
بيانات شركات الغذاء في 2024.. ماذا تكشف عن غلاء الأسعار وحجم الاستهلاك وتراجع الشراء؟
لنتخيلْ أن أسرةً تُنفق أسبوعيًا نحو 3000 جنيه على شراء الغذاء، ففي حال ارتفاع أسعار السلع الغذائية التي اعتادت على شرائها بنسبة 40% ستكون مضطرةً لإنفاق 4200 جنيه أسبوعيًا للحفاظ على نفس مستوى الاستهلاك السابق. هذه الحقيقة الحسابية ليست بعيدةً عن الواقع، حيث تعكس بيانات شركات غذائية مقيدة في البورصة المصرية ارتفاع أسعار سلعها خلال 2024 بنسب تقترب من هذا المعدل.
رغم استقرار سعر صرف الدولار منذ مارس/آذار 2024، لكن بقاء العملة الأمريكية حول مستوى الـ50 جنيهًا رفع من تكاليف المواد الخام المستوردة للشركات الغذائية، ما قادها لزياداتٍ في الأسعار تفوق معدل التضخم العام المعلن من جهاز الإحصاء الحكومي، حسب تحليل أجرته المنصة على نتائج أعمال ثلاث من هذه الشركات.
الجانب المشرق في هذا التحليل أن المراقبين للقطاع يتوقعون هدوء وتيرة ارتفاع الأسعار خلال العام الحالي، بالتزامن مع تراجع معدلات التضخم المتوقعة في 2025 واستقرار سعر الصرف.
ما تكشفه نتائج العام الماضي
قبل بضعة أسابيع، بدأت الشركات الغذائية المقيدة في البورصة المصرية الكشف عن نتائج أعمالها خلال سنة 2024(*)، التي أظهرت قدرتها على تنمية إيراداتها خلال هذا العام بمعدلات نمو قوية ساهمت فيها أسعار السلع التي زادت هي الأخرى بوتيرة تفوق التضخم العام في بعض الحالات.
وحسبما تكشف منة الله شمس الدين مدير علاقات المستثمرين بشركة إيديتا للصناعات الغذائية لـ المنصة فإن أسعار بيع منتجات الشركة زادت بنسب وصلت إلى 38% خلال العام الماضي، وهو ما تعتبره تحريكًا قويًا للأسعار "ولكنهُ ضروري نتيجة تخفيض قيمة الجنيه في مارس 2024 وكسر الدولار حاجز الخمسين جنيهًا، والسعي للحفاظ على معدلات الربحية في مستويات جيدة على المدى طويل الأجل".
رفعت جهينة هي الأخرى أسعار مبيعاتها بنسب وصلت إلى 30% العام الماضي على إجمالي المنتجات، لتعوض تكاليف الإنتاج المستوردة التي تصل إلى 30% من إجمالي الإنتاج أيضًا، كما تؤكد سلمى عبد الحي، المحللة المالية لقطاع الأغذية والمشروبات في بنك الاستثمار الأهلي فاروس لـ المنصة.
وتشير إلى أن عبور لاند أيضًا طبقت زيادات كمتوسط على إجمالي المنتجات بواقع 40%، وهي تستورد ما يتراوح بين 45 و50% من مستلزمات إنتاجها من الخارج مثل اللبن المجفف، والزيوت المهدرجة، ومواد التعبئة والتغليف.
ورغم التأثير القوي لأسعار الغذاء على معدلات التضخم الرسمية، فإن متوسطات زيادات أسعار منتجات الشركات الثلاث المشار إليها سابقًا التي بلغت 40% تزيد عن متوسط التضخم العام المعلن من جهاز الإحصاء الرسمي الذي توقف عند 28.1%.
تعكس البيانات السابقة قدرة الشركات الغذائية على تعويض خسائرها من زيادة تكاليف الإنتاج بسهولةٍ عبر زيادة الأسعار، بالنظر إلى أنها تنتج سلعًا ضرورية يصعب على المواطنين تقليل استهلاكها حتى في أوقات التضخم، خاصة إذا كانت الشركة تتمتع بحصة كبيرة من السوق، وفق سلمى عبد الحي، في إشارة لشركات مثل جهينة، التي تعد لاعبًا رئيسيًا في سوق الألبان والعصائر.
الفائدة ساهمت في الضغط على الشركات
بجانب تأثير ارتفاع تكاليف المنتجات المستوردة، فقد كان لسياسات البنك المركزي دور أيضًا في زيادة الأعباء على الشركات الغذائية، بحسب أحمد جمال، المحلل المالي بشركة مباشر لتداول الأوراق المالية لـ المنصة.
وسبق للبنك المركزي رفع أسعار الفائدة 6 بالمائة مرة واحدة في مارس 2024 لاحتواء آثار التضخم الناتجة عن تحريك السعر الرسمي للدولار، وظل محافظًا على مستويات الفائدة المرتفعة حتى بدأ في خفضها هذا الشهر.
بالنظر للقوائم المالية للشركات، نجد أن مصروفات التمويل ارتفعت لدى "عبور لاند" بقوة مسجلةً 371.6 مليون جنيه بنهاية 2024 مقارنة بـ149.4 مليون جنيه في 2023، وأيضًا زادت لدى "جهينة" ووصلت 596.4 مليون جنيه مقارنة بـ320.8 مليون جنيه العام المناظر، وفيما يخص "إيديتا" فقد سجلت 402.3 مليون جنيه مقارنة مع 211.8 مليون جنيه العام المقارن.
