بعد نحو 9 سنوات على الحرب في اليمن لا تزال مساعي الحل السياسي تراوح مكانها، بيد أن خلافًا سعوديًا-إماراتيًا قد يهدد وحدة اليمن، فيما تسعى واشنطن لكبح جماح الدولتين الخليجيتين.
منذ سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء عام 2014، دخل اليمن في صراع دموي بين الحوثيين المدعومين من إيران، والقوات الحكومية المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية بجانب الإمارات ودول أخرى. وتسببت الحرب في مقتل وإصابة مئات الآلاف وجعلت اليمن يمر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة.
يشرح كبير محللي الشؤون اليمنية في مجموعة الأزمات الدولية أحمد ناجي، الوضع على الأرض، "اليمن تحول إلى بلد متشظٍ فكل طرف من أطراف الحرب لديه منطقة جغرافية يديرها".
ويوضح لـ المنصة "في معظم مناطق الشمال التي توجد فيها العاصمة صنعاء، يسيطر الحوثيون. أما المناطق التي خارج سيطرة الحوثيين، مثل الساحل الغربي على البحر الأحمر، فتحكمها ألوية حراس الجمهورية التي يقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، والجنوب الغربي يسيطر عليه المجلس الانتقالي الجنوبي، والجزء الشرقي في مدن حضرموت، والمهرة، وشبوة، هي مناطق تتبع الحكومة المعترف بها دوليًا لكن لديها نمط حكم محلي".
أما مأرب، يتابع ناجي "فتتبع الحكومة الشرعية لكنها تحت نفوذ حزب التجمع للإصلاح الإسلامي، فيما تنقسم تعز بين نفوذ حراس الجمهورية وحزب التجمع للإصلاح، والمؤتمر الشعبي العام. تلك المناطق جمعت الأطراف الفاعلة فيها داخل سلطة سياسية واحدة وهي مجلس القيادة الرئاسي، لكن على الأرض كل طرف يدير منطقته وفق أجندته السياسية".
وتراجعت حدة القتال بشكل ملحوظ بعد هدنة وقف إطلاق النار التي توسّطت فيها الأمم المتحدة ودخلت حيّز التنفيذ في أبريل/نيسان 2022، ولا تزال سارية إلى حدّ كبير حتى بعد انتهائها في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
"ساهمت الهدنة في خفض التصعيد، لكن لم تتمكن من إنهائه، إذ توقفت العمليات العسكرية تقريبًا في الحدود مع السعودية على الجانب الذي يسيطر عليه الحوثيون، فيما كانت هناك مناوشات داخلية إذ يحاول كل طرف إثبات أنه صاحب اليد الطولى"، يقول ناجي.
بينما تتواصل الهدنة استضافت السعودية وفدًا حوثيًا للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب
"يبدو الأمر أشبه باستراحة محارب مع وصول الأطراف المتقاتلة إلى مرحلة الإنهاك، لكن هناك ميل من هذه الأطراف لجولة جديدة في المستقبل لتقوية موقفها على الأرض، بالنظر إلى حالات التجنيد والحشد والعروض العسكرية المستمرة من جانبها"، يشير ناجي.
وفد حوثي في السعودية للمرة الأولى
وبينما تتواصل الهدنة هناك، استضافت السعودية، منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وفدًا حوثيًا للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، في محادثات "جدية وإيجابية" على مدار خمسة أيام. ورحبت الخارجية السعودية في بيان الأربعاء 20 سبتمبر، "بالنتائج الإيجابية للنقاشات الجادة بشأن التوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام في اليمن".
وقال وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان على إكس، إنه التقى الوفد الحوثي، وأكد خلال اللقاء "وقوف المملكة مع اليمن وشعبه الشقيق، وحرصها على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس إلى طاولة الحوار".
وأضاف "نتطلَّع إلى أن تحقّق النقاشات الجادة أهدافها، وأن تجتمع الأطراف اليمنية على الكلمة ووحدة الصف". من جانبه، قال عضو الوفد الحوثي والمتحدث الرسمي باسم "حركة أنصار الله" محمد عبد السلام، على إكس، إن الوفد ناقش "بعض الخيارات والبدائل لتجاوز قضايا الخلاف التي وقفت عندها الجولة السابقة"، في إشارة إلى زيارة وفد سعودي لصنعاء في أبريل/نيسان الماضي، مضيفًا "سنرفعها للقيادة للتشاور".
