تصميم: أحمد بلال، المنصة
يحيى السنوار وبنيامين نتنياهو

السنوار ونصر الله و"حرب القيامة"

منشور الاثنين 21 أكتوبر 2024

بعد ساعات قليلة من كشف وسائل الإعلام العبرية عن التفاصيل الأولية لاستشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مزهوًا بإنجاز الصدفة الذي حققه جنوده، ليؤكد أن حربه "لم تنته بعد".

ورغم إعلان نتنياهو في كلمته المتلفزة التي أذيعت مساء الخميس الماضي أن "إسرائيل صفَّت حسابها مع السنوار"، ما قد يسمح بـ"إحلال السلام في الشرق الأوسط"، فإنه شدد على أن مهمة جيشه لم تكتمل بعد؛ "سنواصل بكامل القوى".

أعاد نتنياهو اجترار التصريحات ذاتها عقب محاولة استهداف منزله في قيسارية وسط إسرائيل بطائرة دون طيار "هذا لن يردعني أو يردع دولة إسرائيل عن مواصلة حربنا ضد أعدائنا من أجل حماية مستقبلنا، وتغيير الواقع الأمني في منطقتنا للأجيال القادمة"، مضيفًا "قلت إننا في حرب القيامة ونستمر في التقدم حتى النهاية".

لم تختلف عبارات نتنياهو هذه عن تصريحاته عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني الشهيد حسن نصر الله نهاية الشهر الماضي، التي اعتبر فيها العمليةَ منعطفًا تاريخيًا في حرب بلاده ضد أعدائها، ورغم أنه أشار حينها إلى أن "إسرائيل صفَّت حسابها"، فإنه شدد على أن "المهمة لم تنتهِ.. يمكننا أن نغيِّر ميزان القوى في الشرق الأوسط".

حرب نتنياهو التي غيَّر اسمها من "السيوف الحديدة" إلى "حرب القيامة"، لم يكن هدفها يومًا إعادة الأسرى، أو تقويض قدرات حماس وحزب الله وفصائل المقاومة الأخرى، أو حتى الانتقام لما جرى لإسرائيل وجيشها في 7 أكتوبر من إذلال وإهانة.

هدف حرب رئيس الوزراء الإسرائيلي ورفاقه في الائتلاف اليميني الحاكم هو إعادة فك وتركيب الشرق الأوسط بما يضمن أمن الدولة العبرية وتعظيم نفوذها وزيادة رقعتها على حساب دول الطوق، وبما يحافظ على المصالح الأمريكية التي لم يُخفِ رئيسها نواياه، إذ صرح في الكونجرس الأسبوع الماضي بأن قواته "ستبقى في الشرق الأوسط لحماية المصالح الأمريكية ضد الهجمات التي بدأتها إيران".

الانتقام الإسرائيلي على إفساد الطبخة الإقليمية لم يقف عند قادة المقاومة بل امتد لحاضنتهم الشعبية

السنوار، ومن قبله نصر الله، ومن قبلهما مئات القادة وعشرات آلاف الشهداء في غزة والضفة الغربية ولبنان، لم يكونوا سوى أهدافٍ تكتيكية بالنسبة لإسرائيل، تسمح بتحقيق الأهداف المرحلية التي أعلن عنها قادة الكيان، والمتمثلة في استعادة الأسرى وعودة سكان مستوطنات شمال إسرائيل إلى مدنهم وقراهم وتقويض قدرات حماس وحزب الله وباقي فصائل المقاومة التي تشكل تهديدًا لأمن الدولة العبرية.

أما عن الهدف الاستراتيجي من هذه الحرب التي لا يصعب توقُّع نهايتها في المدى المنظور، فهو إخضاع الشرق الأوسط للهيمنة الصهيونية، وإحكام قبضة الولايات المتحدة على كل المنطقة التي تسعى كل من الصين وروسيا إلى خلق مساحات نفوذ على دولها، التي يدين معظمها بالولاء للحليف الأمريكي لعقود طويلة.

في عام 2006، بشرت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس بمشروع "الشرق الأوسط الجديد"، معتبرة العدوان الإسرائيلي على لبنان في ذلك العام ليس إلا "آلام الولادة القاسية" له.