تأثير زيادة الأسعار على الاستهلاك
لا يعني ذلك أن ضرورية السلع الغذائية لم تمنع بعض المستهلكين من تقليل استهلاكها، وهو ما يظهر في بيانات بعض الشركات، فوفق تقرير لوحدة بحوث شركة "نعيم لتداول الأوراق المالية" عن مبيعات شركة إيديتا للصناعات الغذائية، الذي اطلعت المنصة على نسخة منه، فإن إجمالي عدد العبوات المُباعة لشركة إيديتا تراجع خلال العام الماضي، وإن كان تراجعًا محدودًا بنسبة 3.8%.
وتشير "إيديتا" في تحليلها لنتائج أعمالها إلى أن زيادة الأسعار عوضت تراجع عدد الوحدات المباعة، وتعلق في نتائج أعمال الربع الرابع من العام الماضي بأن "قطاع المخبوزات سجل نموًا سنويًا في المبيعات بنسبة 14.5% إلى 4.7 مليار جنيه مدفوعًا بـ42.9% زيادة في متوسط سعر العبوة والتي تفوق 19.9% انخفاضًا في حجم المبيعات".
ولا توفر "جهينة" و"عبور لاند" بيانات عن حجم مبيعات الوحدات لديهما، في الوقت الذي تُظهر فيه نتائج أعمالهما نموًا قويًا في قيمة الإيرادات، لكن لا يتبين لنا إن كانتا قد مرتا بتجربة إيديتا بأن عوضت ارتفاع الأسعار الانخفاض في المبيعات، أم نجحتا في الحفاظ على معدلات البيع في العام السابق.
توجه قوي نحو الصادرات
بشكل عام، يرى المحلل المالي أحمد جمال أن الشركات الغذائية لم تواجه انخفاضًا حادًا في حجم مبيعاتها خلال العام الماضي، هذا على الرغم من الارتفاع القوي للأسعار فـ"التراجعات كانت طفيفة جدًا ولا تتخطى الـ3%".
يشير جمال أيضًا إلى أن هذه الشركات توسعت في التصدير لتعويض جزء من ضغوط السوق المحلية، أي ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب تعويم مارس 2024، "الشركات تستورد جزءًا كبيرًا من خامات الإنتاج من السوق الخارجية، مما يضغط على التكلفة، وهو ما دفع الشركات للتوسع في الصادرات، وزيادة مساهمتها في الإيرادات".
وينوه المحلل المالي لـ المنصة بأن صادرات جهينة زادت 205% العام الماضي وساهمت بنسبة بلغت 15% من إجمالي الإيرادات، الأمر نفسه لدى إيديتا إذ ارتفعت الصادرات بنحو 42% نتيجة توسعها في المغرب وغيرها، وأصبحت تُساهم بنسبة 10% من إجمالي الإيرادات، كما أن عبور لاند لديها مساعٍ لزيادة صادراتها لتصل إلى 15% خلال العام الحالي.
هل ننتظر المزيد من الغلاء في 2025
خلال الأشهر الأولى من العام الحالي تراجع متوسط التضخم بشكل ملحوظ، كما انخفض سعر فائدة البنك المركزي بنسبة 2.25% فهل نتوقع هدوء أسعار الأغذية خلال العام الحالي؟
تتوقع محللة قطاع الأغذية بالأهلي فاروس، سلمى عبد الحي، أن يساهم انخفاض التضخم هذا العام في تهدئة وتيرة رفع الشركات الغذائية لأسعار منتجاتها، وإن كانت نسبةُ الزيادة ستظل مرتفعة نسبيًا إذ ستتراوح وفق تقديراتها من 20 إلى 25%.
وتشير إلى أن معدلات التضخم تسير في مستويات معتدلة خلال العام الجاري، وهو ما يُساعد على تحسين أوضاع القوة الشرائية أكثر مما كانت عليه خلال 2024. يتفق جمال معها في أن العام الحالي يشهد انخفاض الضغوط الواقعة على الشركات الغذائية التي تدفعها لزيادة أسعار منتجاتها بوتيرة متسارعة، من ضمنها الاتجاه لخفض الفائدة "في حال صدقت التوقعات بخفض البنك المركزي للفائدة بنحو 6% خلال العام الحالي فإن ذلك سيكون عاملًا إيجابيًا على الشركات".
لكن هناك عوامل أخرى تظل تضغط صوب زيادة الأسعار، منها اتجاه الحكومة المعلن لتحرير أسعار الوقود هذا العام، الذي توقع محللون في تقرير سابق لـ المنصة أن يسهم في زيادة أسعار الوقود بنحو 30% على مدار العام الحالي.
يشير جمال كذلك إلى أن الدولار وإن كان أكثر استقرارًا من العامين السابقين، لكن سعر الصرف لا يزال متذبذبًا، حيث تجاوز 51 جنيهًا خلال الأيام الماضية من جراء الحرب التجارية وهو ما يجعل "من الصعب حسم توقعات محددة بشأن التضخم هذا العام بسبب زيادات أسعار الوقود المرتقبة والحرب التجارية بجانب التوترات الجيوسياسية في المنطقة".
(*)يمكن متابعة نتائج أعمال الشركات الثلاث المشار إليها في التقرير عبر الروابط التالية:
جهينة:https://www.juhayna.com/app/uploads/2025/03/1742945270_652_729111_fy24earningreleaseenglish.pdf
إيديتا: https://s3.amazonaws.com/resources.inktankir.com/efid/Edita-FY2024-Earnings-Release-E-FINAL2.pdf
عبور لاند: https://egx.com.eg/downloads/Bulletins/317145_1.pdf