تراجعت أعداد عملاء شركات التمويل الاستهلاكي بشكل لافت خلال الربع الأول من العام الحالي حسب بيانات هيئة الرقابة المالية، وهي الفترة ذاتها التي شهدت زيادتين في أسعار العائد على الإقراض لدى البنك المركزي، ساهمتا في ارتفاع فوائد قروض شركات التمويل لأكثر من 30%.
ويقول مسؤولون في قطاع شركات التمويل الاستهلاكي إن فرص اقتراض العملاء منهم تراجعت خلال الفترة الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار السلع التي تغطيها تلك القروض مع زيادة الفائدة، ما جعل العديد من العملاء غير مؤهلين للاقتراض بسبب ارتفاع قيمة الأقساط مقارنة بمستوى دخلهم الشهري.
أثر الارتفاع المستمر للفائدة
على الرغم من حداثة دخول الشركات الخاصة في نشاط التمويل الاستهلاكي، الذي بدأ منذ 2020 مع صدور القانون المنظم لهذا النشاط، فإن الشركات العاملة في هذا المجال استطاعت أن تتوسع بقوةٍ لتصل قيمة تمويلاتها حتى مارس/آذار الماضي إلى 12.1 مليار جنيه.
إلا أن انحسار نمو قيمة التمويل الممنوح مؤخرًا بات يعكس بشكل أساسي أثر التضخم المرتفع في أسعار السلع والخدمات، الذي أثر بدوره على زيادة قيمة القروض، إذ انخفض إجمالي أعداد عملاء هذه التمويلات أول ثلاثة أشهر من العام الجاري بنحو 50 ألف عميل، مقارنة بالربع المماثل من العام السابق عندما كان العدد 853.9 ألف عميل.
ويعكس تتبع أعداد عملاء التمويل الاستهلاكي منذ 2022؛ السنة التي شهدت بداية موجة التشديد النقدي، ارتباطًا واضحًا بين فترات ارتفاع فائدة البنك المركزي وانكماش أعداد العملاء.
"قاعدة عملاء شركات التمويل الاستهلاكي في تراجع، فقد تأثرت بشكل ملحوظ بسبب ارتفاع أسعار السلع المختلفة، سواء المعمّرة أو غيرها، وكذلك الخدمات" كما يقول سعيد زعتر الرئيس التنفيذي لشركة كونتكت المالية القابضة ورئيس الاتحاد المصري للتمويل الاستهلاكي لـ المنصة.
ويوضح زعتر أن ارتفاع أسعار السلع والخدمات ساهم في زيادة قيمة القروض وأقساطها، ما جعل قطاعات كبيرة من العملاء غير مؤهلة للحصول على القروض بسبب انخفاض قيمة دخولهم، التي تعد الضمانة الأساسية للالتزام بسداد القرض.
على سبيل المثال "في حالة تمويل قرض السيارات، يستلزم الحصول على القرض ألا يقل الدخل الشهري للعميل عن 15 ألف جنيه، حتى يقدر على السداد دون أن يتخطى القسط حاجز الـ40% من راتبه"، كما يقول زعتر.
"هناك انهيار في مبيعات الأجهزة الكهربائية منذ 2022" يقول محمود خطاب رئيس مجلس إدارة شركة بي تك المصرية، التي تتبعها شركة للتمويل الاستهلاكي لـ المنصة، مشيرًا إلى الارتباط الواضح بين تراجع المبيعات وارتفاع التضخم خلال هذه الفترة.
"بلغت الكميات المباعة بالشركة 34.4 مليون وحدة في 2023 مقابل 44.8 مليون في 2021" يضيف خطاب.
أثر زيادة الفائدة
ولكن "التضخم ليس عامل الضغط الوحيد على نشاط التمويل الاستهلاكي، فارتفاع أسعار فائدة التمويل لا يقل تأثيرًا" حسب زعتر.