لكنَّ هزيمة إسرائيل في حرب تموز أمام مقاتلي حزب الله أزاحت المشروع، ولو مؤقتًا، عن أجندة الولايات المتحدة وحليفتها، دون أن يعني ذلك أنه وُئد تمامًا، إذ حاول الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة، دونالد ترامب، فرضه مجددًا ولو بآليات أخرى استخدم فيها مهارته كتاجر، فسعى إلى دفع دول المنطقة تباعًا إلى التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية التي تجعل من إسرائيل دولة مقبولة وطبيعية في الإقليم وتدفن إلى الأبد القضية الفلسطينية ومعها حقوق الفلسطينيين.

وكما أفسدت المقاومة اللبنانية في 2006 ممثلةً في حزب الله النسخة الأولى من المشروع، ضربت المقاومة الفلسطينية النسخة الثانية بطوفان الأقصى، الذي كشف أمام شعوب المنطقة والعالم الوجه القبيح للدولة العبرية.

أحد دوافع أمريكا وإسرائيل من هذا العدوان الذي لم يقف عند استهداف قادة ومقاتلي المقاومة، بل امتد ليشمل الحاضنة الشعبية التي أفرزتهم وظللتهم، ليصبح انتقامًا على إفساد الطبخة الإقليمية التي كان يجري إعدادها منذ سنوات طويلة.

كما أن التخطيط لضرب إيران ومشروعها وتغيير نظامها، لا يهدف فقط إلى استهداف الرأس التي تحرِّك الأحداث أو إخراج طهران من معادلة الردع، بل استعادة الحليف الاستراتيجي الذي خرج عن الدور المرسوم له منذ نجاح ثورة الخميني، وإعلان الجمهورية الإسلامية أواخر السبعينيات.

تضغط إسرائيل بكل ما تملك في تلك الأثناء للقضاء على فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان حتى لا تنكشف عندما تندلع المعركة الأهم، تؤمِّن دفاعاتها الجوية بنظام ثاد الجديد الذي أمدتها بها واشنطن، وقد بلغ دعمها العسكري لإسرائيل في سنة الحرب هذه نحو 18 مليار دولار.

رغم ما حققته إسرائيل خلال الشهور الأخيرة من "إنجازات" تكتيكية بنجاحها في اغتيال قادة فصائل المقاومة أو استهداف مقرات القيادة والسيطرة أو اختراق نظم الاتصالات، فإنها لم تقترب من هدفها المرحلي، ولم ولن تؤمن جبهاتها الحدودية قبل ذهابها إلى المعركة الفاصلة مع إيران.

فالمقاومة أثبتت بالأدلة القاطعة أنها تتعافى سريعًا، وأن عملياتها العسكرية المتصاعدة تؤلم الدولة العبرية، لأن صواريخ ومسيرات حزب الله ذهبت بالفعل إلى ما بعد حيفا، وكمائن حماس والجهاد وغيرها من الفصائل لا تزال توقع الخسائر بجيش الاحتلال في غزة.

قد تستمر "حرب القيامة"، حسب تسمية نتنياهو، عامًا آخر أو أعوامًا، وقد تتسع إلى مساحات أخرى بعد وصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى البيت الأبيض، وقد تنجح إسرائيل في اغتيال قادة المقاومة الجدد، لكن ذلك لن يفت في عضد هؤلاء المقاتلين الذين فضلوا الموت بشرف وكرامة على الحياة بمذلة، وقدموا الشهادة في سبيل ما يعتقدون على الاستسلام لأعدائهم.

استشهاد السنوار ومن قبله نصر الله وهنية وغيرهم العشرات والمئات لن يغير "معادلة الشرق الأوسط" ولن يؤمِّن مستقبل إسرائيل لأجيال كما يدَّعى نتنياهو، فشجرة المقاومة تنبت مقاومين وقادة جددًا، والأرض ستنتصر لأصحابها مهما طال الزمن، وستصنع تلك المنطقة مستقبلها ولو بعد حين.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.