عمال في ورشة للأثاث بدمياط- الصورة: خاص المنصة

ليس أمام شركات التمويل إلا "الزبون المضطر".. الفائدة عالية والتعثر محتمل

منشور الخميس 12 سبتمبر 2024

قبل نحو عشر سنوات، سمحت الدولة بإنشاء شركات متخصصة في التمويل متناهي الصغر، على أمل أن تصل خدمات التمويل إلى قطاعات لم تكن البنوك قادرة على توفير تلك الخدمات لمشروعاتها الصغيرة.

وبينما استطاعت شركات التمويل تحقيق نمو قوي خلال السنوات الأخيرة، حتى بلغت حصتها أكثر من نصف سوق التمويلات الصغيرة متجاوزة الجمعيات الأهلية الأقدم في هذا المجال، فإنها تواجه تحدي ارتفاع الفائدة في الوقت الراهن، الذي يقوِّض قدرتها على التوسع في جذب العملاء.

الفائدة المرتفعة وضَعف المبيعات

"أدت الفائدة المرتفعة إلى عزوف كثير من العملاء عن التقدم بطلبات تمويل إلى الشركات والمؤسسات المالية نتيجة التضخم التراكمي السائد حاليًا" تقول هناء الهلالي، العضوة المنتدبة لشركة الخير للتمويل متناهي الصغر. 

وتعكس بيانات هيئة الرقابة المالية اعتماد قطاع واسع على التمويلات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر الممنوحة من جهات غير بنكية، حيث وصلت أعدادها بنهاية الربع الأول من العام الحالي إلى نحو 3.8 مليون.

تنبع الضغوط التي تواجهها الشركات متناهية الصغر في الوقت الحالي من تزامن ارتفاع أسعار الفائدة مع مصاعب البيع في ظل التضخم المرتفع، حسب علاء محمد، رئيس أحد فروع شركة كاش للتمويل متناهي الصغر، الذي أوضح لـ المنصة أن "الفائدة على قرض 50 ألفًا لمدة 20 شهرًا تبلغ 29.5%، ويمكن تقديم تمويل حتى 242 ألف جنيه وفترة سداد عامين أو أكثر بفائدة 30%".

والمشروعات متناهية الصغر هي التي تقل مبيعاتها السنوية عن مليون جنيه، وفق تعريف البنك المركزي.

ووجه البنك المركزي سياساته نحو ارتفاع الفائدة بوتيرة متسارعة خلال الأشهر الأخيرة، حتى وصلت فائدة الإقراض لديه إلى 28.25%، في محاولة لاحتواء معدلات التضخم المرتفعة التي تدور فوق مستوى 20% منذ بداية العام.

يشير مسؤول في مؤسسة التضامن للتمويل الأصغر، طلب عدم نشر اسمه، إلى ضغوط تواجه مَن حصلوا على تمويل بالفعل بسبب صعوبة البيع في ظل ضعف القدرة الشرائية، ما يعرضهم لمخاطر التعثر "أساسيات دراسات الجدوى للمشروعات التي حصلت على تمويلات تغيرت تمامًا، نتيجة ارتفاع تكاليف الخامات والخدمات، وتراجع المبيعات في الوقت ذاته. كما أن محاولة مساندة هؤلاء العملاء بتمويلات جديدة تصطدم بالفائدة المرتفعة".

ويتفق مع وجهة النظر السابقة مسؤول في شركة أمان للتمويل متناهي الصغر، طلب أيضًا عدم نشر اسمه، قائلًا "هناك تراجع واضح في مبيعات المشروعات بسبب ارتفاع أسعار كافة الاحتياجات الأساسية للمواطنين من كهرباء وسولار ومواد غذائية، ما يدفع المواطنين إلى إعادة ترتيب أولوياتهم".

ورفعت الحكومة أسعار الوقود والكهرباء مرتين خلال العام الجاري، مع اتجاهها لتسعير بنود الطاقة وفق آليات السوق التزامًا ببرنامج إصلاحي أبرمته مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2022.

معدلات أعلى من التعثر

رفعت هذه التحديات غير المسبوقة نسب التعثر في محافظ التمويل لمؤسسات التمويل متناهي الصغر، ولكن المصدر في شركة أمان للتمويل يقدر هذه النسبة بما لا يتجاوز 3% من عملاء الشركة في الوقت الراهن.

كما ترصد هناء الهلالي نسب مقاربة للتعثر بين عملاء شركتها أيضًا "تصل معدلات التعثر حاليًا إلى 3.18% بنهاية يوليو/ تموز 2024 ارتفاعًا من 2.19% بنهاية يناير/كانون الثاني الماضي".

في محافظة الأقصر، جنوب مصر، يملك صفوت عبد الحليم ورشة نجارة يقول لـ المنصة "اعتمدت بشكل أساسي على شركات التمويل متناهي الصغر لتأسيس وتشغيل ورشة نجارة، خدت 3 قروض قيمتها 170 ألف جنيه وقدرت ألتزم بسداد الأقساط. لكن الأمور بقت صعبة، لأن الفائدة على القرض الأخير وصلت لـ30%، في الوقت اللي ارتفعت فيه أسعار الخامات 50%". 