يقول أستاذ الاعلام السياسي السعودي عبد الله بن عبد المحسن العساف لـ المنصة إن "ترحيب السعودية بالحوثي كمكون سياسي والترتيب لمرحلة التسوية السياسية أذاب الجليد وفتح نافذة مباشرة للحوار بين الجانبين".
"الكثير من التسريبات تُشير إلى نجاح المفاوضات بين الجانبين، والاتفاق على عدد من النقاط الشائكة بينهما فيما يتعلق بفتح المنافذ، وإيجاد منطقة حدودية عازلة، ومنع تهريب السلاح والمخدرات والأفراد إلى السعودية"، بحسب العساف.
فيما يقول ناجي، "على ما يبدو، التركيز الأساسي الآن في المفاوضات هو على ملفات الجانب الإنساني، التي تشمل المرتبات وزيادة عدد الرحلات من وإلى صنعاء والفتح الكامل لميناء الحديدة، وهذا ما يطالب به الحوثيون، فيما تريد السعودية وقفًا نهائيًا لإطلاق النار خصوصًا على الحدود".
وأشار إلى أنه عند زيارة السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء في أبريل الماضي، خرجت تسريبات لخارطة طريق للحل السياسي تبدأ بمعالجة الملف الإنساني لستة أشهر، ثم الترتيبات الاقتصادية والعسكرية لستة أشهر أخرى، والمرحلة الأخيرة متضمنة حوار يمني- يمني.
"لكن مع طول أمد المفاوضات لم نر شيئًا له علاقة أو صلة بالمرحلة الثانية والثالثة مع تعثر نقاشات المرحلة الأولى"، يضيف ناجي.
خلاف إماراتي-سعودي
لكن بينما كانت الإشارات إيجابية واردة من الرياض وصنعاء، انتقد محللون إماراتيون مقربون من الحكومة بطريقة غير مباشرة المفاوضات التي استضافتها المملكة.
ونشر المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، خريطة مزعومة للجنوب اليمني، متسائلًا، على إكس "لماذا يصر البعض على تسليم الجنوب العربي لجماعة الحوثي الإيرانية الانقلابية بصنعاء، قضية الجنوب العربي ليست قضية انفصال بل تحرر وطني".
تلك الدولة يقاتل من أجلها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، ورئيسه عيدروس الزبيدي منذ بسط نفوذه على مدينة عدن، ثاني كبرى مدن اليمن في مايو/أيار 2017.
"الخلاف الإماراتي السعودي موجود منذ بداية الحرب، ويدور حول الأنصبة ومناطق النفوذ، ففي حين تريد الإمارات مدعومة من أمريكا وبريطانيا الاستيلاء على المواني والجزر، ومناطق الثروة فإن السعودية ترى لها الأولوية"، يقول عبد الباري طاهر المحلل السياسي اليمني ونقيب الصحفيين اليمنيين السابق.
في الوقت نفسه، "المتفاوضون في الرياض يطرحون قضايا كثيرة مثل الاتفاق الدائم للحرب، وتبادل الأسرى، والمرتبات وتوحيد العملة، لكن التفاوض الحقيقي يدور حول اقتسام السلطة والثروة، ففي حين يحرص الحوثيين على استبعاد الأطراف اليمنية؛ الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، فإن السعودية حريصة على تحقيق الوجود في منافذ ومناطق معينة"، يضيف طاهر.
وقالت بلومبرج في تقرير لها سبتمبر الماضي، إن خلافًا عميقًا يضرب تحالف السعودية-الإمارات في اليمن، إذ تدعم أبوظبي فكرة إنشاء دولة جنوبية مستقلة للحفاظ على النفوذ الذي بنته على امتداد الساحل الممتد من المكلا إلى باب المندب، بوابة البحر الأحمر، فيما تريد الرياض أن يبقى اليمن موحدًا.
يشغل الزبيدي أيضًا منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الذي شكلته السعودية بديلًا عن حكومة الرئيس اليمني عبدربه هادي في أبريل 2022، ويضم قوى يمنية مناوئة للحوثيين لكنها منقسمة في ولاءتها بين أبوظبي والرياض.
مع تصاعد الخلاف بين الرياض وأبوظبي دخلت واشنطن على الخط لكبح جماح الدولتين
وأشارت بلومبرج إلى واقعة أثارت غضب السعودية عندما مر الزبيدي عبر مدينة المكلا الساحلية بجنوب اليمن وقدم نفسه كزعيم للدولة الجنوبية المستقبلية، وسط حشود هتفت له دعمًا للدولة المستقلة وامتنانًا لمؤيديهم الأثرياء في الإمارات.
