تصميم أحمد بلال، المنصة
تصميم مقتبس من خطاب نتنياهو خلال استعراضه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطتين للشرق الأوسط تضم الأولى محور "النعمة"، والثانية محور "اللعنة" لإسرائيل، 27 سبتمبر 2024.

القضاء على التهديد بدلًا من التعايش معه.. استراتيجية إسرائيل الجديدة ومستقبل محور المقاومة

منشور الأربعاء 2 أكتوبر 2024

أيام فارقة تعيشها المنطقة بشكل عام في أعقاب التصعيد الإسرائيلي المتفاقم الذي بدأ باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران، ثم تفجيرات أجهزة البيجر التي يستخدمها أعضاء حزب الله اللبناني في التواصل، وبلغ ذروته باغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله السبت الماضي، ممهدًا الطريق للاجتياح البري لجنوب لبنان فجر أمس، والرد الإيراني بتوجيه نحو مائتي صاروخ للعمق الإسرائيلي مساء أمس.

في المقابل، غيَّرت إسرائيل استراتيجيتها خلال الأسابيع الأخيرة، فبعدما كانت تعتمد التعايش مع التهديدات، اتجهت إلى القضاء عليها. ومع نشوة الانتصارات العسكرية وحصد الأهداف الثمينة، اتجهت الدولة العبرية لضرب ميناء الحُديدة اليمني، والعاصمة السورية دمشق، ورفعت سقف أهدافها ليشمل نزع سلاح حزب الله، وليس فقط حماس، وإعادة قوات الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني، وإقامة منطقة عازلة بطول الحدود مع لبنان. مياه جديدة جرت في النهر، ولم تعد طموحات إسرائيل تقتصر على وقف إطلاق النار وإعادة مواطنيها إلى مستوطنات الشمال.    

يُخيم الغموض على مستقبل المقاومة بعد الضربات المتتالية التي تلقاها الحزب الشيعي الذي يحمل لواء المقاومة المسلحة، وعدم وضوح تأثير التدخل المتأخر لإيران، التي تتزعم محور المقاومة في المنطقة، والأهم؛ أثر كل تلك الخسائر على جبهة المقاومة الرئيسية في قطاع غزة.

مستقبل حماس وحزب الله

يستبعد أحمد كامل البحيري الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن تقدم حماس تنازلات أو أن تتراجع عن المحددات الرئيسية التي سبق وأعلنتها لاتفاق وقف إطلاق النار، والمتمثلة في الوقف الكامل الشامل والممتد لإطلاق النار والانسحاب الكامل من غزة.

"ما تعرضت له حماس على مدار عام كامل من استهداف قياداتها السياسية والميدانية وبنيتها العسكرية يفوق ما حدث مع حزب الله، ووضعها الميداني صعب حتى من قَبل استهداف حزب الله وامتداد الحرب للجبهة اللبنانية" يوضح البحيري صعوبة موقف حماس "ورغم ذلك ظلت متمسكة بموقفها خلال جولة المفاوضات الأخيرة أغسطس/آب الماضي دون أي تعديلات".

يبدو المشهد مغايرًا على جبهة حزب الله، فعلى عكس ما جرى في حرب يوليو/تموز 2006، التي رفع في نهايتها الحزب راية الانتصار على إسرائيل، تبدو صورته اليوم مختلفة بعد الضربات القاصمة التي تلقاها، مع ضبابية مستقبله، وهو أحد أعمدة محور المقاومة في مواجهة إسرائيل، منذ تأسيسه قبل نحو أربعين عامًا.

"لا يمكن إنكار النجاح الذي حققته إسرائيل في تصعيدها الأخير على حزب الله رغم الإمكانيات العسكرية الكبيرة التي يمتلكها مقارنة بحركة حماس" يقول العميد إلياس حنا، الخبير الاستراتيجي والعسكري اللبناني لـ المنصة. 

في 2006 سارت الأمور كما خطط لها حزب الله لكن مفاجآت إسرائيل خلخلته اليوم

يقارن حنا بين ما يجري اليوم من ضربات للحزب، ومآلات حرب تموز "إسرائيل لم تبدأ المعركة هذه المرة على القواعد التي حددها حزب الله، بعكس حرب عام 2006، عندما رسم الحزب مسرح العمليات وسارت الأمور وفقًا لخطته".

يوضح حنا أن إسرائيل باغتت الحزب خلال المعركة الحالية حين بدأت الجولة باغتيال القيادات الرئيسية، ثم خلخلته من الداخل عبر ضرب أجهزة البيجر.

ورغم هول المفاجآت وقوة الضربات يرى الباحث بمركز الأهرام أحمد كامل البحيري، أن الحديث عن تقطع أوصال الحزب بعد تفجيرات البيجر واغتيال القيادات "غير دقيق".

أطلق حزب الله 3200 صاروخ على إسرائيل بينما تصل ترسانته إلى 150 ألفًا

"لم يتوقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل منذ مقتل حسن نصر الله" يدلل البحيري على استمرار امتلاك الحزب أدوات الرد، مشيرًا إلى كلمة نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم، التي أكد فيها أن وتيرة الضربات على إسرائيل لم تتأثر رغم اغتيال القيادات.

