برخصة المشاع الإبداعي: ويكيبيديا
ستيف ويتكوف مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض. 1 مارس 2018

أهداف ويتكوف "غير البريئة" من حديثه عن مصر

منشور الثلاثاء 25 مارس 2025

مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مطلع هذا العام، بزغ نجمُ مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، رغم عدم امتلاكه أي خبرة في السياسة الخارجية أو العمل الدبلوماسي طوال سنوات عمره الثمانية والسبعين.

فبعد أن لعب دورًا حاسمًا في دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى القبول باتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار مع حركة حماس لتنفيذ تعهد ترامب بإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر، سعى الإعلام الأمريكي اليميني إلى تلميع صورته وتصويره كساحر قادر على صنع المعجزات، الأمر الذي دفع ترامب إلى تكليفه بمهمة أخرى ثقيلة، وهي التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل الحرب الدائرة مع أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، وربما يصبح لاحقًا مبعوثه للتفاوض مع إيران.

الميزة الأساسية التي يتمتع بها ويتكوف، مثل الكثيرين ممن عينهم ترامب في إدارته، هي أنه صديق شخصي مقرب للرئيس منذ عقود، يلعبان الجولف معًا بل إنه كان مع ترامب في منتجع الأخير في مارالاجو بولاية فلوريدا، عندما تعرض لمحاولة الاغتيال الثانية الفاشلة قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية.

"بتوجيهات السيد الرئيس"

كشف ويتكوف في مقابلته التي أجراها مساء الجمعة مع المذيع الشهير تاكر كارلسون الذي عمل سابقًا في قناة فوكس، لسان حال اليمين الأمريكي، أنه مدين لترامب بدخوله عالم تجارة العقارات بولاية نيويورك وما يمتلكه الآن من مليارات الدولارات، إذ إنه ما إن رآه للمرة الأولى قال لنفسه "أريد أن أكون مثل هذا الرجل". وربما يكون هذا التصريح وحده كافيًا لضمان استمراره في منصبه للأبد مع رئيس يتطلع دائمًا لعبارات المديح والإطراء، التي تُرضي غروره وقناعته أنه الأكثر ذكاءً وقدرةً على عقد الصفقات المستحيلة في العالم.

في بداية المقابلة التي امتدت ساعة ونصف الساعة، وقبل أن يدخل في أي تفاصيل خاصة بمهمته في الشرق الأوسط والحرب التي اشتعلت مجددًا في غزة وفرص التوصل إلى اتفاق جديد يوقفها، أصر ويتكوف على أن يوضح أولًا وقبل كل شيء، وكأنه مسؤولٌ في دولة يحكمها نظام شمولي، أن الفضل في كل ما يفعله يعود إلى توجيهات السيد الرئيس ترامب، وإلى ما يمتلكه من قدرات فائقة وتأثير ونفوذ على قادة العالم الذين يدركون جيدًا أنه يعني ما يقول ولا يعتمد الأساليب الدبلوماسية التقليدية المتعارف عليها.  

ومن هذا المنطلق، فإن ما قاله ويتكوف في مقابلته يعكس طريقة تفكير ترامب تجاه الحرب المستعرة في غزة. وهنا بالذات تكمن الكارثة الكبرى التي تدفع للتنبؤ بأن ما هو قادم خلال السنوات الأربع المقبلة سيكون دائمًا أسوأ.

فطوال ساعة تحدث خلالها ويتكوف عن الحرب في غزة، لم يذكر ولو لمرة واحدة كلمة "احتلال" ولم يُشر إلى أن هناك حقوقًا للشعب الفلسطيني. ورغم إبداء أسفه لاستئناف الحرب مجددًا، وتوجيه انتقاد مبطن لنتنياهو، كونه يُرسِّخ الانقسام في المجتمع الإسرائيلي بسبب إصراره على الاستمرار في الحرب، فإنه لم يُشِر ولو تلميحًا أو أسفًا إلى العدد الهائل من الشهداء الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في اليوم الأول فقط من استئناف قصفها الإجرامي قبل أسبوع، وقد تجاوز الـ430، بينهم 180 طفلًا ونحو مائة امرأة، واستمرار آلة القتل بعد ذلك بمعدل يومي يتراوح بين 20 و50 شهيدًا.

بل إنه رأى أن ما قام به نتنياهو قد يكون مفيدًا لدفع حماس للقبول بمقترح التسوية الذي تقدم به قبل أيام من العودة لحرب الإبادة الإسرائيلية، وبغض النظر عن مخالفة إسرائيل للاتفاق الذي ساهم هو شخصيًا في التوصل له في 19 يناير/كانون الثاني، وقبل ثلاثة أيام فقط من عودة ترامب إلى البيت الأبيض. ورغم أي خلافات قد تبدو هامشية مع نتنياهو، تبقى نقطة الاتفاق الرئيسية بين الطرفين هي أن الأولوية لإطلاق سراح من تبقى من السجناء الإسرائيليين لدى حماس، وكذلك أنه لا يمكن لها الاستمرار في إدارة شؤون قطاع غزة أو الاحتفاظ بأسلحتها.

