في الوقت الذي يتواصل فيه العدوان الإسرائيلي على غزة، تكثف جماعة أنصار الله الحوثي هجماتها على السفن المارة التابعة لإسرائيل وحلفائها، بينما تعول حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" على الحوثيين في تخفيف الضغط عنها في غزة، يأتي هذا مع مرور 5 أشهر من دخول الحوثيين على خط النيران بإعلانهم إطلاق مسيّرات باتجاه إيلات الإسرائيلية نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل أن تبدأ التصعيد باستهداف أول السفن بالبحر الأحمر خلال نوفمبر/ تشرين الثاني.
لكن على الجهة الأخرى، تقود الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا للتصدي لهجمات الحوثيين باعتبارها أعمالًا إرهابية تهدد سلامة السفن وحركة التجارة في البحر الأحمر، فيما وصف المحلل السياسي اليمني عبد الباري طاهر لـ المنصة تدخل الحوثي لدعم غزة بأنه "جاء تفاديًا للحرج أمام أنصارهم، والتأكيد على استمرار الدفاع عن القضية الفلسطينية".
كانت جماعة الحوثي تواصلت في مناسبات مختلفة مع فصائل فلسطينية، أهمها الاجتماع الذي عقد في مارس/آذار الجاري بين عدد من قيادات الفصائل، منها حركة حماس، لمناقشة آليات تنسيق أعمال المقاومة في المرحلة المقبلة ضد إسرائيل مع استمرار تهديد تل أبيب باجتياح رفح في أقصى جنوب قطاع غزة.
ولم تعلن جماعة الحوثي أو حماس رسميًا عن تفاصيل للاجتماع، ولم يرد متحدثون باسم الحركتين على طلب المنصة للتعليق، بينما أشارت تقارير صحفية إلى أن الحوثي أكد خلال الاجتماع استعداد الجماعة لاستمرار الهجمات في البحر الأحمر طالما استمر العدوان الإسرائيلي على غزة، وحتى الاتفاق على وقف إطلاق النار وفق شروط فصائل المقاومة.
ويعكس الاجتماع حجم التنسيق بين الحوثيين وحركة حماس، حسب كبير محللي الشؤون اليمنية في مجموعة الأزمات الدولية، أحمد ناجي، الذي يقول لـ المنصة إنه "ليس الاجتماع الأول للحركة مع الجماعة اليمنية"، ويشير إلى اجتماعات سابقة لممثل حركة حماس في اليمن معاذ أبو شمالة، مع مسؤولين حوثيين في صنعاء، فضلًا عن أن زعيم الحوثيين دائمًا في خطاباته يتحدث عن التعاون مع حماس.
بينما يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، لـ المنصة إن اللقاء الأخير الذي جمع فصائل المقاومة الفلسطينية الثلاثة بالحوثي في بيروت "يهدف لإعادة ترتيب وصياغة أوراق المقاومة".
تطور الهجمات
هذا التعاون والتنسيق بديا واضحين في الهجمات التي نفذتها جماعة الحوثي على السفن المارة في البحر الأحمر، ردًا على العدوان الإسرائيلي على غزة.
ويشرح ناجي ديناميكية الاستهدافات الحوثية وتطورها على الصعيد الجغرافي وعلى صعيد الأسلحة المستخدمة منذ بداية تحركهم في البحر الأحمر 19 نوفمبر/تشرين الثاني "في البداية، كان مسرح العمليات يركز على استهداف السفن المملوكة لإسرائيل كليًا أو جزئيًا، في المنطقة المقابلة لميناء الحديدة المطل على مدخل البحر الأحمر الخاضع لسيطرة الجماعة، ثم المناطق الساحلية الأخرى المحاذية لمحافظة حجة، وهي المنطقة التي استولوا فيها على السفينة جلاكسي ليدر المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي".
