تؤجج التدخلاتُ الخارجيةُ الحربَ الدائرةَ في السودان منذ أبريل/نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتلعب عدة دول أدوارًا في تزكية الصراع، وتتجه أصابع الاتهام بالذات إلى الإمارات باعتبارها اللاعب الأجنبي الأكثر استثمارًا في هذه الحرب.
وطوال الأشهر الماضية كشفت تقارير صحفية عن الدور المنهجي المتعمد الذي تلعبه الإمارات في الحرب، بما يشمل الدعم المالي والعسكري واللوجستي والسياسي والإعلامي لقوات الدعم السريع، في وقت تسعى فيه الدولة الخليجية لفرض أجندتها الإقليمية على المنطقة وتعزيز نفوذها بكافة الأسلحة، مما يعوق تحقيق السلام في السودان.
تتشابك المصالح الاقتصادية للإمارات مع طموحها السياسي وهو ما ينعكس على دورها في إفريقيا
ودفع ملايين المدنيين ثمنًا فادحًا لهذه الحرب، وسجلت منظمة الصحة العالمية نحو 20 ألف قتيل منذ اندلاعها حتى نهاية العام الماضي، بينما كشف باحثون بريطانيون أن الأعداد غير المسجلة أضعاف الأعداد المعلنة، وأشاروا إلى مقتل نحو 61 ألف شخص في ولاية الخرطوم فقط خلال 14 شهرًا من بدء الحرب، فضلًا عن نزوح الملايين.
لماذا تتدخل الإمارات في السودان؟
يمثل السودان محورًا أساسيًا في استراتيجية الإمارات في إفريقيا والشرق الأوسط، التي تهدف إلى تحقيق الهيمنة السياسية والاقتصادية مع كبح الطموحات الديمقراطية بدول المنطقة.
سيطرت الإمارات على خطوط التجارة العالمية وأصبحت رابع مستثمر أجنبي في القارة
وخلال العقود الماضية استثمرت الإمارات ما يقرب من 60 مليار دولار في إفريقيا، مما جعلها رابع مستثمر أجنبي مباشر في القارة بعد الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتعهدت أبوظبي بضخ 97 مليار دولار إضافيةٍ في استثماراتٍ جديدةٍ في إفريقيا، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف التزامات الصين. وتشمل المجالات الرئيسية للاستثمار الإماراتي؛ المواني، وسلاسل التوريد، والتعدين، والطاقة المتجددة، والزراعة.
سعت الإمارات إلى السيطرة على طرق التجارة العالمية من خلال الاستحواذ على امتيازات عدة مواني في أنحاء إفريقيا عبر شركات مثل DP World ومجموعة مواني أبوظبي، المملوكتين لحكومتي دبي وأبوظبي، وتشمل هذه المواقع مصر والجزائر على البحر المتوسط، والسنغال وغينيا والكونغو وأنجولا على المحيط الأطلسي، وموزمبيق وتنزانيا وكينيا على المحيط الهندي، وأرض الصومال وبونتلاند وجيبوتي وإريتريا والسودان ومصر على البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
ولا ينعزل التدخل الإماراتي في السودان عن هذه الاستراتيجية الأوسع، وتعد الإمارات المستورد الرئيسي للذهب السوداني ولديها خطط بمليارات الدولارات لتطوير موانٍ على ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى مصالح واستثمارات في الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية وهي في الأساس مشاريع استحواذ على الأراضي والمياه.
إلى جانب طموحاتها الاقتصادية، ربطت أبوظبي استثماراتها بالتأثير العسكري. فوقعت اتفاقيات تعاون عسكري مع عدد من الدول الأفريقية منها إثيوبيا وتشاد، بالإضافة إلى مشاركتها في التدخل العسكري الذي قاده حلف الناتو في ليبيا.
وفي السودان، صاغت الإمارات دورها على الساحة مبكرًا، فمنذ عام 2015 جندت مقاتلين سودانيين للقتال في اليمن، ولاحقًا قدمت دعمها لقوات الدعم السريع بقيادة حليفها حميدتي الذي تسيطر عائلته على مناطق تعدين الذهب في دارفور.
إجهاض التحول الديمقراطي
كعادة حركات وثورات التغيير العربي ضد الاستبداد، تعثَّر التحول الديمقراطي في السودان بعد سقوط الرئيس السوداني عمر البشير الذي استمر ثلاثين عامًا في سدة الحكم.
قوّضت الإمارات التحول الديمقراطي من خلال دعم العسكريين بعد سقوط البشير
لم يأتِ إجهاض مشروع الديمقراطية في السودان نتيجةً للصراع والخلافات بين مكونات المجتمع السياسي والعسكري فقط، بل كان للدول الأجنبية دور فيه، في مقدمتها الإمارات التي دعمت الأطراف العسكرية في السودان ممثلة في قوات الدعم السريع وقيادة القوات المسلحة السودانية عقب سقوط البشير، فقوضت عملية الانتقال الديمقراطي التي تلت الإطاحة بالبشير.
