
عودة الحرب.. هل تنقذ الواقعية المصرية هدنةَ غزة في الوقت الحرج؟
انقلَبتْ إسرائيل على اتفاق وقف إطلاق النار، وعادت فجر اليوم لاستئناف الحرب في غزة وسط ترويج حكومي إسرائيلي بأن العودة للحرب لا تعني التراجع عن تحرير الأسرى، لكن لمواصلة التفاوض هذه المرة تحت النار .
الصراع في قطاع غزة وصل مؤخرًا إلى عقدةٍ ليس من السهل تفكيكها، في ظل موقفٍ إسرائيلي متشددٍ من المفاوضات، وسعي نتنياهو للوصول لمكتسبات يروج من خلالها لسردية الانتصار المطلق، محاولًا الحفاظ على تحالفه الحكومي ومنعه من الانهيار عبر إطلاق سراح كافة المحتجزين الإسرائيليين في غزة، في مقابل تمسك فصائل المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، بشروطها الخاصة بإنهاء الحرب، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.
تأتي شروط حماس فيما بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا، فجر الثلاثاء، على مختلف مناطق قطاع غزة بقصف جوي وبحري عنيف، وتحركت الآليات العسكرية المنتشرة بطول ممر صلاح الدين/فيلادلفيا تجاه خيام النازحين في مناطق غرب ووسط مدينة رفح، كما استهدف الجيش عددًا من المنازل ومخيمات النازحين.
يأتي هذا كله وسط أطروحات متعددة لحلحلة المشهد المتأزم، ومحاولة فك عقدة الصراع لقطع الطريق أمام اشتعال الحرب عقب تعثر مفاوضات الدخول للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
شروط إسرائيل للمضي قدمًا في الاتفاق عبَّر عنها بشكل واضح وزير الطاقة من حزب الليكود في حكومة نتنياهو، إيلي كوهين، خلال تصريحات تليفزيونية، "لدينا شروط ونريد من حماس أن تلتزم بها، وهي إعادة جميع المحتجزين، ونزع سلاح قطاع غزة، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على المنطقة. نحن نريد كل شيء".
وزير الطاقة الذي يشدد على أن الشيء المؤكد هو أن "حماس لن تكون موجودةً في اليوم التالي" يعبّر عن مطالب المتشددين في الحكومة، وعلى رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، التي حددوها شرطًا للبقاء في حكومة نتنياهو.
أمام ما طرحه الوزير الليكودي في حكومة نتنياهو، كشف وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مؤخرًا جوانب تفصيلية في الطرح المصري الذي تبنته جامعة الدول العربية في قمتها الطارئة بالقاهرة في الرابع من مارس/آذار، وأوضح أن الرؤية المصرية العربية تتطرق لمعضلتي إدارة القطاع، وكيفية ملء الفراغ الأمني، وهما جوهر الموقف الإسرائيلي.
تراجع التهجير وصعود الواقع
تصريحات ترامب الأخيرة التي بدت مؤشرًا إيجابيًا على تراجع مخطط التهجير على الأقل حاليًا، تأتي في وقت تؤكد فيه مصادرُ دبلوماسيةٌ مصريةٌ، وأخرى فصائلية فلسطينية، انتصار رؤية الأمر الواقع التي دفع بها الوسطاء في مصر وقطر، على الرؤية والمطالب التي سعى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لفرضها في أعقاب انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وتعثر مفاوضات الانتقال للمرحلة الثانية، في ظل تمسك حكومة الاحتلال بنزع سلاح حماس والمقاومة.
الطرح المصري الأكثر واقعية أمام تشدد الاحتلال وشروط حماس
في هذا الإطار قال مصدر دبلوماسي مصري رفيع مطلع على ملف المفاوضات لـ المنصة إن مصر ليست معنيةً بتنفيذ أهداف إسرائيل بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وهو الهدف الذي فشلتْ فيه خلال الحرب على القطاع التي استمرت 15 شهرًا، مؤكدًا نقل تلك الرسالة للمسؤولين في الإدارة الأمريكية، وكذلك في تل أبيب.
وأمام تعقُّد المشهد في ظل تمسك حركة حماس بشرطي إنهاء الحرب، والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من غزة، لاستئناف صفقة الأسرى وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، ورفض رئيس حكومة الاحتلال تلك الشروط، كان الطرح المصري الحل الأنسب والأكثر واقعية.
ووفقًا للدبلوماسي المصري الذي تحدث لـ المنصة، مفضلًا عدم نشر اسمه، فإن الرؤية الأقرب للتنفيذ والإقرار هو ما طرحته مصر في الشق العاجل ضمن خطتها لإعادة الإعمار، التي تتضمن تشكيل اللجنة المؤقتة لإدارة القطاع لمدة 6 أشهر، مع تشكيل شرطة جديدة بالقطاع لا تتبع حركة حماس.
