عام كامل مرَّ على عملية طوفان الأقصى التي فجرتها حركة المقاومة الفلسطينية حماس، بينما تتواصل المحاولات الرامية لتقييمها وتقدير الخسائر والمكاسب التي كانت راهنتْ عليها الحركة.
تحل ذكرى الطوفان مع استمرار التصعيد العسكري في لبنان وامتداد الهجمات الإسرائيلية إلى سوريا واليمن؛ فيما لا تزال جبهةُ غزة الرئيسيةُ مفتوحةً، لم تتمكن إسرائيل من إعلان انتصارها، سواء بتحرير المحتجزين لدى المقاومة أو الوصول ليحيى السنوار زعيم حركة حماس في القطاع، ولا إنهاء سيطرة الحركة على قطاع غزة بشكل حاسم.
وبموازاة ذلك، لا تزال العملية العسكرية التي أطلقتها حكومة الاحتلال متواصلة في الضفة الغربية، مُخلفة عشرات الضحايا.
حتمية الطوفان
"أحيت القضية الفلسطينية، وأنهت مزاعم الجيش الذي لا يقهر، كما أعادت الأمل، وتسببت في انهيار مزاعم قوة استخبارات إسرائيل فى العالم، وأظهرت تعاطف شعوب العالم نحو القضية الفلسطينية والضغط على حكوماتهم لتغيير موقفها حيال القضية" هكذا يرى المفوض العام للعشائر في قطاع غزة، عاكف المصري، أهمية عملية طوفان الأقصى.
يعتبر المصري أنه "على الرغم من حجم الخسائر البشرية الهائلة وكذلك الخسائر المادية الفادحة جراء العدوان وحرب الإبادة الجماعية والمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة في الوطن المحتل، خاصة قطاع غزة، فالعملية كانت ضرورية".
العملية حتمية رغم الدمار الذي خلفته إسرائيل وسقوط عشرات الآلاف من القتلى
طال الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نحو 66% من مباني القطاع وفق أحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، فضلًا عن عشرات الآلاف من القتلى الذين تجاوز عددهم 41 ألف فلسطيني، بخلاف المفقودين تحت الأنقاض، والمصابين الذين تزيد أعدادهم عن الـ97 ألفًا.
يفسِّر المصري الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على غزة "ليس فقط للرد على انهيار فرقة غزة ودخول المقاتلين الفلسطينيين إلى ما وراء الخط الأخضر وإنما لتهجير الشعب الفلسطيني من القطاع وإحياء مخططات إسرائيل في حفر قناة مائية تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، والتخلص من أكثر من مليوني مواطن و لاجئ فلسطيني من غزة، ثم الانتقال إلى الضفة الغربية المحتلة والقدس وطرد الملايين من الفلسطينيين إلى الأردن وخارج الوطن المحتل".
وحسب التحديث الأخير الصادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، لإحصاءات الحرب على القطاع، في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول الماضي، تصل التكلفة المبدئية لإجمالي الخسائر في القطاع لـ33 مليار دولار ، بعدما ألقى جيش الاحتلال نحو 83 ألف طن متفجرات على القطاع، تسببت في تدمير 200 مقر حكومي، و461 مدرسة وجامعة، إضافة إلى 34 مستشفى أُخرجت جميعها عن الخدمة، بخلاف البنية التحتية من طرق وشبكات الكهرباء، وخطوط مياه الشرب، وشبكات الصرف الصحي.
تساؤلات "فتح"
"لسنا في وقت تقييم أو مراجعة" قال المتحدث باسم حركة فتح، وعضو المجلس الثوري للحركة، جمال نزال، لـ المنصة، معتبرًا أن الوقت الراهن يتطلب العمل على وقف العدوان الجاري على الشعب الفلسطيني.
يتخذ نزال موقفًا متحفظًا من التقييم المباشر للسابع من أكتوبر، مع ذلك يُلمح إلى أن عملية طوفان الأقصى ألقت بآثار إيجابية على رئيس الوزراء الإسرائيلي "كانت حبل النجاة لرئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان مأزومًا قبل ذلك التاريخ ويواجه صعوبات داخلية كبيرة".
ويرى نزال أن نتنياهو "بات بعد ذلك التاريخ ملكًا على المستوى الشعبي في إسرائيل بعد أن كان منبوذًا".
