شهد الربع الأول من العام الحالي زيادتين لأسعار فائدة الإقراض لدى البنك المركزي خلال شهري فبراير/ شباط/ ومارس/آذار الماضيين، وصلت بها إلى مستويات قياسية عند 28.25%، ما كان مؤشرًا للبنوك وشركات التمويل الاستهلاكي بزيادة فوائد قروضهما إلى مستويات بالغة الارتفاع.
خلال الفترة نفسها، كانت آية إسماعيل، التي تعمل في إدارة القروض الشخصية بأحد البنوك الحكومية، تتلقى طلبات كثيفة من الكثيرين للحصول على تمويلات لفك أزمات شخصية، ليس بصفتها موظفة بنك، لكن باعتبارها أحد الأسماء المعروفة لدى بعض أوساط الباحثين عن التمويل عن طريق "الجمعية".
بغض النظر عن كونها "مصرفية"، لكن آية تؤمن بأن "الجمعية" أكثر رفقًا بأحوال الأسر، ليس فقط لأنها بدون فوائد لكن لأنها تضع اعتبارات مثل الحاجة والعوز كأولوية على الالتزام بموعد السداد.
تقول آية لـ المنصة "إن قيم الاشتراك في الجمعيات باتت بالغة الارتفاع أيضًا، وطلب الاشتراك فيها ازداد مع زيادة أعباء المعيشة في الشهور الأخيرة"، بينما تؤكد الباحثة الاقتصادية سلمى حسين أن أهمية "الجمعية" ازدادت في الفترة الأخيرة كأحد أشكال التضامن الاجتماعي.
الجمعية بديلًا عن البنك
تتميز القروض الشخصية بتوفيرها تمويلات سريعة وبقيم كبيرة، تصل إلى ثلاثة ملايين جنيه أو أكثر، على عكس الجمعيات التي ينتظر فيها المقترض "الدور" حتى يتحصل على المبلغ الذي يحتاجه.
لكن مع اتجاه البنك المركزي لتشديد السياسة النقدية منذ 2022، في محاولة للسيطرة على التضخم الذي أدى لتدهور سعر الصرف، زادت أعباء القروض الشخصية مع ارتفاع فائدة الإقراض لدى البنك المركزي خلال هذه الفترة 19%.
التشديد النقدي جعل الجمعيات تبدو خيارًا بديلًا لتدبير المال في نظر الكثيرين، كما تقول آية، مدللة على ذلك بما تستشعره من تراجع الطلب على القروض لديها "من سنتين كان ممكن في اليوم الواحد نعمل على مستوى الفروع ما بين 500 إلى 600 قرض شخصي ومتناهي الصغر، دلوقتى لو وصلت إلى 200 قرض يبقى كده أنا عندى ضغط شغل".
سالي عبد المقصود، التي تعمل في نفس البنك الحكومي وتدير خمس جمعيات أخرى، تقول لـ المنصة إن الزيادات المتوالية في أسعار الفائدة خلال السنوات الأخيرة "أصبحت لا تُحتمل".
قواعد الاشتراك في الجمعية
بدأت آية الدخول لعالم الجمعيات في أعقاب أول الانخفاضات القوية للجنيه، تحديدًا في عام 2017، بعد أن تعثرت في سداد قسط شقة تعاقدت عليها، وخافت ألا تقدر على الالتزام في المستقبل بسبب الزيادات المتسارعة في الأسعار خلال هذه الفترة.
وقتها عرفت آية أن القاعدة المتفق عليها في الجمعية هي التضامن، حيث سمح لها باقي الأعضاء بالحصول على التمويل المطلوب مبكرًا، رغم حداثة انضمامها للجمعية.
التضامن الذي وجدته آية، "خلاني أساعد أي حد يكون عنده أزمة، عنده قسط شقة أو مدرسة، خلاص يلا هنجمع من بعض ونحل الأزمة".
وتعتقد آية أن مفهوم التضامن لا يزال هو المتبع في الجمعيات التي تولت تنظيمها خلال الفترة التالية، التي بلغ عددها خمس جمعيات، تقول "مثلًا زميلة معانا اتطلقت وجوزها بطل يصرف على الأولاد، طلبت تأجيل قسط الجمعية، وتدفعه مع صرف الأرباح، وافقنا عشان نشيل بعض".
التضامن لا يعني عدم الالتزام، كما تؤكد آية، مضيفة "الانضباط والثقة هو الذي ساعد على توسيع عضوية الجمعية التي بدأت من زمايلي في البنك وامتدت للأصدقاء والأقارب، لحد بياع الخضار اللي بتعامل معاه".
جمعية بمئات الآلاف
لا تعد الجمعيات أمرًا مستحدثًا بالنسبة للمصريين، فمديرو الجمعيات القدامى مثل السبعينية عايدة حسين عاصروا تطور قيم الاشتراكات على مدار عقود طويلة "في الثمانينيات كانت الجمعية ممكن تبدأ بعشرين جنيه وتوصل لخمسين جنيه في الشهر، لأن المرتب كان 60 جنيه وجوزي رحمة الله عليه كان راتبه 90 جنيه".
وتقول عايدة لـ المنصة إن الطلب لا يتوقف على الجمعيات، فهي دائمًا مطلوبة لفك الضغوطات المالية بدون إجراءات أو فوائد، لكن ما يلفت نظرها في الوقت الراهن هو ارتفاع قيم الاشتراكات.