لاحقًا، وسّع الحوثيون هجماتهم باتجاه الجنوب في مضيق باب المندب وخليج عدن، وضموا إلى قائمة الاستهدافات كل السفن المتجهة إلى أو القادمة من المواني الإسرائيلية. ويشير ناجي إلى أنه مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط باعتراضها الصواريخ الحوثية، في يناير/كانون الثاني الماضي، بدأت الجماعة اليمنية في استهداف السفن الأمريكية والبريطانية مثل سفينة الأسمدة روبيمار التي غرقت لاحقًا.
هل خذل حزب الله الفلسطينيين؟
مع استمرار الحرب ومواصلة العدوان على غزة، ودخول الحوثي على خط المواجهة، بدأ تنسيق سياسي واضح بين الفصائل الفلسطينية والجماعة اليمنية، بينما تراجع دور أطراف أخرى منها حزب الله اللبناني.
فصائل المقاومة لا تزال بحاجة لدعم الحوثيين مع تهديد إسرائيل باجتياح رفح
"كشف طول أمد الحرب أن محور المقاومة خاصة من جانب حزب الله لم يكن صادقًا معنى الكلمة في دعم المقاومة الفلسطينية"، يقول الرقب، مؤكدًا أن "جماعة الحوثي أثبتت أن موقفها كان أكثر دعمًا للمقاومة".
ويتفق معه كبير محللي الشؤون اليمنية في مجموعة الأزمات الدولية، ويقول "جماعة الحوثي أثبتت أنها أكثر جماعة في محور المقاومة غير مكترثة بعواقب ما تفعله، بعكس حزب الله اللبناني الملتزم بقواعد الاشتباك في عملياته التي تخف مع زيادة الضربات الإسرائيلية".
"لكن عند الحوثي كان الوضع مختلفًا، كانت التأثيرات التي تلقوها ضعيفة ولم يكترثوا بالضربات التي تنفذها أمريكا وبريطانيا على بعض معسكراتهم"، يوضح ناجي.
تصاعد دور الحوثي مع ضغط الولايات المتحدة على إيران وحلفائها المحيطين بإسرائيل لعدم التدخل، وأثار أداء حزب الله انتقادات علنية من قادة حركة حماس، وقال رئيس الحركة في الخارج، خالد مشعل، في مقابلة مع التليفزيون العربي يوم 16 أكتوبر/ تشرين الأول "حزب الله قام مشكورًا بخطوات لكن تقديري أن المعركة تتطلب أكثر، وما يجري لا بأس به لكنه غير كافٍ".
"رغم أننا لا نبخس حزب الله حقه في إزعاج الإسرائيليين داخليًا وإجبارهم على إخلاء المستوطنات الشمالية، فإن هجمات الحوثي أزعجت الغرب بشكل كبير خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا"، يقول أستاذ العلوم السياسية، أيمن الرقب.
شهدت الحدود بين جنوب لبنان وشمال إسرائيل تبادلًا لإطلاق النار بين جيش الاحتلال الإسرائيلي، وحزب الله والفصائل الفلسطينية المتحالفة معها في جنوب لبنان. ونزح نحو 60 ألف إسرائيلي كانوا يعيشون في مجتمعات متاخمة للحدود منذ بدء القتال، ولقي ما لا يقل عن 17 إسرائيليًا مصرعهم في هجمات من لبنان وسوريا.
هروب من الأزمات الداخلية
في مقابل دعم الحوثيين للمقاومة الفلسطينية، تبقى الأزمة اليمنية معضلةً أمام الجماعة التي يقول بعض المحللين إنها تتخذ الحرب في غزة وسيلة للهروب من استحقاقات السلام الذي تقوده الأمم المتحدة.
وأعلنت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، في بيان 18 مارس، أن خارطة الطريق الأممية لوقف إطلاق النار مع الحوثيين توقفت بسبب التصعيد في البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية، مشيرة إلى تراجع أفق الحل السياسي للصراع.