ذهبت سدى بياناتُ حماس التي تستنكر وترفض المقترحات الإسرائيلية والأمريكية، وتتمسك بالاتفاق الذي كان ينص على التفاوض على إجراءات المرحلة الثانية الخاصة بإنهاء الحرب في اليوم السادس عشر من تنفيذ المرحلة الأولى من الهدنة المؤقتة، واستمرار تلك الهدنة ودخول المساعدات الإنسانية وانسحاب وإعادة انتشار قوات جيش الاحتلال حتى يتم التوصل إلى اتفاق، لتطلق المقاومة بعد ذلك سراح المزيد من السجناء الإسرائيليين مقابل السجناء الفلسطينيين.

ولم يكترث ويتكوف، وكذلك ترامب، بأي حديث عن الاتفاق الأصلي، بل إن ويتكوف كرَّر في المقابلة أن ذلك الاتفاق كانت به مشاكل كثيرة تسببت فيها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن الذي فشل في تحقيق أي تقدم من أجل وقف الحرب في غزة، بالتالي لا بأس من خرقه وتعديله.

مخاوف غير بريئة

أثار الانتباه ترحيب ويتكوف بالنظام الجديد في سوريا رغم خلفية الرئيس الحالي أحمد الشرع كقيادي سابق في تنظيمات داعش والقاعدة، وقوله إنه ربما يكون قد تغيَّر مع تقدمه في العمر، بالتالي فإنه قد يكون أكثر قبولًا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ومعه لبنان أيضًا بعد تولي الرئيس الجديد هناك منصبه.

ومقابل التصريحات شديدة الود تجاه قطر ورئيس وزرائها لدوره في الوساطة، ووصفه الانتقادات الموجهة له في الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب علاقته المقربة بحماس وإيران بأنها "خرقاء"، كان لافتًا تجاهل الإشارة ولو بكلمة واحدة للدور المصري في جهود الوساطة واستضافة العشرات من جولات المفاوضات مع حماس والإسرائيليين.

بيوت المصريين لن تنسى آلاف الشهداء الذين ارتقوا في الحروب العادلة ضد العدو المحتل دفاعًا عن فلسطين

كما أثارت تصريحاته بشأن تأثير الحرب الدائرة في غزة بلا هوادة على استقرار الأوضاع الداخلية في مصر الكثير من اللغط والانتقادات، خاصة قوله إن مصر الآن "مكان ملتهب" وإن الاقتصاد المصري شبه مفلس، والبطالة بين الشباب تتجاوز 45%، وإنه لا يمكن المغامرة بخسارة مصر، وكذلك السعودية، في حالة خروج الأوضاع عن السيطرة بسبب الغضب الشعبي من صور القتل اليومي في غزة.

فور تعيين ويتكوف في منصبه، نشرت العديد من الصحف الأمريكية تقاريرَ عن علاقته الوثيقة مع الصناديق السيادية في قطر والإمارات، وكيف أن الصندوق القطري تحديدًا تدخل عام 2023 لإنقاذه من الإفلاس، بعد فشل أحد مشاريع الفنادق التي يمتلكها في نيويورك، وساهم بما يزيد عن 600 مليون دولار لشراء حصته.

وَضعُ تصريحات ويتكوف بشأن مصر في سياق مقترح ترامب العبثي بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، يُرجِّح أنها استمرار للضغط الأمريكي على القاهرة لقبول ذلك المقترح، ولو بشكل جزئي، بعد أن تراجع ترامب مؤخرًا عن تلويحه باستخدام سلاح المعونة العسكرية السنوية التي تقدمها بلاده إلى مصر منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.

بالتالي، فإن حديث ويتكوف عن سوء الأوضاع الاقتصادية في مصر وازدياد الغضب الشعبي وأن "الوضع لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة"، حتى لو كان ذلك تحت غطاء الحرص على عدم خسارة مصر، لا يمكن أن يكون بريئًا، خاصة إذا لم يكن مدعومًا من الواقع القائم على الأرض.

فصحيحٌ أن الأوضاع الاقتصادية في مصر شديدة السوء والغالبية الكاسحة من المصريين يطحنهم الغلاء خاصة بعد انهيار قيمة العملة في السنوات العشر الماضية، والإمعان في سياسة الاستدانة لدرجة الاعتماد على ديون جديدة لسداد الديون السابقة. ولكن صحيح أيضًا أن تصريحات الرئيس السيسي الرافضة بحزم لمقترح ترامب نالت رضاً شعبيًا واسعًا من الجميع، حتى أحزاب المعارضة.

لا شك أن النظام المصري أكثر اهتمامًا من ويتكوف ورئيسه باستقرار الأوضاع الداخلية، وكان هذا أحد العوامل الرئيسية وراء رفض مقترح ترامب الهزلي، لأن بيوت المصريين لن تنسى آلاف الشهداء الذين ارتقوا في الحروب العادلة ضد العدو المحتل دفاعًا عن فلسطين. ولكن في الوقت نفسه، فإن تصريحات ويتكوف التي تعبر عن تفكير أستاذه في تجارة العقارات، ترامب، تعني أن علينا في مصر الاستعداد لكافة الاحتمالات وعدم توقع سوى الأسوأ والأكثر عنصرية ومشاركة في جرائم الحرب ضد الفلسطينيين من الإدارة الأمريكية الحالية.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.