رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فليكر
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستعرض خريطة لإسرائيل تتضمن الضفة الغربية المحتلة، 4 سبتمبر 2024

فلنستعد لمواجهة العدو في الداخل والخارج

منشور الخميس 13 فبراير 2025

كتبت ثلاثة مقالات عما أسميه الصهيو-إماراتية، وكيف أنها طور وكالة استعمارية جديد في المنطقة، يعيد من جديد بديهية فكرة وحدة القضايا الثلاث؛ الوطنية والاجتماعية والحريات، لأن أطماع هذا التحالف ليست جيوسياسية أو دفاعية، بل هو منطق كامل الأركان والعناصر للحكم والهيمنة في المنطقة.

ينسى البعض أو يتناسى أن الأصل في الإشكال الصهيوني بالنسبة لنا هو وجوده في ذاته، وليست المآسي المترتبة على هذا الوجود. مشكلة إسرائيل هي وجودها وليس ما تمارسه في المنطقة بسبب وجودها، كان يمكن لإسرائيل أن تختار وجودًا مختلفًا من البداية يسعى للاندماج في المنطقة والتعاون مع مصالح شعوبها، ولكن هذا الخيار ضد طبيعتها ومنطق تأسيسها وإمكانية استمرارها، ولو كان ممكنًا لطُرِح مبكرًا جدًا حتى قبل إعلان دولة إسرائيل. هذا ما لم يفهمه منطق التسوية المصري الذي أصر على خداع نفسه من البداية.

تخشى إسرائيل السلام والتسوية أكثر من الأنظمة العربية الراغبة في استمرار واستطالة الصراع بغرض تسويغ أنماط من الحكم الاستبدادي لشعوبها، وليس صدفةً أنها حين عقدت النية على التطبيع الحقيقي والكامل، اختارت دولًا بلا شعوب، بل حواضر بلاستيكية، وهذا ما شرَحت منطقه في سلسلة المقالات السالف ذكرها.

ما لا ينتبه له الكثيرون، أن السعار الصهيوني الذي بدأ بعد السابع من أكتوبر، لا يمكن له أن يتوقف وإلا واجهت إسرائيل استحقاقات سياسية واجتماعية عنيفة داخلها. كتبَتْ إسرائيل على نفسها التعبئة ولا يمكن لها إلا الهروب المستمر إلى الأمام، بمعنى أنها فعَّلت خاصية العدوان من جديد، كشرط من شروط استمرارها كدولة. بالطبع سيكون السلام شعارها، لكنه سيكون شعارًا مماطلًا يعلَم كل الإسرائيليين أنه غير جاد.

إسرائيل مشتعلة ذاتيًا منذ بداية 2023، وبلغت الصراعات بين القوميين الدينيين والقوميين العلمانيين حدود الاقتتال الأهلي والدهس المتبادل في الشوارع واتهامات العمالة والخيانة، بل إن القوميين الدينيين استغلوا اللحظة الراهنة في تسليح أنفسهم داخليًا في مواجهة كافة التهديدات المحتملة، التي تبدأ بفلسطينييِّ الضفة وتمر بفلسطينييِّ الـ48 ولكنها تنتهي حتمًا بخصومهم السياسيين والعقائديين.

لقد ندب يحيى السنوار وجوههم ثم رماهم بعصاه ورحل؛ بعينٍ تاريخية بعيدة ربما سيقارن البعض لحظته كممارسةٍ سياسية وفعلٍ عسكريٍّ، بإشعال محمد البوعزيزي النار في نفسه قبل 15 عامًا.

مصر في حاجة لأن تكون بلدًا مختلفًا في الفترة القادمة بإرادتها خيرًا من أن يُفرض علينا ذلك فرضًا

لا يمكن لإسرائيل أن تتوقف، ولا تريدها الولايات المتحدة أن تتوقف. ربما تلتقط بعض الأنفاس هنا وهناك، ولكنها فعَّلت وضع العدوان وانطلقت، جرى تسليحها ثم إعادة تسليحها، وامتطتها الولايات المتحدة ككلب مسعور تساوم به المنطقة كلها استراتيجيًا وماليًا.

