منذ بداية العام الجاري سجل معدل التضخم السنوي قفزات متوالية وصلت به إلى مستويات قياسية، لكن خبراء متخصصون في تحليل القطاع الاستهلاكي يرون أن المؤشر لم يصل بعد إلى ذروة ارتفاعه، وهو ما قد يحد من قدرة الأسر على الاستهلاك وفق تقديراتهم.
وكان معدل التضخم ارتفع في يوليو/تموز إلى مستوى قياسي جديد، عند 38.2%، وهي أعلى قمة بلغها منذ بداية موجة ارتفاع الأسعار التي تلت اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير/شباط 2022.
"التضخم لم يصل ذروته حتى الآن، وفي حالة خفض سعر صرف الجنيه سيكون المعدل بين 38-40%"، وفقًا لرئيسة قسم البحوث ببنك استثمار زيلا كابيتال، آية زهير.
وأوضحت زهير، للمنصة، أن أسعار الطعام والشراب هي العامل الأساسي الذي يساهم في استمرار ارتفاع مستويات التضخم، خاصة مع الاعتماد الكبير على الأغذية المستوردة التي ترتفع أسعارها بشكل متواصل مع استمرار أزمة ضعف التدفقات الدولارية.
وبحسب آخر البيانات المتاحة من البنك المركزي، عن الفترة من يوليو إلى ديسمبر/كانون الأول 2022، يُسجل الميزان التجاري للسلع الغذائية عجزًا صافيًا، أي أن الواردات الإجمالية تفوق الصادرات، ويأتي العجز مدفوعًا بواردات اللحوم والزيوت والألبان ومنتجاتها.
ويتفق مع الرأي السابق رئيس قسم البحوث في شركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، مصطفى شفيع، ويقول "مع استمرار كافة الظروف الحالية المحيطة بالاقتصاد المصري سيتخطى معدل التضخم 40% خلال الشهور الأخيرة من العام الجاري بفضل مجموعات سلعية مثل الأغذية".
الكل يترقب سبتمبر
"قد نصل لذروة التضخم في أكتوبر/تشرين الأول المقبل مع إعلان مراجعة صندوق النقد المؤجلة منذ مارس/آذار الماضي"، كما تضيف زهير.
وأبرمت مصر اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر الماضي، وكان من المفترض أن يُعلن الصندوق عن مراجعته الأولى للشروط الإصلاحية للقرض في مارس الماضي لكن تم تأجيلها.
ويترقب البعض سماح البنك المركزي بتعويم جديد للجنيه أمام الدولار، في توقيت نشر المراجعة الثانية لقرض الصندوق، سبتمبر/أيلول المقبل، مع اتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والموازي.
"استمرار ارتفاع معدل التضخم يتوقف على حدة خفض سعر صرف الجنيه، الذي من المتوقع أن يخسر 18-20% من قيمته خلال العام الجاري بهدف تقليص الفجوة مع سعره فى السوق الموازية"، بحسب حديث محللة الاقتصاد الكلي، منى بدير للمنصة.
وأصدرت وكالة موديز مطلع أغسطس/آب الجاري بيانًا قالت فيه إنها تقوم بمراجعة التصنيف الائتماني لمصر، مشيرة إلى أن الدولار سيرتفع بنحو 20% إذا سمحت الدولة باستجابة سعر الصرف الرسمي للسوق السوداء.
غلاء بداية العام الدراسي
يترقب المحللون عوامل موسمية يرون أنها ستساهم في زيادة وتيرة التضخم خلال الجزء المتبقي من السنة، من أهمها دخول العام الدراسي وما يتبعه من نفقات واسعة من الأسر على مستلزمات التعليم.
"سلة التعليم سيكون لها وزن نسبي كبير مع بداية العام الدراسي خلال سبتمبر المقبل"، تقول بدير.
وأضافت بدير أن احتمالات خفض الدعم عن المحروقات خلال الربع الثالث قد تدفع بالتضخم ليصل إلى ذروة الارتفاع خلال شهر أكتوبر المقبل.
وأكدت أن ارتفاع أسعار الغذاء في العالم يزيد تأثير مجموعة سلع الغذاء في ارتفاع معدل التضخم، مشيرة إلى أن مخزونات الاحتياطي الاستراتيجي لمصر تُقلل من حدة تأثير أسعار الغذاء على التضخم.
ماذا عن الاستهلاك الخاص؟
وفي الوقت الذي ترى فيه زهير أن الأسر المصرية ستسعى للتكيف مع الأسعار الجديدة للسلع والخدمات، ما سيقلل من فرص انخفاض الإنفاق الاستهلاكي، تتوقع بدير أن يكون للصدمة التضخمية الحالية أثر سلبي في هذا الإنفاق.
"استهلاك الأسر المصرية يمثل 80% من الناتج المحلي الإجمالي، وأي تراجع به حتى ولو بمعدل 1%، سيكون مؤثرًا في الاقتصاد المصري، الذي سيشهد معدل النمو الخاص به انخفاضًا خلال العام الجاري أيضًا"، تقول بدير.
وتراوحت مساهمة الاستهلاك الخاص في الناتج الإجمالي بين 82-85% خلال السنوات بين 2020 و2022، لكن معدل نمو هذا الإنفاق، بالأسعار الثابتة، كان يتراجع خلال نفس الفترة، ما يُشير لتراجع وتيرة هذا الإنفاق.
وسجلت مصر نموًا قويًا لناتجها الإجمالي خلال العام المالي 2021/2022 عند 6.6%، لكن البنك الدولي يتوقع أن يتراجع هذا النمو خلال العام المالي التالي إلى 4.5%.
لا تكشف البيانات الاقتصادية الكلية عن تفاصيل حياة المصريين خلال فترة التضخم المرتفع التي تمر بها حاليًا، لكن بدير تؤكد أن العديد من عادات الأسر اليومية تغيرت خلال الفترة الماضية، وتقول "تسببت الارتفاعات الكبيرة بالأسعار إلى تغييرات فى نمط استهلاك المصريين بتخفيض معدلات الاستهلاك مقارنة بالأعوام الماضية".