تصميم أحمد بلال لـ المنصة
رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع

السودان وشبح التقسيم.. سباق السلاح والأمر الواقع

منشور الأربعاء 5 فبراير 2025

يزداد المشهد السوداني تعقيدًا خلال الأسابيع الأخيرة، فبينما تقترب الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع من عامها الثاني، لا تلوح في الأفق أي بادرة للحل السلمي أو الحسم العسكري، ويتجه طرفا الصراع إلى تعزيز الانقسام، فمن جهة تنخرط قوات الدعم السريع في جهود تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها، وفي المقابل تسعى القوات المسلحة لتعديل الوثيقة الدستورية ليتسنى تشكيل حكومة مدنية تحظى باعتراف دولي، في بورتسودان، العاصمة المؤقتة للحكومة الحالية.

تثير تحركات الطرفين القلق والمخاوف من انزلاق السودان إلى واقع مشابه لما أسفر عنه الصراع في ليبيا أو اليمن، حيث يوجد في كل بلد حكومتان تحظى إحداهما باعتراف دولي، بينما تشاركها الأخرى السلطة بالأمر الواقع نتيجة السيطرة العسكرية على مناطق. 

الخطر قائم

"خطر ليبيا واليمن يحيط بالسودان في حال طال أمد الحرب دون أن يتمكن أي الطرفين من حسم التواجد العسكري بشكل كامل" قال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، دكتور عمرو الشوبكي، مشيرًا إلى أن الانقسام المناطقي يعززه جوانب أخرى تحمل طابع جهوي وقبلي وهو ما يرسخ للتقسيم المستقبلي.

شبكات المصالح ترسخ للتقسيم

يوضح الشوبكي لـ المنصة أن استمرار سيطرة مجموعات مسلحة على مناطق والبقاء فيها لفترات طويلة، يكرس لأمر واقع جديد يصعب تجاوزه مثلما الوضع في ليبيا، إذ تتكون شبكات مصالح ترسخ للتقسيم من خلال الأجهزة الإدارية الموجودة بتلك المناطق والمديرين والقادة العسكريين، وحينما تكون هناك رغبة في توحيد هذه المؤسسات يبقى الأمر شبه مستحيل.

مبادرات فاشلة

في الحالة الليبية واليمنية لم تتمكن أي من المبادرات العربية أو الدولية من الوصول لتوافق على حكومة وانتخابات واحدة في جميع الأراضي، وهو الذي تكرر في الأزمة السودانية المستمرة منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في أبريل/ نيسان 2023.

ورغم وجود السياقات المتشابهة في الحالة السودانية والليبية واليمنية، يرى الشوبكي أنَّ اتهام الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور منذ 2003، يؤثر في شرعية أي حكومة يجري تشكيلها في مناطق نفوذ قوات حميدتي، مرجحًا صعوبة حصولها على الشرعية الدولية ويقتصر وجودها كأمر واقع فرضه التطور العسكري.

في الوقت نفسه، تنحاز المكونات القبلية الأبرز في دارفور إلى قوات الدعم السريع وفي مقدمتها قبيلة الرزيقات التي ينحدر منها حميدتي، وتتحالف معها بشكل غير مباشر حركات مسلحة وقعت على اتفاق جوبا للسلام تعمل حاليًا على تشكيل حكومة موازية أبرزها حركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي التي يرأسها الهادي إدريس يحيي عضو مجلس السيادة سابقًا والنائب الأول لقوى تنسيقية القوى المدنية (تقدُّم).

في المقابل يتحالف الجيش مع جزء آخر من الحركات المسلحة الدارفورية الموقعة على اتفاق جوبا أيضًا في مقدمتها حركة جيش تحرير السودان التي يقودها حاكم إقليم دارفور مني آركو مناوي، ويشكِّل قوات مشتركة تقاتل فيها الحركات المسلحة إلى جانب الجيش في مواجهة عناصر الدعم السريع.

وتسيطر قوات الدعم السريع على 4 ولايات من أصل 5 في إقليم دارفور، وهي جنوب دارفور وغربها ووسطها وشرقها، وأحياء بشرق مدينة الخرطوم، فضلًا عن أحياء ما تعرف بمنطقة جنوب الحزام، وضاحية سوبا حتى حدود ولاية الجزيرة وسط البلاد، كما تسيطر على ضاحية الكلاكلة وصولًا إلى مدينة جبل الأولياء، نحو 45 كيلومترًا أقصى جنوب غرب العاصمة الخرطوم مع حدود ولاية النيل الأبيض.

كلما تقدم الجيش عسكريًا تضاءلت فرص تشكيل الحكومة الموازية

وباتت مناطق سيطرة الجيش تتركز في جنوب وشرق السودان إضافة إلى أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة في الوسط بعد استعادة ود مدني، كما استعاد مناطق بولايات الخرطوم بحري وأم درمان، كما فك حصار عن القيادة العامة وسط الخرطوم، وسلاح الإشارة، ومقر تابع لجهاز المخابرات يقع بالقرب منه في الخرطوم بحري، وسيصب هذا التقدم لصالح تحسين موقف الجيش السوداني وتهيئة خطوط إمداده من شرق البلاد إلى وسطها، وتقوية دفاعاته في النيل الأبيض والأزرق في جنوب السودان.

