تصميم: أحمد بلال، المنصة
الدعم الإيراني لعدة جماعات مسلحة في الشرق الأوسط يلعب دورًا في الحرب الإسرائيلية على غزة.

بعد مسح غزة وإسكات لبنان.. جاء دور إيران

منشور الأربعاء 2 أكتوبر 2024

يبدو أن أيام أو حتى ساعات العد التنازلي للحرب الإسرائيلية المؤجلة منذ عقدين على إيران قد بدأت، بل ربما تكون انتهت، وانطلقت الضربات الإسرائيلية هناك عند قراءتك هذا المقال.

حيَّدت إسرائيل مصر باتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 عن صراعها مع العرب، لتطلق بعده يدها في لبنان، ثم تقصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، وتلتزم الصمت تجاه صواريخ سكود التي أطلقها صدام حسين عليها عام 1991 كي لا تُحرج "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية ومصر، بينما هو يساعد الولايات المتحدة على تحطيم القوة العراقية، حتى في بغداد، لإخراجها من الكويت في عهد بوش الأب. 

والمفارقة، أن عودة مصر للجامعة العربية كانت ثمن مساعدتها والسعودية لصدام في استنزاف الجمهورية الإسلامية التي حلت في إيران بعد الثورة على نظام الشاه.

وبعد نحو عشر سنوات، عاد بوش الابن مع المحافظين الجدد "ليكملوا المهمة" ضد العراق بغزوه واحتلاله، ليس فقط بحجج الرد على هجمات 11 سبتمبر ونزع أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي لم يجدها أحد هناك، بل أيضًا لما ظل الرئيس الابن يردده، بأن صدام "حاول اغتيال والدي"!

والمفارقة الأخرى، أن أحد أبرز الساسة الذين يحرضون الآن على حربِ إنهاءِ النظام الإيراني، الداعم الأخير للمقاومة ضد إسرائيل بعد إخراج مصر والعراق، هو مهندس التطبيع الإبراهيمي التي تهدف في النهاية إلى إخراج السعودية بالمثل. أقصد هنا جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الجمهوري السابق للشرق الأوسط مع زوجته إيفانكا، والذي لا يتوقف حتى الآن عن ترديد ما قالته حملة ترامب بأن إيران تحاول اغتيال والد زوجته؛ دونالد!

جاريد كوشنر الذي يستثمر بعد خروجه من البيت الأبيض ملياري دولار للصندوق السيادي السعودي، كان والده صديق نتنياهو لدرجة أنه ترك غرفته وسريره وهو طالب لضيف أبيه بيبي، السياسي الناشئ وقتها، ليبيت فيها.

في اليوم التالي لاغتيال السيد حسن نصر الله مع العديد من قادة حزب الله بعد قصف مقره في الضاحية الجنوبية، غرَّد كوشنر على إكس مهللًا بأن هذا كان "أهم يوم في الشرق الأوسط منذ الإنجاز الخارق للاتفاقيات الإبراهيمية" التي توسط فيها عام 2020. ويكشف أهمية ذلك فيما سيترتب عليه، ومن الواضح أنه يشير إلى بدء العد التنازلي لضرب إيران، سواء كانت أقدمت على ضربتها الصاروخية الأخيرة أم لا.

كتب كوشنر "هذا  أمر مهم لأن إيران الآن مكشوفة تمامًا. إذ يرجع  السبب في عدم تدمير منشآتها النووية، على الرغم من أنظمة دفاعها الجوي الضعيفة، هو أن حزب الله كان بمثابة سلاح موجه نحو إسرائيل. لهذا أمضت إيران الأربعين عامًا الماضية في بناء هذه القدرة كعامل ردع".

كما يردد كوشنر العبارة المقتضبة التي يرددها حماه الرئيس السابق ترامب في كل مرة ينتقد فيها سياسة جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، على دعوتها لوقف إطلاق النار دون ضغط على إسرائيل، وإن كانت مجرد دعوة لفظية. فالمطلوب بالنسبة لترامب هو ترك إسرائيل حتى "إكمال المهمة" لصالحها، ليس فقط في غزة وحدها، ولا لبنان بعدها، بل الأهم إكمال المهمة ضد إيران.