ويوضح زعتر أن فائدة التمويل الاستهلاكي في الوقت الراهن لا يمكن أن تقل في جميع الأحوال عن مستوى 4% أعلى سعر الكوريدور، أي أن الفائدة تتجاوز 30% سنويًا "وهي أقل معدل يسمح لشركات التمويل بتغطية تكاليفها وتحقيق حد أدنى من الأرباح".
ويتفق مع الرأي السابق مسؤولٌ بالإدارة العليا في شركة "أمان" للتمويل الاستهلاكى، الذي لاحظ في الآونة الأخيرة تراجعًا في أعداد العملاء نتيجة ارتفاع الفائدة بشكل كبير، ما ساهم في زيادة تكاليف التمويل.
"تكلفة التمويل للعملاء تتراوح ما بين 4 إلى 5% خلال الفترة الحالية فوق معدل الكوريدور، البالغ 28.25%، أي أن فائدة التمويل تصل إلى 33.25%، وهذا الرقم لا يناسب شريحة كبيرة من المتعاملين" يقول المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه.
والكوريدور/corridor هو سعر العائد على الإيداع والإقراض (أسعار الفائدة) لليلة واحدة في التعاملات بين البنك المركزي وباقي البنوك.
ويوضح المسؤول في "أمان" أن ارتفاع العائد على القروض كان في غير صالح الشركات أيضًا، فهي تحاول الإبقاء على سعر القرض عند أقل مستوى ممكن للحفاظ على العملاء، يقول "العائد الحالي المفروض على القروض يحقق هامش ربح منخفض لشراء التمويل الاستهلاكي، أي أن الوضع الحالي غير مناسب للطرفين".
قل لي لماذا تقترض حتى أحدد العائد
ويشير زعتر إلى أنه بجانب عبء أثر سياسات البنك المركزي برفع الفائدة، فإن العائد على التمويل يتباين بحسب مخاطر تعثر العميل في سداد القرض، الذي يتحدد أحيانًا على أساس طبيعة السلعة الممول بها القرض.
"تنخفض الفائدة مثلًا على المنتجات غير الدوارة مثل السيارات، إلى جانب تمويل التعليم، بينما تزيد على السلع ذات المخاطر الأكبر، وهو ما ينطبق على الأجهزة الكهربائية، نظرًا لأن الأخيرة لا تتمتع بضمانات لحفظ حقوق شركة التمويل على عكس السيارات التي تخضع لشرط حظر البيع"، تبعًا لزعتر.
وحسب بيانات هيئة الرقابة المالية، تستحوذ السيارات على النسبة الأكبر من قروض التمويل الاستهلاكي، بنسبة 35.8% تليها الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات والأجهزة المنزلية التي تبلغ في مجموعها 33.7% من هذه القروض.
وفيما يتعلق بأساليب شركات التمويل الاستهلاكي في التعاطي مع التحديات الحالية، قال رئيس الاتحاد المصري للتمويل الاستهلاكي "إن الشركات التي تتمتع بهيكل تكلفة فعال وحجم عمليات كبير قد تكون قادرة على تقديم معدلات فائدة أقل، تناسب شريحة أكبر من العملاء في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الراهنة".
"تستطيع الشركات أن تُخفض من أسعار القروض أيضًا عبر تنويع باقة الخدمات والمنتجات التي تمولها، ما يسمح بعدم تركز التمويل في قطاعات محددة ومن ثم خفض مستويات المخاطرة"، يضيف زعتر.
كما يقول المسؤول في "أمان"، "إن الشركة تحاول أن توسع من قاعدة عملائها من خلال تقديم قروض صغيرة لشراء أجهزة مثل الموبايل، التي يمكن أن تستهدف عملاء بدخل شهري في حدود 3 آلاف جنيه".
لكن خطّاب يرى أن عبء التضخم ما زال يلقي بثقله على السوق، بالرغم من تراجعه خلال الأشهر الأخيرة، إذ لا تزال أعداد العملاء في مستويات أقل من المأمولة هذا العام، بالرغم من ارتفاع قيمة المبيعات بسبب تضخم أسعار السلع.