لم يكن عبد الله الرداعي يعرف أن حاله سيتغير بين ليلة وضحاها، من تاجر قطع غيار في اليمن إلى نازح داخل وطنه. فمع اشتعال الحرب في اليمن، بالأخص عام 2015، تسبب قصفٌ لطيران التحالف لإحدى المنشآت الحكومية في محافظة صنعاء، في فقدان الشاب الثلاثيني مخزنه بكل ما فيه.
اشتد وطيس المعركة، فخرج عبد الله يجرُّ خسائره من محافظة لأخرى، دون مال أو موارد، حتى قرر السفر خارج وطنه متجهًا إلى مصر، ليتبدل حاله للمرة الثانية من نازح إلى لاجئ.
وصل الشاب اليمني القاهرة في 2018، وتنقل بين عدة أعمال، لم يجد فيها نفسه، حتى بدأ في صناعة العطور، معها عادت أموره للتحسن، حتى استطاع بعد فترة افتتاح مصنع قادر على التصدير إلى الخارج.
ليست حالة عبد الله فريدةً بين اليمنيين، وإنما هو واحد من ملايين غيره أفقدتهم الحرب أعمالهم ومنازلهم، يبلغ عددهم حسب الأمم المتحدة، أكثر 4.5 ملايين شخص نزحوا منذ بداية الحرب لمحافظات داخلية، فيما لجأ آخرون لدول مختلفة من العالم.
كذلك يواجه الاقتصاد اليمني بسبب الحرب تحديات مالية غير عادية، حيث فقد اليمن 90 مليار دولار من الناتج الاقتصادي، وفقد أكثر من 600 ألف شخص وظائفهم، كما يعيش 58 %من السكان في فقر مدقع.
بيئة مثالية
مصر كانت واحدة من الوجهات التي لجأ إليها المهاجرون من اليمن، إذ يوجد بها مليون يمني حسب المنظمة الدولية للهجرة في تقريرها الصادر في أغسطس/آب 2022.
وجود اليمنيين في مصر فتح الباب لاستثمارات جديدة، حسب مصطفى نصر، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، الذي يؤكد لـ المنصة أهمية مصر "وجهةً للاستثمار اليمني".
وحسب إحصائية حصلت عليها المنصة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن الاستثمارات اليمنية في مصر بلغت 2.7 مليون دولار خلال عامي 2021-2022، بينما كانت 1.2 مليون دولار خلال عامي 2020-2021، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 363 مليون دولار خلال عام 2022.
ونتيجة لزيادة حجم تلك الاستثمارات، تأسس مجلس الأعمال اليمني عام 2021، الذي يقول عنه رئيسه محمد المجاهد لـ المنصة "كان إقبال المستثمرين عليه ضئيلًا جدًا في البداية، لم يتجاوز العدد 25 مستثمرًا، ثمانية منهم من رؤوس الأموال الكبيرة والباقي أصحاب المشاريع الصغيرة"، وهو ما يعد قليلًا مقارنة بعدد المشروعات الموجودة وقتها في مصر، ويرجع مجاهد ذلك لقلة ثقة المستثمرين بالمجلس حينها.
يضم المجلس الآن 300 عضو مستثمر، إذ إن نسبة الاستثمارات في مصر كبيرة خاصة في السنوات الأخيرة، حيث بلغ حجم الاستثمارات اليمنية في المجال العقاري أكثر من 12 مليار جنيه خلال عام 2022، حسب مجاهد.
ويقوم دوره على إتاحة المعلومات اللازمة للمستثمرين فيما يحتاجونه من استشارات قانونية ومالية، "بالإضافة إلى توجيههم للجانب الحكومي المصري المختص لإتمام الإجراءات الخاصة بإنشاء الشركات أو النشاطات التجارية المختلفة"، حسب مجاهد.
.. ومحفزة
فؤاد آزال، يمني جاء إلى مصر 2016، وقرر بدء مشروعه الخاص في تأجير السيارات، بعد أن وجد أن ميزة الاستثمار في مصر هي تسهيل الإجراءات، يقول لـ المنصة "مصر تُرحب بأي مستثمر من أي جنسية وبأي مشروع وأي منشأة صغيرة كانت أو كبيرة، وتقدم التسهيلات لكل من يريد القدوم لها للاستثمار، والدليل إنك تجد حتى من دول الخليج لديهم مشاريع كبيرة وجبارة في مصر ومن أوروبا ومن أمريكا ومن كل أنحاء العالم".
يوضح المحامي محمد لطفي جودة، المتخصص بقضايا الاستثمارات، التسهيلات في إتاحة إنشاء شركة للأجانب بحيث لا يقل رأس المال عن 50 ألف جنيه مودعة في أحد البنوك.
ويرى لطفي أن "الاستثمارت اليمنية مستمرة بالتدفق إلى مصر بفضل المادة 3 من قانون 72 لسنة 2017، التي تنص على أن جميع الاستثمارات المقامة في مصر تتمتع بالمعاملة المنصفة والعادلة، وتكفل الدولة للمستثمر الأجنبي معاملة مماثلة لتلك التي تمنحها للمستثمر الوطني"، فضلًا عن الإقامة في البلاد طوال مدة المشروع.
غير أن مجالات ذلك الاستثمار محدودة في القطاع العقاري والخدمات والمطاعم، "أتوقع أن يزيد حجم الاستثمارات بشكل أكبر في الفترة المقبلة، ريما تتوسع إلى قطاعات أخرى"، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى نصر .
ويوضح "هناك استثمار كبير في مجال بناء المصانع وشركات برمجة وغيرها من الشركات التي تلقى قبولًا وتجد لها حصة سوقية في مصر، هذا سيشجع رجال الأعمال اليمنيين".
ويقترح نصر وضع محفزات مثل تمديد فترة الإقامة والحصول على الجنسية، ما من شأنه "تعزيز الاستثمارت اليمنية في مصر، كما فعلت دول أخرى".
الإقامة هي التي شجعت عبد السلام سلطان، البالغ من العمر 40 سنة، الذي جاء إلى القاهرة بغرض العلاج في 2022، على بدء مشروعه فيها. يقول لـ المنصة "قررت أفتح محل عطارة لأنها من أنجح المشاريع لتعلق اليمنيين بالمنتجات القادمة من اليمن". وعلى الرغم من أنه لم يمض وقت طويل، غير أنه استطاع توسيع نشاطه التجاري في مصر، "قبل ستة أشهر افتتحت شركة عقارات".
يمنح قانون الاستثمار الحق الكامل للشركات الأجنبية في إعادة الأرباح إلى البلد الأصلي، كما لا توجد اشتراطات تصدير للحصول على الأراضي دون قيود في منطقة الصعيد، وهو ما يعدّه لطفي دافعًا قويًا لمزيد من الاستثمارات.
أما عبد الله الذي بدأ نشاطه قبل خمس سنوات بمحل لبيع العطور، وسع نشاطه ليشمل محافظات أخرى غير العاصمة، حيث تمكن مؤخرًا من فتح وكالة لتصدير منتجاته إلى السوق السعودية، وربما تنتظره أسواق أخرى أكثر تنوعًا في المستقبل.