المسكوت عنه والمستقر في وجدان كثير من أبناء الطبقة الحاكمة المصرية وفي المنطقة كلها، هو رؤيتهم لإسرائيل كنموذج للتقدم، معاداته نوع من الغوغائية والتعصب، وأن المصلحة العامة تقتضي مسالمة من هم أقوى وأرقى وأوثق صلة بالمركز الإمبراطوري. بالطبع هناك ثارات وعداءات وذاكرة ثقافية ودوافع دينية، لكن ميزان الرؤية مال وبشدة إلى انتصار الهزيمة والتآخي مع الخطيئة، حتى وصلنا إلى مرحلة وإيه يعمل التعليم في وطن ضايع.

المفاجأة الآن هي أن إسرائيل أقوى وأشرس وأوثق صلةً بالمركز الإمبراطوري، لكن لا هي ولا المركز الإمبراطوري يمكن اعتبارهما نموذجًا أو قدوةً. دأبت السلطة منذ العهد الساداتي على وصم الخطوط السياسية المعادية للصهيونية والإمبريالية باعتبارها عنتريات وحنجوريات ولا واقعية وتفكيرًا بالتمني. المفاجأة أن المواقع تبدلت وأصبح رهانهم هم هو الحنجوري وغير الواقعي والغارق في التفكير بالتمني، ولكنه ليس عنتريًا ولا شجاعًا بالتأكيد.

كانت السراي المصرية في عهدي فؤاد وفاروق تؤمن تمام الإيمان بوطنيتها وبأنها القَيِّمة والوصية على مصلحة البلاد، وأن الحركة الوطنية بقيادة الوفد مجموعة من المغامرين غير العقلاء الذين يقامرون باستقرار البلاد، وكان لجرابيع السراي صوتٌ عالٍ ويدٌ طائلة، لكنهم سقطوا جميعًا في النهاية بالرغم من كل الموارد والشبكات التي كانت في حوزتهم.

ظلَّ الحفاظ على كامب ديفيد لفترة طويلة حجرَ الزاوية لأي سلطة في مصر تريد تثبيت نفسها بالدعم والغطاء الغربي، لكن ذلك أصبح من الماضي، فقد انتهت كامب ديفيد بالقفز فوقها والمرور عبرها دون خرقها وإعلان نهايتها بشكل رسمي، تمامًا كما حدث مع معاهدة فرساي التي رفض الجميع في ثلاثينيات القرن العشرين سقوطها، قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بعد أن قتلها هتلر مرات ومرات بالمرور والقفز.

العدوان والحرب لا يبدآن بإطلاق الرصاصة الأولى، بل بإعلان طرفٍ أجندةً وسياساتٍ تتناقض مع مصالحك تناقضًا رئيسيًا وهو يعلم علم اليقين بهذا التناقض، ثم يصر على أجندته ويسعى لفرضها. الحرب هي السياسة بوسائل عنيفة، لكن يمكن للسياسة أن تصبح عنيفةً بدون حرب.

لذلك، يجب أن تتلقى إسرائيل رسالةً فجةً وواضحةً بأن كونها قاعدةً عسكريةً أمريكيةً متقدمةً لا يعني أن الولايات المتحدة ستدافع عنها إلى النهاية وللأبد وبالوتيرة نفسها، وهذا بالضرورة يستلزم أن تعرف إسرائيل أننا على استعداد لخوض صراع طويل هي الخاسرة فيه حتمًا، هي وامتداداتها الداخلية في مصر على مستوى المصلحة ورؤية الأمور والأشياء.

مصر ليست إيران، بل هي دولة مواجهة لها حدود طويلة مع إسرائيل، وهي الدولة العربية الأكبر، ولا يزال هناك شيء اسمه العرب مهما حاول صهاينة الأعراب القفز فوق حقيقة وحدة المصير المشترك للشعوب الناطقة بالعربية.

مصر في حاجة لأن تكون بلدًا مختلفًا في الفترة المقبلة، بإرادتها، خيرًا من أن يفرض علينا ذلك فرضًا ونحن لسنا في أفضل حال.

مرة أخرى؛ هي وحدة القضايا لا وحدة الساحات كما اعتاد أن يردد الممانعون.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.