يوضح البحيري أن حزب الله لم يُعلن بعد عن بدء حرب واسعة "أطلق حتى الآن 3200 صاروخ فقط، بينما تصل ترسانته إلى نحو 150 ألف صاروخ".

ثمة بُعد آخر تشير إليه الباحثة في الشأن الإيراني فاطمة الصمادي "قدرة محور المقاومة على التنسيق رغم الضربات التي تلقاها"، تلفت الصمادي إلى سلسلة عمليات متزامنة، منها ما هو في العمق المحتل في عملية إطلاق النار في يافا، وإطلاق الصواريخ الإيرانية، وهو ما تزامن مع رشقات صاروخية من جانب حزب الله على مواقع عسكرية إسرائيلية، وقصف صاروخي من اليمن.

 الاجتياح الواسع آتٍ

مع تصعيد الغارات الجوية على لبنان وإعلان الجيش الإسرائيلي بدء عملية برية "محددة الهدف والدقة" ضد حزب الله، قرب الحدود جنوب لبنان، يتوقع الدكتور أحمد فاروق، مستشار المركز الوطني للدراسات وخبير الأمن الإقليمي، أن "الاجتياح البري الواسع آتٍ لا محالة".

يوضح فاروق المؤشرات التي تقود لذلك الاستنتاج "عمليات القصف الجوي المركزة تعد بمثابة تمهيد نيراني، إضافة إلى تنفيذ عمليات استطلاع عبر القوات الخاصة داخل الأراضي اللبنانية لتحديد مواقع التمركزات والأنفاق".

المحطة التالية لإسرائيل هي إيران وبرنامجها النووي

ويستبعد الخبير العسكري تأخر الغزو البري الإسرائيلي "كلما تأخرت العمليات البرية كان ذلك في صالح حزب الله، لأن كل يوم يمر يساعد في استعادة قيادة الحزب السيطرة والاتصال بالقوات".

يتوقع فاروق أن المحطة التالية لإسرائيل ستكون إيران "لو تمكنت إسرائيل من توجيه ضربة قاصمة لحزب الله، ستكون إيران وبرنامجها النووي هدفها المقبل". يوضح المتخصص في شؤون الأمن الإقليمي أن إسرائيل أجرت تغييرات على استراتيجياتها السياسية والعسكرية "بعدما كان التعايش مع التهديدات استراتيجية إسرائيل، أصبحت تسعى للقضاء على تلك التهديدات".

ولا يغفل فاروق الدور الأمريكي في ذلك التغير الجوهري "التوجه الإسرائيلي الجديد يأتي مدعومًا من واشنطن، التي تنفذ منذ السابع من أكتوبر الماضي خطة خداع استراتيجي لصالح تل أبيب لمساعدتها على استعادة قوة الردع واسترداد هيبتها. هناك توافق تام بينهما على تقليم أظافر محور المقاومة".

لغز إيران

مع تصاعد الضربات التي تلقاها حزب الله وتأخر الرد الإيراني، يفسر الباحث في الشأن الإيراني، ورئيس تحرير موقع زاد إيران، محمود شعبان ذلك بقوله "يتعرض الرئيس الجديد مسعود بزشكيان لعملية خداع من جانب الإدارة الأمريكية".

كان الرئيس الإيراني اتهم الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا بتقديم وعود زائفة بوقف إطلاق النار، مقابل إحجام طهران عن الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. يؤكد شعبان أن الغرب لم يكن صادقًا في التزاماته بالتهدئة.

يوضح شعبان في حديثه لـ المنصة أن الوعود التي تلقاها الرئيس الإيراني تضمنت ترتيب لقاءات مع أطراف أوروبية لخلق مناخ يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي الإيراني، ورفع العقوبات المفروضة على طهران.

"إقدام إيران على تنفيذ رد بهذا الحجم، بعد تأخر أثار الكثير من علامات الاستفهام؛ يشير إلى إدراكها أنها قد تكون المحطة التالية لإسرائيل" تقول فاطمة الصمادي، الباحثة المختصة بالشؤون الإيرانية.

"أدركت إيران أن تلقيها ضربة رادعة هو مسألة وقت فقط لا غير"، تؤكد الصمادي، مفسرة الرشقات الصاروخية المكثفة التي تلقتها إسرائيل أمس بأنها رسالة من إيران "لدفع واشنطن وتل أبيب والقوى الغربية الكبرى لإعادة النظر في شن هجوم عليها".

تتوقع الصمادي أن تراجع الإدارة الأمريكية موقفها من الضوء الأخضر المطلق الذي تقدمه لإسرائيل، خاصة أن فرص اندلاع حرب إقليمية باتت كبيرة. 

أضاءت نيران الصواريخ الإيرانية سماء الأراضي المحتلة، واستمرت هجمات حزب الله على إسرائيل، وأعادت عملية يافا إلى المشهد العمليات النوعية الموجعة؛ ما يعكس قدرة المقاومة على مواصلة القتال. ولكن إلى أي مدى، وما تأثير استمرار المقاومة على تغيير استراتيجة إسرائيل، من التعايش مع التهديد إلى القضاء عليه؟