استهداف المشروع النووي

لم تكتفِ إسرائيل بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران في عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون عام 1995، ثم ضغطت لتدويلها مرتين؛ عام 2006 في عهد الجمهوري بوش الابن و2010 في عهد الديمقراطي باراك أوباما، بدعوى تطوير طهران أسلحة دمار شامل.

فخلال الفترة الرئاسية الثانية لبوش الابن، ضغطت إسرئيل من أجل توجيه ضربة جوية للمفاعلات النووية الإيرانية، لكن الإدارة الأمريكية رفضت حتى آخر سنواتها عام 2008، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، أن تمدَّ إسرائيل بالقنابل المتقدمة اللازمة لاختراق التحصينات تحت الأرض، أو السماح لمقاتلاتها بعبور الأجواء العراقية في طريقها لإيران. خشيت واشنطن التورط في هذا الصراع وعدد قواتها في المنطقة بلغ 140 ألف جندي وقتها.

لكن إدارة بوش، وفق تقرير صحيفة هولندية، تعاونت استخباراتيًا عام 2007 مع إسرائيل بما سمح لها بتخريب أجهزة الطرد المركزي في مفاعل نطنز، عبر إدخال أجهزة مستوردة عن طريق سويسرا تحمل فيروسات إلكترونية فُجِّرت لاحقًا!

ولم تتوقف المساعي الإسرائيلية لتخريب وتفجير مفاعل نطنز من الداخل، فكررت العملية بشكل أكبر عام 2021. هذا بجانب استهداف واغتيال علماء الذرة الإيرانيين، وأهمهم مهندس المشروع مسعود فخري زادة، مثلما سبق لها اغتيال مهندس مشروع المفاعل النووي العراقي، عالم الذرة المصري يحيى المشد.

وفي 2015، تمكنت إيران من التوصل للاتفاق النووي مع السداسية الدولية في عهد أوباما، فسمحت بتفتيش كل مفاعلاتها النووية، خصوصًا تلك التي تستهدفها إسرائيل تحت الأرض في نطنز، وفي أصفهان و أكار، مقابل رفع أغلب العقوبات الأمريكية والدولية على اقتصادها. فشل نتنياهو في الحيلولة دون إبرام الاتفاق رغم دعوته أعضاء الكونجرس وهو يخطب أمامهم بالتصويت الاتفاق دون جدوى، وذلك بسبب اصطفاف الأغلبية من الحزب الديمقراطي مع الرئيس.

لكن لم تمر ثلاث سنوات، حتى انسحب الجمهوري دونالد ترامب من الاتفاق، ولم يفلح نائب أوباما، جو بايدن، في العودة إلى الاتفاق حين أصبح رئيسًا بعد ترامب، لأنه، وامتثالًا للضغوط الإسرائيلية التي يصغي لها، لم يشأ رفع العقوبات عن الحرس الثوري، وتلك التي أضافها ترامب.

موقف المتنافسين على البيت الأبيض

الفارق بين إدارتي بايدن وترامب في التعامل مع إسرائيل والمنطقة، هو الفارق بين جمهوري واضح في دعمه لإسرائيل ومنحها كل ما تريد، وديمقراطي متعثر يحاول دون جدوى إمساك العصا من المنتصف، مجرورًا بضغوط اللوبي الصهيوني من ناحية، وغضب ناخبيه المضمونين من ناحية أخرى.

هذا الفارق يظهر أيضًا في حملة ترامب الانتخابية حاليًا لا في إدارته فقط، فحتى المرشح نائبًا له في الانتخابات المقبلة، السيناتور جي دي فانس، أجاب بوضوح حين سألوه في المناظرة الأخيرة مع منافسه الديمقراطي على منصب نائب الرئيس عمَّا إذا كان يوافق على أي ضربة إسرائيلية استباقية ضد ايران، بأن إسرائيل هي التي تحدد ما فيه مصلحتها، وعلينا أن ندعم أي قرار تتخذه.

