تصوير محمد الخولي للمنصة
بات الحصول على فنجان قهوة مظبوط تحديًا يوميًا في ظل اختفاء السكر من الأسواق



أزمة السكر.. وعود الحكومة تذوب والمواطن يشربها سادة

منشور الثلاثاء 13 فبراير 2024

كعادته اتصل محمد علي بزوجته ليسألها عما تحتاجه وهو عائد من العمل، فردت "سكر.. سكر والنبي". تعجب محمد من الطلب، قبل أن تواصل "شوف عندك في أكتوبر عشان مفيش هنا خالص". 

يسكن محمد في مدينة الفردوس، بمدينة السادس من أكتوبر، وكان يشتري السكر من بقال مجاور لسكنه لذلك فوجئ من طلب زوجته. وظن أنها تبالغ، وتحداها "هجبلك سكر، ومن الفردوس".

عاد محمد إلى المدينة لكنه بعد نحو ساعة اتصل بزوجته وأخبرها أنها كسبت الرهان وسيضطر لشرب قهوته هذه الليلة سادة، وتأكد أنها لم تكن تبالغ، وأن كل التصريحات الإعلامية التي تتحدث عن انفراجة في أزمة السكر مجرد "كلام في كلام"، حسب قوله لـ المنصة.

وتستهدف وزارة التموين تقليل واردات السكر، التي تتراوح من 200 إلى 400 ألف طن سنويًا، مع استمرار أزمة شح النقد الأجنبي، وتعمل في الوقت ذاته على تحفيز المزارعين لتوريد قصب السكر والبنجر لسد الاحتياجات المحلية، مع استهدافها لإنتاج ما يقارب الــ 700 ألف طن سكر من القصب المحلي.

وحسب تقديرات سابقة، فإن الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي للسكر تبلغ نحو 500 ألف طن سنويًا.

انتهاء الأزمة على الورق

عمليات توزيع السكر من المصانع

بدأت رحلة محمد للبحث عن السكر يوم 9 فبراير/شباط الحالي، أي بعد نحو 48 يومًا من وعد وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي، بإنهاء أزمة السكر منتصف شهر يناير/كانون الثاني، حيث قال "مشكلة السكر ستكون من الماضي في 15 يناير"، لافتًا إلى أن "مصانع القصب سوف تبدأ إنتاجها في 1 يناير، وأول شهر سيتوفر 200 ألف طن، وفي آخر مارس/ آذار ستنتج كل المصانع، بما فيها مصانع القطاع الخاص، سكر البنجر".

وفي نهاية الشهر الماضي، أكد معاون وزير التموين لشؤون المشروعات والإعلام أحمد كمال، على انتظام حركة توريد القصب لمصانع الوزارة، مع توريد 928 ألف طن قصب، يتم تحويلها لسكر سعر الكيلو منه 27 جنيهًا.

وكان كمال صرح في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن "مصر وصلت لاكتفاء ذاتي من السكر بنسبة 90%"، ما يعكس التأكيدات المستمرة من الحكومة على محدودية حجم الأزمة الراهنة. 

وينضم مجتمع الأعمال للحكومة في التهوين من حجم الأزمة، حيث أعلن حازم المنوفي، عضو الشعبة العامة للمواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي أن "أزمة السكر انتهت"، مؤكدًا توفر المنتج في الأسواق بنسبة 75%.

فين السكر؟

لا ينتهي الحديث عن انتهاء الأزمة، سواء من وزارة التموين أو شعبة المواد الغذائية، لكن في الشارع لا يزال السكر غائبًا. ما واجهه محمد علي ليس خاصًا بمدينة الفردوس فقط، ففي حي المقطم سألت المنصة في ثلاثة محال بقالة كبيرة، وهي مترو وكارفور وسبينس، عن كيس سكر، وجاء الرد واحدًا "مش موجود"، وقال أحد العمال في سوبر ماركت مترو لـ المنصة "مجالناش أي سكر من حوالي شهر"، وهو نفس الرد الذي قاله عاملون بمحلات بقالة صغيرة في الحي نفسه.

في المعادي وجدنا السكر لدى بقال صغير بجوار محطة مترو المعادي لكن سعر الكيلو كان 51 جنيهًا

الأزمة مستمرة أيضًا في أحياء عين شمس والزيتون والعباسية والوايلي، المناطق التي تضمنتها جولة المنصة بحثًا عن كيس سكر والإجابة واحدة "مش موجود ومش عارفين هييجي إمتى".