لم يكتف الزبيدي بذلك بل سعى إلى إثارة الدعوة إلى انفصال الجنوب خلال مشاركته في اجتماع القادة رفيعي المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في الفترة من 18 إلى 26سبتمبر الماضي. وقال الزُّبيدي في حوار مع أسوشيتد برس الأمريكية أجرته معه في نيويورك، إن المجلس الانتقالي الجنوبي "لن يوافق على أي حل لا يتضمن حق شعب الجنوب في استعادة دولته".
وأفاد الزُّبيدي، بأن المحادثات الأخيرة للرياض مع الحوثيين كانت أولية، مضيفًا أن "المجلس الانتقالي يعتزم المشاركة فيها في مرحلة لاحقة". وأكد أن هدفه الاستراتيجي من المفاوضات المقبلة مع الحوثيين هو إنشاء دولة جنوبية، بالحدود التي كانت موجودة قبل الوحدة 1990.
يقول العساف، إن السعودية "تتمسك في المرحلة الراهنة بوحدة وأمن واستقرار اليمن، على أن تترك لليمنين أنفسهم اتخاذ شكل الدولة الذي يناسبهم".
بينما يعلق كبير محلل مجموعة الأزمات الدولية، بأن "وتيرة الخلافات بين الرياض وأبوظبي زادت مؤخرًا مع اعتماد الإمارات على حلفائها على الأرض لتنفيذ مصالحها بعد سحب قواتها في 2019، فيما تفضل السعودية أن يتم تشكيل الملف بطريقة مختلفة بعد الاتفاق مع الحوثيين، بما يُحقق نوعًا من الحكم الفيدرالي أو اللامركزية في أن تدير كل منطقة نفسها بنفسها لأن هذا يتسق مع مصالحها".
تدخل أمريكي
مع تصاعد الخلاف بين الرياض وأبوظبي، دخلت واشنطن على الخط لكبح جماح الدولتين الخليجيتين. عقد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في نيويورك 20 سبتمبر الماضي، اجتماعًا تشاوريًا مع وزيري خارجية السعودية والإمارات حول الوضع في اليمن.
واتفق الوزراء الثلاثة على أن "التعاون بين الدول الثلاث ومجلس القيادة الرئاسي اليمني أمر ضروري لتعزيز جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة". وأكد بلينكن أن اليمن لديه فرصة "غير مسبوقة" للسلام، ودعا الأطراف اليمنية إلى اختيار المفاوضات بدلًا من استمرار الصراع.
ولم ترد الخارجيتان الأمريكية والإماراتية على أسئلة المنصة.
وعلق العساف "في ظني أن الوزير الأمريكي تناول الجانب الأمريكي في دعم عملية السلام في اليمن، وما يشاع عن خلاف سعودي- إماراتي إن وجد، فيتم تسويته بين البلدين بعيدًا عن المستثمرين في القضايا الخليجية".
"تحاول واشنطن احتواء هذا التنافس بين الدولتين وأن يكون معهم استراتيجية منسقة وليس بالضرورة أن تكون متطابقة مئة بالمئة أو يكون هناك نوع من التنسيق ولا يظهر الخلاف على السطح"، يقول ناجي، إن "واشنطن لديها علاقات قوية مع الطرفين وليس من مصلحة أحد وفقا للرؤية الأمريكية أن يحدث خلاف بين الدولتين خصوصًا مع حالة التهدئة الحالية في اليمن".
فيما يقول نقيب الصحفيين اليمنيين السابق عبد الباري طاهر "ما يهم الشعب اليمني هو الوقف الدائم للحرب، وتبادل الأسرى على قاعدة الكل في مقابل الكل، وتوحيد العملة، وصرف المرتبات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمختفين قسريًا، وترك اليمنيين يقررون مصير وطنهم باختيارهم المستقل والحر".
"اختيار نظام اليمن السياسي في الرياض عبر مفاوضات بين الحوثيين والسعودية وتابعيهم يعني استمرار الحرب بوسائل أخرى، ولن يختلف الأمر عن مبادرة التعاون الخليجي ومنتجها"، يقول طاهر لـ المنصة.
اليوم، لا تزال رحا الحرب دائرة في اليمن، ومن ورائها أطراف لها مصالح في الصراع، وبينما يعاني المدنيون في أنحاء البلاد من تدهور الأوضاع الاقتصادية ونقص الخدمات الأساسية، ينتظرون أن يجتمع الفرقاء على حل يخفف من معاناتهم.