استطاعت شركتا الدفع الإلكتروني المقيدتان في البورصة المصرية تسجيل نمو كبير في أرباحهما خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، ما أرجعه محللون إلى استعداد قطاعات كبيرة للدخول في عالم رقمنة المعاملات المالية، بجانب استفادة هذه الشركات من رفع البنك المركزي الفائدة هذا العام.
وبينما يبدو نشاط الدفع الإلكتروني من أبرز القطاعات المرشحة للنمو خلال الفترة المقبلة، خاصة مع إقبال الشركات على التحول لنموذج البنوك الرقمية، يحذر خبراء من أن واقعة اختراق "فوري" الشهر الماضي باتت تمثل الخطر الذي يكمن داخل الفرص الكبيرة لهذا البيزنس في مصر.
إيرادات مليارية في سوق الدفع الإلكتروني
الإيرادات الأكبر في قطاع الدفع الإلكتروني بالبورصة كانت من نصيب إي فاينانس، التي بلغت 2.7 مليار جنيه خلال تسعة أشهر من العام الحالي، بزيادة نحو 42% عن الفترة نفسها من العام السابق، ما مكنها من تحقيق أرباح صافية بنحو 1.1 مليار جنيه.
وتأسست إي فاينانس في 2005، وتمتلك كيانات تابعة للدولة الحصة الأكبر فيها، مثل بنكي الأهلي ومصر وبنك الاستثمار القومي، وتحقق جانبًا كبيرًا من أرباحها بالاعتماد على تيسير المعاملات الإلكترونية مع أجهزة الدولة.
أما فوري، التي تأسست عام 2008 وتساهم فيها بنوك حكومية أيضًا، استطاعت تسجيل إيرادات بنحو 2.3 مليار جنيه حتى سبتمبر/أيلول الماضي، بزيادة 44% عن الفترة نفسها من العام السابق، ما مكنها من تحقيق أرباح صافية بنحو 556.2 مليون جنيه.
"تضخم قيم معاملات شركات الدفع الإلكتروني مع توسع معاملاتها مع الجمهور كان ضمن الأسباب الرئيسية لارتفاع إيراداتها بقوة هذا العام"، كما يقول المحلل بقسم البحوث في شركة نعيم للوساطة، هشام حمدي، لـ المنصة.
وأخذ تضخم أسعار المستهلكين مسارًا تصاعديًا منذ بداية العام، وصل ذروته في سبتمبر/أيلول الماضي مع تجاوزه مستوى 40% قبل أن يتراجع بشكل محدود خلال الشهرين التاليين.
"مع اتجاه أسعار الفائدة للارتفاع هذا العام، استطاعت شركات الدفع الإلكتروني أيضًا أن تنمي إيراداتها من الأدوات المالية التي تستثمر فيها، بجانب إيراداتها من الخدمات التي تقدمها للجمهور" كما يضيف حمدي.
وتظهر نتائج أعمال "فوري" تحقيقها إيرادات بنحو 316 مليون جنيه حتى سبتمبر الماضي من بند الفوائد الدائنة، الذي يعكس إيرادات الشركة من الفوائد المدفوعة على حساباتها في البنوك واستثماراتها في أذون الخزانة، ليسجل هذا البند نموًا بنحو 124% عن الفترة نفسها من العام السابق.
واستكمل البنك المركزي مسار رفع الفائدة الذي استأنفه العام الماضي، في محاولة للسيطرة على معدلات التضخم المتفاقمة بتأثير من التضخم العالمي وضَعف الجنيه المصري أمام الدولار، وزادت الفائدة على الإيداع لليلة واحدة لدى المركزي هذا العام بـ3%.
وانعكست سياسات المركزي على أسعار العائد على أذون الخزانة، بحيث بلغ متوسط العائد على أذون أجل 364 يومًا مستويات قياسية تجاوزت 27% في آخر المزادات المنعقدة هذا الشهر.
وتمثل إيرادات الفوائد التي تجنيها "فوري" من أذون الخزانة ضِعف إيراداتها من فوائد حساباتها لدى البنوك تقريبًا، حيث بلغت الأولى نحو 211 مليون جنيه حتى نهاية سبتمبر الماضي.
ونمت أيضًا إيرادات إي فاينانس من أنشطة التمويل خلال تسعة أشهر بأكثر من 60% لتصل إلى 389.3 مليون جنيه، مدفوعة بإيراداتها من الاستثمار في الصناديق النقدية، وأذون الخزانة التي تمثل الشق الأكبر من هذه الإيرادات.
التحول إلى بنك رقمي
بجانب الاستفادة من التضخم، استطاعت شركات الدفع الإلكتروني الاستفادة بقوة من خدمات ذات طابع مصرفي، ما يجعلها أكثر استعدادًا للتحول لنموذج البنك الرقمي الذي أعلن البنك المركزي قبل بضعة أشهر عن قواعد تأسيسه.