أما في حي المعادي، فبعد المرور على 6 محلات بقالة، وجدنا السكر لدى بقال صغير في شارع بجوار محطة مترو المعادي، لكن سعر الكيلو كان 51 جنيهًا. وقال البائع لـ المنصة "السكر مختفي من عندي من 15 يوم تقريبًا، والنهاردا وصلني 20 كيلو، مش باقي منهم غير 2 كيلو بعد 3 ساعات بس".

ويرجع أحمد كامل، البائع في سوبر ماركت فتح الله بمنطقة الزيتون، التناقض بين حديث الحكومة عن توفر السكر واختفائه من الأسواق، إلى ميل بعض التجار لتخزينه، وسط أجواء من تصاعد التضخم تحفز على المضاربة على السلع.

يقول كامل لـ المنصة "ببساطة لأن كل حاجة سعرها بيزيد وهو عايز يكسب أكتر، بيصبر عشان يبيع بسعر أعلى".

وارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية خلال العام الماضي، بلغت ذروتها في سبتمبر/أيلول مع تجاوزها 40%، قبل أن تنخفض تدريجيًا خلال الأشهر التالية.

ويرى كامل أن كل تصريحات الحكومة عن ضبط المتلاعبين بالسوق "كلام فاضي بيضحكوا بيه على الناس بس مش هيحل الأزمة".

كيس لكل مواطن

بعدما فشل محمد في العثور على كيس سكر في الفردوس، عاد إلى مدينة أكتوبر وبحث في أكثر من بقالة ولم يجد، فتوجه إلى كارفور وحصل على كيس واحد، وأخبره الموظف أن هذا قرار من الإدارة. ولكنه لم يكن قرارًا خاصًا بكارفور فقط، إذ لاحظنا خلال جولة المنصة على محلات البقالة الكبيرة أن الجميع يطبق قاعدة كيس واحد لكل مواطن.

يوضح أحمد كامل "الناس مش بتصدق إن فيه سكر أصلًا.. وعشان كده بنضطر نبيع لكل زبون كيس واحد بس".

ويقول إبراهيم بركات، البائع في سوبرماركت مترو، لـ المنصة، "ممكن يبقى كيسين لكل شخص لكن في الغالب بنضطر نبيع كيس واحد بس (..) أكيد أنا عايز أبيع ومش عايز أخزن بضاعة عندي أنا مش محل صغير عشان أعمل كده".

التجار هم السبب؟

يتضح من حديث التجار الذين التقتهم المنصة، على اختلاف حجم منافذهم التوزيعية، أنه لا يوجد تفسير واحد للأزمة، بين من يرجعها إلى عجز الدولة عن توفير هذه السلعة الاستراتيجية، وبين من يرجعها لممارسات التجار الاحتكارية، وهو الخلاف نفسه الذي يدور المسؤولين الحكوميين.

من جهة، اعتبر مصدر مسؤول بقطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين، طلب عدم نشر اسمه، أن نقص السكر في العديد من المناطق يعود إلى "ممارسات خاطئة من جانب بعض التجار".

وأضاف المصدر لـ المنصة "الوزارة رصدت بيع بعض المحال التجارية لكيلو السكر بـ 40 جنيهًا ويجري حاليًا تعقب كبار التجار ممن باعوا السكر بأسعار مرتفعة".

وأشار إلى أن الوزارة "ستعمل على ضخ كميات بالمجمعات الاستهلاكية والسلاسل التجارية بأسعار مخفضة بنهاية الأسبوع الجاري أو بداية الأسبوع المقبل على أقصى تقدير".

بينما يقول مصدر مسؤول بإدارة الرقابة والتوزيع في وزارة التموين، طلب أيضًا عدم نشر اسمه، "الوزارة اعتادت على بعض الممارسات من جانب كبار التجار في سلع بعينها قبل شهر رمضان في محاولة لتحريك الأسعار، من خلال تعطيش السوق لفترة زمنية ثم إعادة طرحها بأسعار أعلى، إلا أن الأمر لا ينطبق على السكر حاليًا".

يضحك محمد وهو يصف رحلته للبحث عن كيس سكر، بأنها تشبه رحلته قبل شهرين للبحث عن السجائر، "تقريبًا الحكومة خايفة على صحتنا، فبعد اختفاء السجاير، اختفى السكر".