تشكيل جهاز شرطة من 50 ألف فلسطيني بعد مراجعة أمنية لملفاتهم
يوضح المصدر أن التصور المصري يتضمن الإشراف على تشكيل جهاز الشرطة في قطاع غزة من فلسطينيين مستقلين، يصل عدد منتسبيه لنحو 50 ألف عنصر، وتتولى مصر تدريب العدد الأكبر منهم إلى جانب الأردن والاتحاد الأوروبي، بحيث يتم اختيارهم بالتنسيق مع العائلات والقبائل بعد مراجعة ملفاتهم الشخصية لضمان عدم انتمائهم لأي فصائل.
ويؤكد أن هذا التصور يحقق في جوهره المطلب الأمريكي والإسرائيلي بشأن ألا تشكل غزة مصدر تهديد لإسرائيل مستقبلًا، بعد ابتعاد حركة حماس عن إدارة القطاع بشقيها الإداري والأمني.
بخلاف ضمان التصور المطروح ابتعاد حركة حماس عن إدارة قطاع غزة، فإنه يمثل مخرجًا لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في مواجهة التهديدات التي يتعرض لها من جانب المتطرفين في ائتلافه الحكومي، إذ سيكون بمقدوره ادعاء النجاح في تحقيق أحد الأهداف التي روج لها خلال حربه على القطاع وزعم إنهاء سيطرة حماس على غزة.
معضلة الانسحاب الإسرائيلي
تظل معضلة أخرى في الطريق مرتبطة بتمسك حركة حماس بالانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من غزة، وهي العقدة التي يبحث الوسطاء حلها عبر طرح قدمته حماس، بعقد هدنة طويلة الأمد.
الطرح الذي يمثل حلًا وسطًا يسهل المناورة لنتنياهو في مواجهة المتطرفين بحكومته، بما يضمن عدم تفكك الحكومة، وفي الوقت ذاته يستطيع الهروب من مأزق إعلان رسمي يتضمن عبارة "إنهاء الحرب"، أما بالنسبة لحماس فإن طرح الهدنة يحقق شرطي الحركة الرئيسيين، بانسحاب جيش الاحتلال من كامل غزة، وكذلك إنهاء تلك الجولة من الحرب.
وعقب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أنه لا يعارض المرحلة الأولى من الصفقة مشترطًا تعهد نتنياهو بالعودة للقتال بعد الصفقة في غزة، للاستمرار في الحكومة وتجنبًا لحلها.
في هذا الإطار يقول قيادي بحركة حماس لـ المنصة إن القناعة لدى الحركة والمقاومة ككل، أن الاحتلال غير جاد في إقامة دولة فلسطينية، مهما كانت الضغوط المفروضة عليه، كونه يعتبر إقامة الدولة الفلسطينية تهديدًا وجوديًا له، ويتعارض مع العقيدة اليهودية التي تعتبر "يهودا والسامرة"/ الضفة الغربية، قلب الدولة اليهودية، متابعًا بالتالي فإن كافة الحلول المطروحة في جوهرها هي حلول مؤقتة.
وأوضح القيادي الحمساوي أن حماس أبدت مرونةً كبيرةً خلال المفاوضات الأخيرة التي جرت في القاهرة، بشأن الخطة المصرية التي اعتمدتها الجامعة العربية، فعبَّرت الحركة عن استعدادها الكامل لتسهيل عمل اللجنة الإدارية التي اقترحتها مصر، وعدم عرقلة أعمالها، كما أكدت قيادة الحركة خلال المفاوضات على التجاوب مع المقترح المصري بالتخلي أيضًا عن السيطرة الأمنية على القطاع، من خلال السماح لجهاز شرطي جديد بتولي شؤون الأمن الداخلي في القطاع.
رغم قتامة المشهد مع عودة القصف والتحرك البري واستمرار مناورات نتنياهو، تتواصل المحاولات الرامية لوقف طويل لإطلاق النار، وعلى رأس تلك المحاولات المقترح الأخير الذي قدمه مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وهو ما من شأنه تهيئة الأوضاع لحل "شبه دائم" أو بمعنى أكثر دقة "حل مرحلي" ينهي تلك الجولة من المواجهة.
ويبدو أن الطرح المصري يقدم مقاربةً واقعيةً للخروج من المأزق، فهو لا يتبنى الأجندة الإسرائيلية الساعية لنزع سلاح المقاومة، لكن في الوقت ذاته يتيح مخرجًا لحكومة الاحتلال التي تعاني ضغوطًا داخليةً، لكن نجاح هذا الحل المرحلي يتوقف على مدى التزام إسرائيل بعدم إعادة إشعال المواجهة مجددًا.