تُجمع آية وسالي على أن قيم الجمعيات وأقساطها تضخمت بقوة خلال الفترة الأخيرة، مع تسارع وتيرة زيادة الأسعار، بحيث أصبحت 100 ألف جنيه، قسط 10 آلاف لمدة عشرة شهور، كما هو الحال لدى سالي.
وبينما لا تزال أقساط بعض الجمعيات في حدود 2000 جنيه، يسعى البعض للتحايل على ذلك لتوفير أكبر قدر من السيولة كما تقول عايدة "بقى الفرد يشارك بأكثر من دور، عندى واحدة مشاركة بـ12 دور لأنها بتجوز بنتها، ومبلغ الجمعية مبقاش يعمل حاجة". كما زاد الطلب على الدور الأول، "الكل مزنوق، وده طبعًا بقى بيخلينى أفرض قانون اللى ياخد الأول لازم يجيب حد يشيل الدور الأخير".
لماذا ننضم للجمعيات؟
وتشرح سالي أن الاحتياج للجمعيات يتغير حسب المواسم "مثلًا خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول بيكون الطلب عليها كبير خاصة من صغار الموظفين ممن يلحقون أبناءهم بالمدارس الحكومية، أقل مدرسة حكومية بتكون المصاريف 600 جنيه وشراء الشنط والكتب الخارجية والكشاكيل، يعنى ممكن الطفل يتكلف 4000 آلاف جنيه".
كذلك ينضم الكثيرون لجمعيات سالي لتغطية نفقات الزواج "بقى كتير جدًا، تلاقي جمعية مشترك فيها العريس ووالده أو والدته وخاله وعمه عشان الكل يساعد في الجوازة"، أو حتى لتغطية نفقات منزلية صغيرة "مثل ترميم سباكة الحمام أو المطبخ، بعد ما ارتفعت أسعار السيراميك والسباكه جدًا" تقول سالي.
والبعض يلجأ للجمعية خوفًا من التأخر في الشراء وارتفاع السعر، كما تضيف سالي "كله عايز يلحق النهاردا قبل ما الأسعار تغلى تانى يوم، ومافيش حد الآن لديه القدرة أن يدفع مبلغ كامل على بعضه، فدائمًا الحل هو القسط".
ويلجأ البعض للاستدانة من الجمعيات بهدف تغطية ديون أخرى، خاصة مع زيادة الضغوط الاقتصادية خلال العام الماضي، تقول آية "يدخل مثلًا الموظف وزوجته عشان يتخلصوا من أقساط القروض، وفيه الل استلف من ناس، واللي شاري بضاعة وعايز يسدد ثمنها، وفي ناس بتدخل عشان تروح تحج".
وهناك من استغل الجمعيات طريقةً للادخار تساعده على الاستفادة من زيادة الفائدة على الودائع في البنوك "بعد ارتفاع أسعار شهادات الادخار، بقى بعض الناس خاصة كبار السن بياخد الجمعية يعملوها شهادة تساعد فوايدها في المعيشة"، كما تضيف آية.
أو من يستعين بها لمواجهة النفقات العلاجية الطارئة، في ظل ارتفاع تكاليف المستشفيات وضعف التغطية التأمينية "للأسف بقى في زملاء بيطلبوها من أجل المرض، مثلًا كان في زميل لديه عملية قلب مفتوح مفاجئة"، كما تقول آية.
الجمعية تعبير عن التضامن
ترى سلمى حسين أن "الجمعيات وسيلة تضامن ما زالت موجودة في المجتمعات اللى فيها ترابط إنساني أكثر من المجتمعات التي تقدمت وأصبحت قائمة أكثر على النظام المصرفي".
وتقول لـ المنصة "إذا نظرنا من منظور العدالة الاجتماعية، دي حاجة ممتازة لأن مش مضطر أبقى عندي ملاءة مالية، مش لازم نخضع لشروط البنوك القاسية، كما أنه يوفر مشاوير فأنا مش مضطره أروح للبنك، ممكن من على كنبة البيت بالبيجامة أكلم أختي تدخلنى معها جمعية".
وتشير سلمى إلى أن "عدم الرسمية دي فيها ترشيد في التكاليف، بتاخد من وقت المنظم، بدون مقابل، فهي شكل من أشكال التطوع أو الجدعنة، الذي يوفر تكاليف البنوك الإدارية وفوائد القروض المرتفعة، وعائد ادخارى مناسب قوي لفترات الأزمات اللي فيها التضخم عالي".
بدأت آية تقلل من تنظيمها للجمعيات في الفترة الأخيرة رغم الطلب القوي بسبب الظروف الصعبة للمقترضين "اكتفيت من خمس شهور بجمعيتين بس، لأنه ضغط شديد، وتعرضت لمواقف صعبة، حالتين وفاة، والورثة رفضوا يكملوا الجمعية، طبعًا أنا اللي سددت مكانهم، رغم إنهم قبضوا قبل الوفاة".
بينما تضحك سالي وتقول "اللى بياخد على الجمعيات مش بيعرف يسيبها، لأننا بنشتغل بالقاعدة المصرية بنلبس طاقية ده لده، يعنى جمعية بتسد التانية أو تسد القرض وغيرها لدفع الالتزامات".