ترامب يرقص بالسيف مع الملك سلمان في السعودية، مايو 2017. 

هدايا ترامب الصهيونية لحلفائه العرب

منشور الثلاثاء 19 نوفمبر 2024

كان الحزب الجمهوري تاريخيًا الخيار المفضل لمعظم حلفاء واشنطن العرب بعد الحرب العالمية الثانية. فالحزب المدعوم من كبريات شركات النفط والسلاح كان دائمًا أكثر انفتاحًا في التعامل مع العالم الخارجي والتدخل في حروبه وأزماته، مقارنةً بالحزب الديمقراطي الأكثر اهتمامًا بقضايا الداخل من اقتصاد ورعاية صحية واجتماعية، بالإضافة إلى حقوق الأقليات من ناخبيه.

ولم يختلف الأمر كثيرًا في الانتخابات الأمريكية الأخيرة التي انتهت بنتيجة مُرضية لحلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة العربية. فرغم أن كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، يتفق منذ النهاية الكارثية لمغامرات بوش الجمهوري في العراق وأفغانستان على ضرورة التخلي عن سياسة نشر الديمقراطية الأمريكية بقوة السلاح، يتبنى ترامب مقاربة مختلفة، مكّنت حلفاءه العرب من اجتذابه للعمل معهم في رئاسته الأولى بين 2017 و2021.

فمنذ تدشين حملته الانتخابية، يكرر رجل الأعمال المتفاخر بقدرته على عقد الصفقات الناجحة جالبة المليارات، أن الوقت حان لكي تتوقف الولايات المتحدة عن إنفاق أموالها على حماية مصالح الدول الأخرى، بما في ذلك حلفاؤها التقليديون في أوروبا وآسيا والعالم العربي، وأن من يريد الدعم الأمريكي من الآن فصاعدًا، عليه أن يدفع الثمن.

لذلك، لم تكن مصادفة أن أول زيارة خارجية لترامب في رئاسته الأولى كانت إلى السعودية، وعاد منها بصفقات سلاح ضخت المليارات في خزائنه، ليعتبرها نجاحًا مبهرًا لسياسته القائمة على الوقوف خلف مَن يدعمون الاقتصاد الأمريكي مِن الحلفاء، ويخلقون فيه المزيد من الوظائف، لا من يبحثون عن العمالة الرخيصة في الصين وجنوب شرق آسيا.

ومقابل تلك الصفقات مع السعودية، تبنى ترامب موقفًا متشددًا من إيران؛ فانسحب من الاتفاق النووي، وأمر باغتيال رمزٍ بحجم قاسم سليماني في عملية شديدة الجرأة، وشدد القيود على النفط الإيراني. ولكن مع ذلك، لم تبلغ درجة دعم ترامب ما كانت تتمناه الرياض، وتمسك الرئيس الأمريكي السابق بموقفه الرافض للتورط في حربها ضد الحوثيين.

تعهد ترامب بإنهاء الحرب القائمة لكن التعيينات الصادمة في إدارته تجعلنا نتوقع الأسوأ

صحيح أن المصالح الأمريكية الاستراتيجية في استمرار تدفق النفط وضمان أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي أجبرت كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة على التعامل مع الديكتاتوريات العربية بغض النظر عن سجلاتها الحقوقية، لكن الغياب الكامل لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطق الترامبي، الذي يضع الصفقات الرابحة أولوية في التعامل مع الحلفاء، يجعل العرب أكثر راحة في التعامل مع الجمهوريين.

لم تكن الأنظمة العربية الحليفة لواشنطن مرتاحة ولو لمجرد تمسك المسؤولين في إدارة بايدن بإثارة قضية تحسين أوضاع حقوق الإنسان في كل اجتماع رسمي. ولم يكن من المتوقع أن تغير كامالا هاريس هذا النهج في حال فوزها بمنصب الرئاسة.

