استطاعت العديد من شركات الصناعات الغذائية أن ترفع أرباحها بنحو الضعف أو أكثر خلال النصف الأول من العام الجاري، رغم الزيادات الكبيرة في أسعار منتجاتها خلال هذه الفترة مع ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج.
ويرى محللون أن الأرباح الكبيرة ترجع إلى قدرة الشركات على تمرير زيادات تكلفة الإنتاج للسعر النهائي للسلعة، وقد تكيفت قطاعات من المستهلكين مع الزيادات الجديدة، بينما لجأ آخرون لأصناف غذائية أرخص.
أرباح من التضخم
في تقرير نشرته شركة إيديتا، على موقعها الرسمي عن أعمالها خلال النصف الأول من العام، قالت الشركة إنها رفعت أسعار أغلب منتجاتها بنسب تراوحت بين 25% إلى 45% لكي تُواكب الزيادة في تكاليف الإنتاج.
لكن الشركة المتخصصة في صناعة المخبوزات والبسكويت لم تقدر على رفع الكميات المباعة في أغلب المنتجات بنفس معدل نمو الأسعار، وفي حالة المقرمشات زادت الأسعار بنحو 44% بينما انخفض حجم الكميات المباعة بنحو 11.3%.
ويقول محللون اقتصاديون للمنصة إن النمو القوي في أرباح شركات الأغذية المقيدة بالبورصة جاء مدفوعًا بمعدلات التضخم بشكل أساسي.
"زيادة أسعار المنتجات عوضت ارتفاع تكلفة الإنتاج على الشركات"، كما تقول محللة القطاع الغذائي في شركة برايم القابضة، نوران أحمد، للمنصة.
وكما يظهر من نتائج أعمال خمس شركات غذائية بالبورصة، خلال النصف الأول من العام الجاري، فقد استطاعت الشركات، باستثناء عبور لاند، أن ترفع من صافي هامش الربح مقارنة بالعام الماضي، أي نسبة ما ربحته الشركة من قيمة ما باعته للمستهلكين، ما يعكس قدرتهم على تجاوز زيادة التكاليف.
زيادة متدرجة بدلًا من الصدمة
تُمثل زيادات الأسعار خلال النصف الأول من العام الجاري، امتدادًا لسلسلة من الزيادات الكبيرة التي بدأت العام الماضي مع الارتفاع القوي في معدلات التضخم.
وبلغ معدل التضخم في أسعار الطعام والشراب 68% خلال يوليو/تموز الماضي، مستكملًا موجة صعود قوية منذ العام الماضي مع تعويم العملة المحلية ثلاثة مرات أمام الدولار، واستمرار ضعف التدفقات الأجنبية اللازمة لاستيراد مدخلات الإنتاج.
"معظم شركات الغذاء رفعت أسعار منتجاتها خلال العام الماضي بنسبة تراوحت بين 30% إلى 60%، وواصلت زيادة الأسعار مع بداية العام الجديد"، كما يقول محلل قطاع الغذاء في شركة نعيم لتداول الأوراق المالية، هشام حمدي، للمنصة.
ويُوضح حمدي أن الشركات كانت تُمرر زيادات الأسعار بصورة متدرجة، حتى لا تصدم المستهلكين بالأسعار الجديدة، ما يساعد على تكيفهم مع مستويات المعيشة الراهنة.
لم تكن قدرة الشركات على تنمية الأرباح متساوية خلال الفترة الماضية، فقد اقتصر نمو الأرباح في حالة "عبور لاند" على نحو 17%.
وترى نوران أحمد أن أرباح "عبور لاند"، المتخصصة في منتجات الألبان، تأثرت سلبًا بتراجع قطاعات من المستهلكين عن شراء منتجاتها نتيجة زيادة الأسعار، والبحث عن المنتجات المماثلة في شركات أخرى، على حد قولها.
الاستثمار في منتجات رخيصة
بينما استطاعت قطاعات من المستهلكين التعايش مع الأسعار الجديدة للمنتجات، لجأت قطاعات أخرى من المستهلكين لمنتجات أقل تكلفة، وكان ذلك مصدرًا أيضًا للربح في حالات مثل شركة جهينة.
"أجواء التضخم المرتفع في مصر تؤثر سلبًا في القوة الشرائية للمستهلكين، ما يدفع المستهلكين لخفض استهلاكهم والإقبال على منتجات منخفضة السعر"، كما تقول جهينة في تقريرها عن نتائج الربع الثاني من العام الحالي.
وتشرح جهينة، في تقريرها، أنها استطاعت مواكبة هذا الاتجاه مع تقديمها لحزمة متنوعة من المنتجات بأسعار مختلفة "منتجاتها (جهينة) منخفضة السعر عليها طلب قوي مع اتجاه المستهلكين لتوفير الأموال".
لا ينفي ذلك أن جهينة كانت من الشركات المتبعة لسياسة زيادة أسعار منتجاتها بشكل عام، "زادت أسعار منتجاتها بنسبة 30% خلال عام 2022، كما رفعت أسعار بعض منتجاتها منذ بداية العام الجاري وحتى الآن بنسبة تتراوح بين 7و 15%"، كما يقول حمدي.
ويضيف محلل النعيم "هذه الزيادة الكبيرة في الأسعار كفيلة بزيادة الإيرادات بشكل كبير".
وبلغ إجمالي إيرادات جهينة 7.1 مليار جنيه خلال النصف الأول من العام الجاري، مقابل 5.1 مليارًا خلال نفس الفترة من العام السابق.
هل هي أرباح حقيقية؟
لكن القيمة الحقيقية لإيرادات شركات الأغذية، تظل هي الأخرى ضحية لمعدلات التضخم المرتفعة، كما يقول المحللون.
"على الرغم من تحقيق أرباح لمعظم شركات القطاع، فمعدلات التضخم هذا العام ارتفعت بشكل كبير، ولكي نقول إن الشركة حققت أرباحًا يجب أن يتخطى معدل نمو الربح نسبة التضخم"، كما يقول حمدي.
وتعكس نتائج أعمال الشركات تفاوت قدرتها على تحقيق نمو في الأرباح، مقارنة بمتوسط معدل التضخم السنوي خلال الفترة بين بين يناير/كانون الأول ويونيو/حزيران الماضيين.
ويقول محلل النعيم إننا في انتظار المزيد من زيادات أسعار الأغذية خلال الفترة المقبلة، ما سيكون في صالح الشركات المصنعة.
"ننتظر المزيد من التحسن في أرباح الشركات خلال النصف الثالث من العام الجاري، بفضل بداية العام الدراسي الجديد، وزيادة الشراء من قبل المواطنين خلال تلك الفترة، مع مزيد من الارتفاع في الأسعار".
بينما تتوقع نوران أحمد استقرار أسعار السلع خلال الربع الثالث من العام الجاري، إلا في حالة حدوث تعويم جديد.