ومع اندلاع الحرب، بين القوات المسلحة والدعم السريع، اتخذت الإمارات صف حميدتي وقدمت له دعمًا لوجستيًا من خلال نقل الأسلحة إليه عبر شبكاتها الواسعة في ليبيا وتشاد ودول أخرى، وتم تمويه بعض عمليات نقل الأسلحة هذه على أنها مساعداتٌ إنسانيةٌ، مما ساعد قوات الدعم السريع على الحفاظ على سلسلة إمداداتٍ مستمرةٍ رغمًا عن العقوبات والحظر الدولي على نقل الأسلحة إلى دارفور.
خصصت الإمارات جزءًا من عائدات تهريب الذهب لتمويل قوات الدعم السريع
وتقدم الإمارات غطاء للعمليات التجارية والمالية واللوجستية والعلاقات العامة لقوات الدعم السريع، بسماحها بأن تدار من أرضها، كما يتم نقل المقاتلين المصابين جوًا لتلقي العلاج في أبوظبي، واستجلبت الإمارات مرتزقةً للقتال إلى جانب ميليشيا الدعم السريع من الجوار الأفريقي ومن كولومبيا.
كما تعد عائدات الذهب الذي تسيطر عليه الإمارات مصدرًا كبيرًا لتمويل قوات الدعم السريع يسمح لها بشراء الأسلحة وتجنيد الأفراد والمرتزقة، وتعزيز مواردها لاستمرار النزاع. فعمليات تهريب الذهب أو تصديره مستمرة من المناطق الخاضعة لقوات حميدتي إلى الإمارات.
إلى جانب الدعم المادي، نشطت الإمارات في تعزيز العلاقات العامة لقوات الدعم السريع، وأعادت رسم صورة حميدتي بتحويله من زعيم حرب إلى قائد إقليمي، ولعبت شركات علاقات عامة مرتبطةٌ بالإمارات دورًا أساسيًا في صياغة هذه الصورة للترويج لقوات الدعم السريع ككيان شرعي له قائد سياسي بعدما كان مجرد زعيم ميليشيا.
ما العمل؟
يتطلب تمهيد الطريق نحو السلام في السودان عددًا من الخطوات، من بينها مواجهة الدور الإماراتي، وتنحيته، ويبدأ هذا عن طريق:
المساءلة
من خلال الضغط الدولي على الحكومات الغربية، لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا، تجاوز الدبلوماسية والإعلان صراحةً عن دور الإمارات في زعزعة استقرار السودان. وينبغي على هذه الدول تسليط الضوء على أنشطة الإمارات في السودان التي تهدد السلم في المنطقة بأسرها.
التوعية العالمية والتغطية الإعلامية
الإمارات حساسةٌ تجاه صورتها الدولية وتروّج لنفسها كلاعبٍ تقدميٍ ومحايدٍ في الشرق الأوسط، وفضْح تورطها الكبير في حرب السودان من خلال الإعلام والمجتمع المدني سيقوض هذه السردية، ويعطل انحيازها لقوات الدعم السريع.
العقوبات الاقتصادية
باستهداف الشركات المرتبطة بالإمارات التي تموِّل عمليات قوات الدعم السريع، مثل شركات تجارة الذهب، يمكن للمجتمع الدولي الحدُّ من الموارد المالية الموجهة لهذه القوات، كما أن فرض عقوباتٍ على هذه الشبكات والكيانات المتورطة بشكلٍ مباشرٍ في زعزعة استقرار السودان يمكن أن يضعف قوات الدعم السريع ويدفعها لاتخاذ خطواتٍ حقيقيةٍ نحو وقف إطلاق النار.
تمكين الأصوات السودانية
ينبغي أن يحدد السودانيون مستقبلهم بعيدًا عن توجيه النفوذ الأجنبي، وتعزيز أصوات النشطاء السودانيين، والمواطنين، والقادة الذين يدعون للسلام والديمقراطية، ودعم المبادرات السودانية لتحقيق السلام.
الحرب في السودان معقدة وإيقافها صعب ولا يمكن التنبؤ بكيفيته أو زمن تحققه، لكنها بالتأكيد لن تتوقف ما دامت الدول الخارجية تتدخل وتؤجج الصراع لتحقيق مصالحها، في مقدمتها الإمارات.
تتجاوز هذه القضية حدود السودان ذاته، وتمثل تحديًا للقيم العالمية المتعلقة بالسلام والعدالة، وعبر التصدي لسياسات الإمارات، يساهم العالم في دعم حق الشعب السوداني في تقرير مصيره.