كان المبعوث الأممي هانس جروندبرج، أعلن نهاية العام الماضي التزام الحكومة والحوثيين بمجموعة تدابير تشمل وقفًا لإطلاق النار، وتحسين ظروف معيشة اليمنيين، لكن مع احتدام الوضع في البحر الأحمر أبدى جروندبرغ في إحاطته أمام مجلس الأمن، يوم 14 مارس، تخوفه من تفجر حلقة جديدة من الحرب اليمنية، وأقر بأن مساعيه باتت "أكثر تعقيدًا".
شكّل التدخل مخرجًا للحوثيين من الضغط الشعبي الداخلي ضدهم
ومنذ سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء عام 2014، دخل اليمن في صراع دموي بين الجماعة المدعومة من إيران، والقوات الحكومية المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية والإمارات.
"على الرغم من أن موقف أنصار الله الحوثي يحظى بمساندة وتأييد اليمينين، لكن ذلك لا يغير من صورتهم في المشهد السياسي اليمني"، يقول المحلل السياسي ونقيب الصحفيين اليمنيين السابق، عبد الباري طاهر .
وأضاف طاهر لـ المنصة "مواقفهم الداخلية تتسم بالطائفية والجهوية وسط غياب الرؤية الوطنية المستجيبة للتصالح الوطني والمجتمعي، والقبول بالتشارك الوطني".
وهو ما يتفق معه ناجي "في الوقت نفسه شكّل التدخل في حرب غزة مخرجًا للجماعة اليمنية من معضلة داخلية، حيث تعاني من ضغط شعبي في مناطق سيطرتها نتيجة تردي الخدمات العامة وأزمة رواتب الموظفين".
ضغط أمريكي
أمام مكتسبات الحوثيين سياسيًا وإزعاجهم المتكرر لإسرائيل وحلفائها، يستمر ضغط واشنطن على إيران حليفة الحوثيين الوثيقة لوقف هجماتهم على السفن.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في تصريحات لقناة العربية "لا أعتقد أيضًا أنه من مصلحة إيران الاستمرار في دعم هجمات الحوثيين، وهي الهجمات التي تدينها الدول في جميع أنحاء العالم مرة أخرى"، معربًا عن أمله في استخدام نفوذها لوضع حد لهذه الهجمات.
يعتبر سامويل وربيرج، المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، "ادعاءات جماعة الحوثي بأن هجماتها ستتوقف بوقف الصراع في غزة، محض أكاذيب".
وقال لـ المنصة إن "الهجمات التي ينفذها الحوثيون ضد المدنيين والسفن التجارية أعمال إرهابية أدت لمقتل مدنيين، ونتيجة هجماتهم يعاني العالم من ارتفاع الأسعار وتأخر تسليم البضائع الحيوية مثل الغذاء والدواء".
"سنواصل العمل على حماية حقوق الملاحة والدفاع عنها من أي تهديدات"، يقول وربيرج الذي يزعم أن الغالبية العظمى من هذه الهجمات لا تستهدف سفنًا إسرائيلية أو مُتجهة إلى إسرائيل.
دفعت هجمات الحوثيين شركات شحن كثيرة إلى تحويل مسار سفنها عبر رأس الرجاء الصالح، ما يطيل الرحلة بين آسيا وأوروبا لأسبوع على الأقل، وتزيد تكلفة النقل وتأمين السفن. ويمر قرابة 12% من حجم التجارة العالمية عبر قناة السويس التي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر حيث تعد أقصر طريق بحري بين آسيا وأوروبا.
لكن بينما تدعو أمريكا إيران للتهدئة، تواصل جماعة الحوثي عملياتها المزعجة في البحر الأحمر، تزامنًا مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة.
ويتساءل المحلل بمجموعة الأزمات الدولة عن مدى اقتناع إيران بفكرة التهدئة، مضيفًا "ما يحدث في البحر الأحمر انعكاس طبيعي لما يحدث في غزة، وبالتالي أي خطوة لخفض التصعيد لا بد أن يقابله ابتداء خفض التصعيد في غزة".