رغم إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن المجزرة التي ارتكبتها في منطقة مواصي خانيونس 13 يوليو/تموز الماضي وراح ضحيتها 90 قتيلًا، استهدفت محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، ورافع سلامة، قائد لواء خانيونس، فإن الغموض لا يزال يكتنف مصير الرجل الثاني على قائمة الاغتيالات، الذي تحمله إسرائيل مسؤولية التخطيط للسابع من أكتوبر، مع يحيى السنوار زعيم الحركة.
فبينما كان مقتل رافع سلامة مؤكدًا، يظل مصير الضيف لغزًا رغم إعلان جيش الاحتلال رسميًا في الأول من أغسطس/آب الحالي اغتياله، ورغم وضع وزير الحرب يوآف جالانت علامة "x" على صورة للضيف. ففي رواية المقاومة، لم يكن الضيف في موقع المجزرة، وما زال بخير.
أسطورة الشبح
أسطورة الضيف ومسيرته حافلتان بالقصص المثيرة الغامضة ما بين الهروب من السجون، والإفلات من مخططات الاغتيال، وزيارات سرية للقاهرة من أجل العلاج.
عاش محمد دياب المصري المعروف بـ"أبو خالد" طوال حياته مرتحلًا، لا يتعلق بمكان ولا يستقر في مكمن، حتى سمي بـالضيف. وما بين المغامرات المتعددة للإفلات من الاغتيال غامر مرة بالهروب من السجن.
نجا الضيف من 7 محاولات اغتيال فلقبوه بـ"صاحب الكرامات"
ففي عام 2000، تمكن القائد العسكري الذي تلقبه الأجهزة الإسرائيلية بـ"الشبح" من الهرب من سجون السلطة الفلسطينية، خلال انتفاضة الأقصى. كانت السلطة ألقت القبض عليه في إطار صفقة مع سلطات الاحتلال، مقابل منحها سيطرة أمنية على ثلاث قرى في القدس.
كما حاولت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مرارًا تصفيته؛ وصلت إلى 7 محاولات فشلت جميعها وكان من بينها أربع في عام واحد؛ 2004. وفي كل مرة كانت إسرائيل تبرر فشلها بأنه هدف يتمتع "بقدرة بقاء غير عادية".
يحكي أحد أعضاء حماس، رفض نشر اسمه، ممن عملوا خلال فترة سابقة ضمن دوائر تأمين الضيف لـ المنصة "لقبناه بصاحب الكرامات"، مشيرًا إلى نجاته المتكررة من محاولات الاغتيال وحدسه الذي يقوده للإفلات من الموت.
خلال إحدى محاولات الاغتيال عام 2002 كان الضيف يستقل سيارة، رفقة عدنان الغول القيادي في الحركة، تؤمنها سيارة أخرى تسير أمامهما يقودها نجل الغول، قبل أن يأمر أبو خالد سائق سيارته بالتوقف، ويطلب من عدنان الغول أن ينتقلا إلى السيارة الأخرى، ليفاجأوا بعدها بدقائق بقصف السيارة التي تركاها، فنجا الضيف والغول، ولقي اثنان من مرافقيه حتفيهما.
حدس الضيف وتوقعه للضربة المقبلة ظلا متيقظين. في 2004 خلال اجتماع للمجلس العسكري لحركة حماس بأحد المنازل في مدينة غزة، وأثناء النقاشات التي دارت في الطابق الثالث بالمنزل المكون من أربعة طوابق، فوجئ المجتمعون بالضيف ينتفض ويطلب منهم النزول فورًا إلى "البدروم"، ليُقصف المنزل بعدها بنحو 5 دقائق، دون أن يتعرض الضيف وزملاؤه لأذى.
القائد العسكري الأبرز في حماس كان مسؤول اللجنة الفنية في الجامعة
ظل الضيف هدفًا دائمًا للاحتلال الإسرائيلي، فخلال الحرب على غزة عام 2014 وبينما كانت قيادات من الفصائل الفلسطينية تجتمع بأحد فنادق القاهرة مع مسؤولين مصريين، انتشرت أنباء تشير إلى اغتياله، بعدما قصفت طائرات الاحتلال في 19 أغسطس/آب منزلًا كان يوجد به في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة بـ6 صواريخ من طائرة F-16.
الحدس ذاته كان سببًا في نجاة الضيف من قصف منزله، عندما هرع للخروج إلى نفق قريب بالمنطقة، دون أن يتمكن من إخلاء زوجته وطفليه علي ومحمد الذين قتلوا خلال العملية، بينما أصيب هو إصابة خطيرة خلال عملية المغادرة. يذكر مصدر ثان بالحركة في أحد مكاتب الخارج، رفض نشر اسمه، لـ المنصة أن الضيف تلقى العلاج حينها بأحد المستشفيات في القاهرة.