أدركت طهران متأخرًا اقتراب الخطر، بعد استهداف قادة حزب الله ثم الدعم الأمريكي للتوغل برًا في لبنان

أما تيم والز، حاكم ولاية مينيسوتا المرشح نائبًا لهاريس، فتهرَّب من الإجابة بوضوح عن نفس السؤال، مكتفيًا بإدانة حماس على السابع من أكتوبر، وإبداء التعاطف مع المعاناة الإنسانية في غزة، ثم التخويف من رئاسة ترامب "المضطرب"، الذي سبق وأن شكك فانس قبل أن يصبح المرشح نائبًا له، في أهليته للحكم!

كامالا هاريس سبقت مناظرة النائبين بالخروج من البيت الأبيض للتعليق على الضربة الصاروخية الإيرانية، فأشادت بقرار بايدن مشاركة القوات الأمريكية في صد جانب من الصواريخ. وكررت دعمها "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، وبأن تقييم الأضرار لم ينتهِ بعد، وهو أيضًا ما قاله قبلها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان للصحفيين، وهو يخبرهم بأن الإدارة الأمريكية على تواصل مع إسرائيل، وأن الأخيرة لم تحسم بعد قرارها بتقييم الوضع.

هذا التعبير مربط الفرس، أن إسرائيل هي التي تقرر الآن ماذا ستفعل رغم كل توسلات إدارة بايدن، وكذلك المخاوف التي ألمحت لها هاريس، بقولها إن إيران تشكل خطرًا خصوصًا "على قواتنا في المنطقة"!

وبينما اكتفى المرشح الجمهوري ترامب من ترديد أن العالم مقبل على حرب عالمية ثالثة في ظل غيبة الرئيس الأمريكي عن الوعي، حذر السيناتور الجمهوري السابق وليام كوهين، الذي كان وزير الدفاع في الفترة الثانية للرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، من أن اليد العليا الآن لإسرائيل في تحديد الضربة التي ستوجهها لإيران وما إذا كانت ستقتصر على المنشآت النووية أم تمتد للمنشآت البترولية لتركيع الاقتصاد الإيراني.

"فرصتنا التي لن تتكرر بسهولة"

قالها بوضوح رئيس وزراء إسرائيل الليكودي السابق نفتالي بينيت في مقابلة مع سي إن إن، ولم يكتفِ بقوله إن الضربات ستشمل المنشآت النووية والبترولية، بل أضاف لها مراكز القيادة السياسية الإيرانية.

يمكن أن يُستشَف ذلك أيضًا من الكلمة التليفزيونية التي وجهها نتنياهو "للشعب الإيراني" في اليوم السابق على الضربة الإيرانية، يحرضهم فيها على زعمائهم، ويعدهم بحياة زاهرة حين يتم التخلص هؤلاء الزعماء!

الحسابات الإيرانية التي كانت لا تريد إعطاء ذريعة لإسرائيل لجرها إلى حرب غزة أولًا، معتقدة أن عدم التدخل أو الدعم العسكري لحماس قد يخفف أعمال الإبادة، لن تجد الآن بُدًّا من تورطها، خصوصًا بعد أن وصلت الأساطيل الحربية الأمريكية وانطلقت التهديدات بالرد، تحت شعار عدم توسعة نطاق الحرب.

أدركت طهران متأخرًا اقتراب الخطر، بعد أيام قليلة من استهداف حزب الله، أقوى أرصدتها الرادعة لإسرائيل، وبعد أن دعمت واشنطن علنًا لأول مرة توغل إسرائيل البري في لبنان، أي في دولة عربية خارج الأراضي المحتلة. 

بالتالي، لم يبقَ في متناول إيران من وسائل ردع تعتمد عليها لجعل أمريكا تمنع إسرائيل من التهور، سوى القوات الأمريكية القريبة في الخليج. وهي رغم ذلك تعرف أنها لو استهدفتها فستواجه ضربات أمريكية على الفور. لكن هل تتحمل إيران تلقي الضربة الإسرائيلية الكاسحة، حتى تتمكن بعدها من الرد، سواء على إسرائيل أو أمريكا؟

أشك للأسف، ولكن لننتظر لنرى!

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.