أثر التطورات العسكرية

رغم تحقيق الجيش السوداني تقدم عسكري مكَّنه من استعادة عدة مناطق، فالقيادي بالتيار الوطني، نور الدين صلاح الدين يرى أن "التطورات العسكرية الأخيرة لا تكفي لإبعاد خطر التقسيم" لافتًا إلى وجود مخاوف من اتجاه قوات الدعم السريع لتبني عمليات عسكرية تستهدف منشآت حيوية مثلما حدث في استهدافها لسد مروي الاستراتيجي شمال البلاد بالطائرات المسيرة.

وأضاف في حديثه مع المنصة أن الاعتماد على الحسم العسكري في السودان لن يقود إلى إنهاء الحرب ويمكن أن تطول لفترات أكبر، موضحًا أن الخطورة تكمن في تصور الجيش أن التأييد الشعبي له مع طرد عناصر الدعم السريع من غالبية ولايات الجزيرة يشجعه على الاستمرار في خططه، مشددًا على خطر تمترس الدعم السريع في الولايات الغربية بإقليم دارفور خاصة أن لديه حاضنة شعبية ومجتمعية في الولايات التي يسيطر عليها هناك وقد يُستنفر للسيطرة على مدينة الفاشر باعتبارها الوحيدة التي لا تخضع لسيطرته في الإقليم.

وسوق البرهان مؤخرًا أن الشعب السوداني يرفض التفاوض مع الدعم السريع، وحاول الإيحاء بأن الأزمة أضحت مع الشعب الذي يلفظ قوات حميدتي، مستفيدًا من الاحتفالات التي عمت مناطق عديدة بعد تحريرها من قبضة قوات الدعم، وتأكيده "الحرب الدائرة في السودان لن تتوقف إلا بخروج مليشيا الدعم السريع من الأعيان المدنية وإيقاف دعمها من بعض الدول عسكريًا وسياسيًا".

مع ضيق الخيارات على عناصر الدعم السريع وفقًا للمتغيرات الدولية والعسكرية، يوضِّح صلاح الدين اتجاهها للبحث عن خطط بديلة "تحاول تأسيس واقع جديد على الأرض عبر إيجاد حاضنة سياسية من خلال الحكومة التي تخطط لتشكيلها في مناطق نفوذها لتطمئن نفسها كفاعل سياسي يجب أن يتم التفاوض والتفاهم معه".

يتحرك الجيش السوداني لإعادة اقتسام السلطة مع حركات مسلحة وقوى سياسية تسانده 

ويتوقع القيادي بالتيار الوطني أن يواصل الطرفان سباق السيطرة، فمن جهة يكثف الجيش جهوده لاستعادة السيطرة العسكرية مرة أخرى في الولايات التي فقدها، بينما تسابق القوى المتحالفة مع الدعم السريع الزمن لتشكيل حكومة موازية من جهة أخرى "كلما تقدَّم الجيش عسكريًا تضاءلت فرص تشكيلها"، يضيف صلاح الدين "الأقرب وفقًا للمعطيات الراهنة أن عناصر الدعم السريع لن تستطيع استيفاء معايير تدشين سلطة خاصة بها نظرًا لإخفاقها في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في المناطق التي سيطرت عليها منذ اندلاع الحرب".

في المقابل يتحرك الجيش السوداني لتبني تدابير تسمح بتعديلات على الوثيقة الدستورية التي تحكم البلاد، بعد أكثر من ثلاث سنوات على تجميد بعض بنودها، تتيح له إعادة اقتسام السلطة مع حركات مسلحة وقوى سياسية لمساندته في مواجهة الدعم السريع بعد خروجها وتحالف قوى الحرية والتغيير من معادلة الحكم.

أثر التغيرات الإقليمية والدولية

"التحالفات الإقليمية بين طرفي صراع السودان تحرِّك أجندتيهما السياسيتين في الداخل ما يجعل الاحتمالات مفتوحة على كل السيناريوهات، لكن بالأساس يدرك كلاهما عدم رضاء غالبية السودانيين الذين يؤيدون الحكم المدني عنهما، في حين أن كل طرف يحاول فرض سياسة الأمر الواقع في السودان داخل المناطق التي يستحوذ عليها بحكم القوة العسكرية" بحسب الكاتب والمحلل السياسي، عبدالواحد إبراهيم.

أكد إبراهيم لـ المنصة أن دول الجوار تتخوف من سيناريو انشطار السودان إلى دولتين أو أكثر، فتضغط نحو عدم الوصول لنقطة السلطتين المتوازيتين، كما أن الواقع الحالي السياسي والإقليمي مغاير لما كان عليه حين انفصل جنوب السودان قبل 14 عامًا.

بينما يتطلع ملايين السودانيين لوقف الحرب الممتدة على مدار أكثر من عام ونصف، يبدو المشهد في السودان محاولة لنسخ تجارب مريرة في ليبيا واليمن، وتكرار تجارب الحكومة الشرعية، وحكومة الأمر الواقع. فهل يتعمق الانقسام بتشكيل الحكومة الموازية أم ينتصر السلاح وينهي الصراع لصالح طرف من الأطراف؟