غموض مصير الشبح
مع المحاولة الإسرائيلية الأخيرة بات السؤال الأكثر إلحاحًا، هل حقًا قُتل الضيف أم لا؟
في مساء السبت، الثالث عشر من يوليو/ تموز الماضي، قال نتنياهو في كلمة متلفزة إن "عملية المواصي استهدفت الضيف ونائبه رافع سلامة، لكن حتى الآن لا توجد تأكيدات على مقتلهما".
وفي الأول من أغسطس، أعلن جيش الاحتلال رسميًا اغتيال الضيف في الغارة قبل أسبوعين. وأمام رفض حماس تأكيد أو نفي ما أعلنه جيش الاحتلال، بدأت وسائل إعلام إسرائيلية مقربة من حكومة الاحتلال تسريب روايات، كان أبرزها تقرير لموقع Jewish Chronicle ذُكر فيه أن مصادر أمنية كشفت تفاصيل جديدة حول اغتيال الرجل الثاني في حماس.
حسب التقرير، تنكر عملاء الموساد في هيئة متسولين وبائعي خضروات في السوق، وساعدوا في تعقب الضيف حتى اغتياله، كما أشار إلى أن فريق المستعربين التابع لوحدة "دوفدفان" وصل إلى المنطقة وبدأ بالاندماج مع السكان المحليين. فيما تمركز آخرون بالقرب من منزله لمتابعة وقت وصوله إلى المنزل.
برغم عدم تأكيد حماس أو نفيها مقتل الضيف، خرج خليل الحية، نائب رئيس المكتب السياسي في غزة، عقب الكلمة المتلفزة لنتنياهو في 13 يوليو، ليجزم وبشكل واضح بأن الضيف حي ولم يتعرض لأذى خلال العملية، مؤكدًا أن نتنياهو كان يأمل إعلان نصر زائف.
وأضاف الحية في مقابلة مع الجزيرة "أقول لنتنياهو إن محمد الضيف يسمعك الآن ويستهزئ بأكاذيبك".
حديث الحية حمل مفردات لا تحتمل معنيين، تؤكد أن الضيف ما زال حيًا. لا يمكن للرجل المراوغة في معلومة من هذا النوع أمام احتمالية أن تُظهر إسرائيل أدلة تثبت عكس حديثه، فحينها سيكون وقع الأمر على أعضاء الحركة ومقاتليها سلبيًا.
ويضاف لحديث الحية كلمة حسن نصرالله، أمين عام حزب الله، خلال مراسم تشييع فؤاد شكر، حين تحدث عن الضيف قائلًا "أبو خالد الضيف حفظه الله ورعاه". لم تكن كلمات نصرالله والحية الدلالة الوحيدة، بل تبعتها تصريحات القيادي الحمساوي أسامة حمدان، الذي أكد خلال حديث مع وكالة أسوشيتد برس الأمريكية أن الضيف لم يمت قائلًا إنه "بخير".
معلومة ساخنة
بيد أن معلومة سريعة وصلت للاستخبارات الإسرائيلية أدت إلى مجزرة المواصي التي تزعم إسرائيل أنها أدت لاغتيال الضيف، يقول المصدر القيادي في الحركة بأحد مكاتبها الخارجية "إن معلومة ساخنة كانت وراء مجزرة الاحتلال في خانيونس".
ويوضح المصدر ذاته أن "الاحتلال رصد رافع سلامة، الذي كان يزور زوجته النازحة مثلها مثل باقي شعبها في خيمة بالمنطقة وليس فيلا كما روج الاحتلال، حيث لم يلتقها هي وأبناءه منذ اندلاع الحرب".
يشير القيادي، الذي طلب عدم نشر اسمه، إلى أن الجانب الإسرائيلي اعتقد الضيف كان ضمن المستهدفين "كان سلامة يسير متخفيًا مع مُرافق، ويبدو أن الاحتلال اعتقد أن المرافق هو الضيف باعتبار أن الرجلين موجودان في خانيونس وبحكم موقعهما القيادي".
"بمجرد اقتراب رافع سلامة من الخيمة التي توجد بها زوجته وأبناؤه، تم قصفهم جميعًا، ولم يُعثر على أشلاء له، حيث خلفت القنبلة التي قُصف الموقع بها حفرة يتجاوز عمقها 11 مترًا" يقول القيادي الحمساوي.
في كل مرة حاولت الأجهزة الإسرائيلية تحقيق انتصار معنوي على حساب الضيف، كان السحر ينقلب على الساحر، ويتحول الأمر لتعزيز اسمه كأسطورة للمقاومة، حتى باتت التظاهرات في كل فلسطين تتغنى باسمه "حُط السيف قصاد السيف إحنا رجال محمد ضيف"، فهل تستمر تلك الأسطورة أم أن الحرب الحالية تسدل الستار عليها؟