنَّ الولايات لا يحق لها استبعاد أي مرشح من بطاقة الانتخاب، وذلك بموجب الدستور وتطبيقًا للمادة الثالثة التي تتعلق بالمناصب الفيدرالية، خاصة الرئاسة، التي يجب الحصول فيها على التشريع والموافقة من الكونجرس أولًا.

تجدر الإشارة إلى أنَّ قرار المحكمة العليا لم يتطرق إلى التهم الجنائية الموجهة لترامب، ومن بينها مسؤوليته عن أحداث السادس من يناير/كانون الثاني 2021.

قرار المحكمة هذا يستدعي وقفة أمام التأثير المحتمل على المبادئ الدستورية والمعايير الديمقراطية والضمانات المؤسسية، إذا عاد ترامب "منتصرًا" إلى البيت الأبيض. 

خلال فترة رئاسته اليتيمة، استخدم ترامب العديد من الإجراءات والاستراتيجيات التي قوَّضت وتحدَّت بشكل صريح القواعد الدستورية والمعايير والتقاليد الراسخة، غير المكتوبة، التي حافظت تاريخيًا على استقرار المؤسسات الديمقراطية. وربما يكون مفيدًا مراجعة هذه الأعراف لفرضها في نصوص دستورية وقانونية، لمنع خرقها في المستقبل.

الخوف من هذه التجاوزات لا يقتصر على قرارات اتسمت بالرعونة، بل يمتد إلى احتمالات تحويل مكتب التحقيقات الفيدرالي أو وزارة العدل مثلًا إلى إقطاعيات شخصية تتحكم بها أهواء الرئيس، أو أن تفقد المؤسسة السيطرة على قراراته، خاصة في السيناريوهات التي قد يُصدر فيها أوامر عسكرية تفتقر إلى السلطة القانونية. لذا فإن دور الكونجرس في الإشراف على عملية صنع القرار أمرٌ حاسمٌ في منع التسييس غير المبرر للهيئات الحكومية.

في هذا السياق يمكن رؤية قرار المحكمة العليا، الذي جاء مخالفًا لتمنيات الكثيرين بفرض المزيد من القيود على ترامب وعزله سياسيًا بمنعه من الترشح ضد جو بايدن في الانتخابات المقبلة، باعتباره تأكيدًا على أنَّ استقلالية المؤسسات هي الضامن الوحيد لنزاهة العملية السياسية، حتى لو كان حكمها ليس على هوى السلطة التنفيذية في البلاد، ولصالح شخص يحاول هو نفسه تقويض القواعد الدستورية. هل ترون المفارقة؟

هل انحرف ترامب عن نهج المؤسسة الراسخ أم أنه كشف سلوكيات كانت مخفية تحت السطح؟

شخصيًا، لست من الداعين إلى الارتكان للعرف المتبع والمتوافق عليه فيما يتعلق بإصلاح المؤسسات، التي قد تحتاج أحيانًا إلى إعادة هيكلة بنيوية جذرية لتكون قادرة على التعامل مع متغيرات الواقع والعصر الحديث الذي نعيشه. غير أنَّ ترامب لم يكن ثوريًا في إجراءاته تلك، بل كان يتعامل مع المؤسسة كطفل مدلل يهوى تكسير ألعابه. 

ذلك "العبث"، إذا جاز التعبير، لا يجعل ترامب "العابث الوحيد" الذي مر على تاريخ الرئاسات الأمريكية، إلا في درجة الفجاجة والوضوح التي مارس بها عبثه. في نهاية الأمر هو رئيس من خارج المؤسسة، لم يتربَّ في أروقتها ولا يملك تجارب في العمل السياسي؛ تاجر يمتلك الكثير من الأموال وبعقلية رجل أعمال يدير الشؤون السياسية كما يدير أعماله التجارية، بكل حيلها وأساليبها المشروعة وغير المشروعة. 

عقلية التاجر/رجل الأعمال التي أدار بها ترامب فترة حكمه، لم تكن بالكامل أمرًا سلبيًا، فنهجه غير التقليدي في التعامل مع الدبلوماسية له أبعاد سياسية واقتصادية، وكان مستعدًا لفعل أي شيء يحقق رؤيته، فالتقى زعيم كوريا الشمالية وبحث معه سبل تعاون اقتصادي قد يبني جسرًا محتملًا لعلاقات سياسية.

كما مدَّ يده إلى "العدو التاريخي" روسيا، في خطوة أثارت حفيظة المؤسسة بشقيها الديمقراطي والجمهوري على حد سواء كونها خطوة من "خارج المنهج"، مضى بها في حقل ألغام لا تريد المؤسسة سبر غوره. 

كانت له كذلك قرارات اقتصادية ساهمت بشكل مباشر في تحسين حياة قطاع واسع من الأمريكيين، كاتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا USMCA، التي كانت بمثابة فوز مشترك للعمال والمزارعين ومربي الماشية، والشركات الكبرى في أمريكا الشمالية، وحققت توازنًا أكثر عدالة للعمال.

بالإضافة إلى قانون خفض الضرائب على الشركات لتحفيز الاستثمار عام 2017، الذي ساهم في خلق فرص جديدة للاستثمار، خاصة للشركات الصغيرة التي استفادت من الإعفاءات الضريبية. 

في حين قد يُنظر إلى ترامب باعتباره مخالفًا بفجاجة للمعايير الراسخة، فإنَّ التجارب تُظهر أيضًا أنَّ أسلافه، ومن جاء بعده، لا يختلفون في جوهرهم. ربما هم فقط أكثر براعة في إخفاء أفعالهم تحت غطاء الدبلوماسية وقشرة اللياقة التقليدية.

يدفعنا ذلك إلى التساؤل عمَّا إذا كانت تصرفات ترامب تشكِّل بالفعل انحرافًا عن نهج راسخ طويل الأمد اتبعه الرؤساء الأمريكيون على مر التاريخ، أم أنها كشفت فحسب عن سلسلة من السلوكيات التي كانت مخفية تحت السطح، يهدد إخراجها للعلن المؤسسة، بغض النظر عن أيديولوجية وحزب الرئيس؟

ذكرت في مقال سابق، أن قصص الأبطال الخارقين تضعنا أحيانًا أمام معضلة أخلاقية حول تعريف الخير والشر كما في حالة باتمان، وأن الشرير/villain دائمًا ما يمثل الجانب المظلم للحكاية. لكن ماذا لو كان "الشرير" هو نفسه السبب في الوصول إلى الخير؟

سؤال افتراضي قد يجيب عنه الناخب الأمريكي في الانتخابات المرتقبة هذا العام، حينها ربما نتمكن من إعادة تعريف الأخيار والأشرار، خاصة إذا ما ذكَّرنا أنفسنا أن المنافس الآخر في سباق الرئاسة هو جو بايدن!

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.