تنعكس وجهة نظر نزال، التي ربما تحمّل، في مضمونها، حماس، المسؤولية عما يجري الآن، من خلال تساؤلاته "هل كان من الممكن أن يتجاوز نتنياهو أزماته الداخلية قبل السابع من أكتوبر؟ هل كانت غزة ستُمحى من الخارطة كما حدث؟ وكذلك الضفة الغربية التي تقطعت أوصالها؟ هل كانت إسرائيل لتهاجم عددًا من البلدان العربية الأخرى؟".
مكسب استراتيجي
في المقابل تظل مواقف حماس من طوفان الأقصى ثابتة، إذ يرى عضو المكتب السياسي لحركة حماس في غزة ورئيس الدائرة السياسية باسم نعيم، أن الطوفان معركة فلسطينية كاملة تدافع عن كل أبناء فلسطين في غزة والضفة والقدس المحتلة.
"بعد قرابة سنة على معركة طوفان الأقصى لا تزال المقاومة قوية وتخوض المعركة بشجاعة، والمحتل لا يستطيع الاستقرار بأي مكان داخل القطاع بفعل ضربات المقاومة المستمرة، كما أن شعبنا في غزة يدرك حقيقة هذه المعركة ويصبر ويتحمل من أجل ذلك" يقول نعيم لـ المنصة.
حسم الطوفان مشاريع التسوية وأكد أهمية مشروع التحرر الوطني
لم ينكر القيادي الحمساوي المكاسب التي تحققها إسرائيل، لكنه في الوقت ذاته يرى أن الاحتلال يخسر "على المستوى الاستراتيجي رغم تحقيقه بعض الإنجازات التكتيكية، وقادة الكيان يُلاحَقون في المحاكم الدولية، والرواية الصهيونية سقطت وانكشف زيفها أمام العالم".
الموقف نفسه يتبناه الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، الدكتور مصطفى البرغوثي، معتبرًا أن معركة طوفان الأقصى وتداعياتها حسمت النقاش حول مشاريع التسوية، كما أنها أسقطت الرهان على الدور الأمريكي لحل القضية الفلسطينية، وأكدت على أهمية مشروع التحرر الوطني.
"ما يحدث في غزة غيّر العالم بأسره، وأصبح جزء كبير من الشعوب مؤيدًا للقضية الفلسطينية" قال البرغوثي لـ المنصة.
الطوفان يعجل المواجهة
بخلاف حديث نعيم عن المكاسب والخسائر، يرى قيادي بأحد المكاتب الخارجية لحماس أن "الأراضي لا تحرر إلا بالدماء ولا يوجد في التاريخ شعب استرد حقوقه وأرضه من محتل إلا بالنضال المسلح والدماء".
"أعاد طوفان الأقصى الزخم للقضية الفلسطينية على الأجندة الإقليمية، وباتت رقمًا مهمًا لا يمكن تجاهله في حسابات المشروعات الإقليمية المرتبطة بمسار الاتفاقات الإبراهيمية"، يقول القيادي الحمساوي الذي رفض نشر اسمه لـ المنصة.
المواجهة الشاملة بين العرب وإسرائيل حتمية وطوفان الأقصى سرّع الوتيرة
وبشأن اتساع رقعة المواجهة وانتقال العدوان إلى لبنان وانخراط إيران في رد مباشر، يرى القيادي أن المواجهة الشاملة بين العرب وإسرائيل "حتمية مهما حاولت تل أبيب استمالة طرف أو أطراف عربية ليصبحوا أحلافها وجذبهم لمساحات مصالح خاصة، في ظل النوايا والخطط الإسرائيلية التوسعية التي تعد جزءًا من عقيدتهم".
كما يشير القيادي الحمساوي إلى أن "كل ما فعلته عملية طوفان الأقصى أنها سرَّعت وتيرة الأحداث وعجَّلت المواجهة فقط".
ما بين تحقيق مكاسب استراتيجية، ودفع أثمان باهظة من حياة الفلسطينيين، وامتداد رقعة الصراع إلى دول أخرى، نبدأ عامًا جديدًا من تداعيات الطوفان لا تزال إسرائيل تحشد فيه كل أدواتها وعيون العالم تترقب حدود الحرب المقبلة.