يظهر الميل بقوة للمعاملات المصرفية في نتائج أعمال شركة فوري، إذ أصبحت الخدمات البنكية تمثل ثاني أكبر مصدر لإيرادات الشركة بعد المصدر الرئيسي، أي خدمات الدفع التقليدية، فقد اقتصر معدل نمو إيرادات الأخيرة على نحو 16.5% بينما استطاعت الخدمات البنكية النمو بـ67.2%، بجانب ما تقدمه الشركة من خدمات التمويل متناهي الصغر والتي نمت إيراداتها أيضًا بـ51.4%.
وكانت فوري أسست في 2017 شركة تابعة لها تحت اسم فوري بلس، لتقديم خدمات ذات طابع مصرفي مثل فتح حساب المحافظ البنكية، وسداد مستحقات البطاقات الائتمانية وأقساط القروض، إضافة إلى استقبال الحوالات الخارجية.
وشكل قطاع التمويل متناهي الصغر من خلال نقاط البيع نسبة 11.3% من إجمالي إيرادات الشركة حيث لدى الشركة محفظة قروض تبلغ 872.4 مليون جنيه تقدم من خلالها تسهيلات ائتمانية لتجار التجزئة.
وكانت فوري أعلنت عن نيتها التقدم للحصول على رخصة بنك رقمي، بعد أيام من إعلان المركزي عن قواعد ترخيص هذه البنوك في يوليو/تموز الماضي.
والبنك الرقمي هو نمط جديد من الأعمال المصرفية نَصّ عليه قانون البنك المركزي الحالي، الذي صدر في 2020، ووصفه بأنه نوع من البنوك يعتمد في تقديم خدماتها على القنوات أو المنصات الرقمية، عكس البنوك التقليدية التي تعتمد بالأساس على الفروع البنكية حتى وإن كانت تستخدم التكنولوجيا الرقمية أيضًا.
"فوري تمتلك أحجام سيولة جيدة تبلغ ما يعادل 5 مليارات جنيه في صورة أذون خزانة وأرصدة لدى البنوك، مما يعني جاهزيتها للحصول على رخصة بنك رقمي، الذي من شروطه زيادة رأس مال الشركة إلي 4 مليارات جنيه، للقيام بكل أعمال البنوك بما فيها تمويل الشركات" كما تقول محللة أسواق المال في شركة عربية أون لاين، نهاد علي، لـ المنصة.
الخطر السيبراني
قدرة شركات الدفع الإلكتروني على النمو بقوة في مصر خلال السنوات الأخيرة، جعلتها هدفًا جذابًا للهاكرز، وهو ما تجلى بشكل واضح في الاختراق الذي تعرضت له "فوري" الشهر الماضي، والذي كان مؤشرًا على مخاطر كبيرة تنتظر هذا القطاع في المستقبل.
وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي ادعت صفحة HackManac على إكس تنفيذ هجوم سيبراني على شركة فوري، وقامت مجموعة القرصنة بنشر جزء من البيانات، التي تدعي اختراقها للتأكيد على صحة هجومها السيبراني.
من جانبها، حاولت فوري طمأنة العملاء بالتأكيد على أنه لم يتم تسريب أي بيانات مالية أو بنكية خاصة بهم، لكن الرئيس التنفيذي للشركة قال لموقع إنتربرايز إن البيانات المسربة من نوعية أسماء وعناوين العملاء يمكن استخدامها لإيهامهم بأن جهة رسمية تتصل بهم، ثم إقناعهم بتسريب معلوماتهم البنكية.
"الهجوم الذي تعرضت له فوري يحدث في العديد من مناطق العالم، لا أحد يستطيع منعه، ووقوعه في مصر هو مؤشر على دخولنا عالم الرقمنة ومواجهتنا للمخاطر المحدقة بهذا العالم"، كما يقول الخبير في الأمن السيبراني، محمود فرج، لـ المنصة.
ويشرح فرج إلى أن فيروس برامج "الفدية" الذي اخترق "فوري" بدأ في الظهور عالميًا في 2019، وكان الهدف منه تشفير بيانات في أجهزة شخصية ثم ابتزاز أصحاب هذه الأجهزة ومطالبتهم بسداد فدية في مقابل فك التشفير، و"مع الوقت بدا واضحًا أن ابتزاز الحكومات والكيانات الكبيرة يمكن أن يحقق ربحًا أكبر"، كما يضيف.
وحسب فرج فإن الدول التي تدخل عالم الرقمنة لن تكون في مأمن أبدًا من هذا الهجوم، ما يجعل من فيروسات القراصنة بمثابة خطر داهم يهدد بيزنس الدفع الإلكتروني الذي استطاع أن يتوسع في مصر بسرعة كبيرة خلال العقود الأخيرة.