ففي حالة مصر، الحليف القوي لواشنطن منذ أواخر السبعينيات، امتنع أوباما عن استقبال الرئيس المصري في البيت الأبيض منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، وجمَّد كل المساعدات الأمريكية لمصر على مدى عام كامل. أما بايدن فأكد في أول رئاسته أنه لن يمنح "شيكًا على بياض" لحلفاء واشنطن الذين لا يضعون قضايا حقوق الإنسان ضمن أولوياتهم، في إشارة للنظام المصري. 

في المقابل، كان الرئيس السيسي في مقدمة زعماء العالم الذين استقبلهم ترامب في البيت الأبيض. وسعى، لكن من دون نجاح، لحل الأزمة المتصاعدة مع إثيوبيا بسبب سد النهضة. كما أعلن عن دعمه لمصر في حربها على الإرهاب، وإن لم يكمل خطوات إدارته لإعلان جماعة الإخوان المسلمين إرهابيةً كما كانت تتمنى القاهرة.

إذن، فيما عدا قطر التي تمتعت بعلاقات أفضل مع الديمقراطيين، كانت لدى الأنظمة العربية الموالية لواشنطن ما تحتفل به مع فوز ترامب، إلى أن بدأ الرئيس المنتخب يعلن اختياراته لرموز إدارته الجديدة.

ففي رئاسته الثانية، سيجلب ترامب إلى إدارته مجموعة من عتاة المؤيدين لليمين الصهيوني. فحاكم أركانسو السابق مايك هاكبي، الذي قال "لا يوجد شيء اسمه 'فلسطيني'، هذه مجرد خدعة للاستيلاء على أرض إسرائيل"، سيصبح سفير أمريكا لدى إسرائيل. وعضو مجلس الشيوخ ماركو روبيو الذي قال إن "حماس تتحمل بنسبة مائة في المائة" مسؤولية الخسائر البشرية في غزة بسبب استخدامها الفلسطينيين "دروعًا بشرية"، سيصبح وزيرًا للخارجية.

أما النائبة إليس ستيفانيك، التي تصف الأمم المتحدة بأنها "مستنقع لمعاداة السامية"، فستمثل بلادها في هذا المستقنع. وكانت الأضواء مسلَّطة بشكل كبير على ستيفانيك العام الماضي، خلال التحقيقات التي أجرتها مع ثلاث رئيسات لثلاث من كبريات الجامعات الأمريكية، لعدم قمعهنَّ حق الطلاب في التضامن مع فلسطين بما فيه الكفاية، بحجة أن تضامنهم هذا يغضب الطلبة اليهود، ما يجعله معاديًا للسامية.

يضم ترامب إلى إدارته مؤيدين لإسرائيل ويتبنى سياسات داعمة لها، لدرجة تجعله يعرب مرارًا عن استغرابه البالغ من تفضيل غالبية الأمريكيين اليهود التصويت لصالح الديمقراطيين، متجاهلًا أن هؤلاء يدركون جيدًا مدى تفشي الأفكار الفاشية والعنصرية بين العديد من أنصاره من دعاة تفوق العرق الأبيض وأعداء السامية.

قد تعتقد الدول العربية النفطية الثرية أن بإمكانها شراء رضا ترامب وعقد صفقات معه عبر صهره جاريد كوشنر أو مبعوثه الجديد إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي يعمل مثل كوشنر في مجال تجارة العقارات في نيويورك وكان حلقة الوصل مع أثرياء أمريكا اليهود الداعمين للحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري. لكن إقدام ترامب المتوقع على خطوة مجنونة من قبيل الموافقة على ضم الضفة الغربية سيؤدي بالتأكيد إلى إطالة أمد الحرب، بما تسببه من خسائر فادحة في أرواح الأبرياء، كما ستلقي ظلالها على الصفقات والشراكات.

تعهد ترامب في حملته بعدم خلق حروب جديدة بل إنهاء القائمة بالفعل سواء في الشرق الأوسط أو أوكرانيا. ولكن التعيينات الصادمة لكل المناصب الرئيسية تقريبًا في إدارته تشي بأن علينا توقع الأسوأ من إدارة المجانين هذه التي لا يوجد فيها صوت واحد عاقل يدعو للسلام. فهل يدرك الحلفاء العرب ذلك؟

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.