ويضيف الرجل الخمسيني "الحمد لله لم أتعثر حتى الآن، ولكن بعض الجيران ممن يعملون في الحدادة وبيع المواد الغذائية تعثروا في سداد أقساط شركات وجمعيات التمويل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، والشركات أعطت الجيران فرصة عن طريق دفع الأقساط على فترات جديدة".

التحديات القديمة مستمرة

بجانب ظروف الفائدة والتضخم المستجدة، يواجه صغار المقترضين تحديات مستمرة منذ عقود قد تعوقهم عن الوصول للتمويل، سواء من الجمعيات أو الشركات. ومن بين تلك التحديات أن العديد من العملاء يعجزون عن توفير مستندات أساسية للحصول على التمويل مثل "عقد سكن، محل عمل، إيصالات مرافق حديثة، سمعة العميل، عدم توفر ضامن للقرض، إضافة إلى التاريخ الائتماني للعميل"، حسب علاء محمد رئيس أحد فروع شركة كاش للتمويل متناهي الصغر.

بينما يشير المسؤول في شركة أمان إلى أن من أكثر الشروط التي يلاحظ عدم قدرة المتقدمين للتمويل الصغير الالتزام بها أن يكون المشروع قائمًا بالفعل منذ عام على الأقل، وامتلاك بطاقة ضريبية وسجل تجاري، وتوفير ضامن أو أكثر.

يشكو الأربعيني محمد أحمد، صاحب تجربة إنشاء مزرعة سمكية في محافظة المنيا، من أن الجمعيات تطالب بضمانات شخصية كثيرة "البعض يطلب توفير ضمان من 5 أشخاص خارج نطاق الأسرة حاصلين على قروض من الجمعية، والموضوع ده اتسبب في مشاكل كتيرة في الصعيد والريف، لأنه في حالة عدم سداد شخص واحد قيمة القسط يتم رفع قضايا على الخمسة الآخرين". 

لكن أحمد عاد وأوضح أن تعدد الضامنين يتحول لنوع من التكافل في أوقات المصاعب "في الأغلب الضامنون يسعون مع صاحب القرض في تدبير قيمة الأقساط المتأخرة، ويتم الاتفاق بينهم في استرداد المبلغ على فترات".

وتشير نجلاء سيد محمد، صاحبة ورشة تفصيل ملابس ومفروشات في الفيوم، إلى وجود صعوبة في آلية سداد الأقساط بعد اشتراط شركة التمويل السداد عن طريق ماكينات الشحن بدلًا من الدفع بفروع الشركة.

"ماكينة الشحن بتفرض رسوم كبيرة جدًا بتوصل لـ500 جنيه عشان أدفع قسط قيمته 7508 جنيه"، تتعجب نجلاء محذرة "مش هتعامل مع شركة التمويل تاني لو أصرّت على الشرط ده، لأنه بيعمل ضغط إضافي عليّا بعد ما أسعار الخامات غليت والمبيعات قلت. الزباين بدل ما كانت بتشتري طقمين وتلاتة بقت تشتري طقم واحد لأن الأسعار غليت".

وتضيف "فيه مشكلة برضو في الشركات والجمعيات عكس البنوك، وهي رفض الحصول على قرض جديد خلال فترة دفع القرض الحالي بغض النظر عن قدرتي على السداد، في الوقت اللي بكون محتاجه فيه تمويل لتجديد المعدات أو شراء خامات". 

المراهنة على التوسع الجغرافي

تراهن شركات التمويل على انتشارها الجغرافي الكبير، بما يمكنها من التواصل بشكل أكبر مع المشروعات الصغيرة لمساعدتها على التعاطي مع مستويات الفائدة المرتفعة حاليًا.

يرى علاء محمد أن التوسع في شبكة فروع شركات التمويل متناهي الصغر في القرى هو أفضل وسيلة لتيسير التمويل للمشروعات المستهدفة، حيث يكون هناك اتصال مباشر وتقديم استفسارات والحصول على الاستشارات المطلوبة.

ويتفق معه المسؤول في مؤسسة التضامن للتمويل الأصغر "شركات التمويل توجد في المناطق التي لا وجود  للبنوك بها في الأغلب، كما أن الشركات والجمعيات أسرع كثيرًا من البنوك في تدبير التمويل، فبمجرد تقديم العميل طلب الحصول على القرض يتوجه موظف ميداني للتعرف على العميل والمشروع والاطلاع على المستندات، وتحديد قيمة التمويل".

ويضيف المسؤول ذاته "هناك حاجة أيضًا لعدم المغالاة في سعر الفائدة عبر وضع فائدة منخفضة فوق سعر الكوريدور بنسب تتراوح من 1 إلى 2%، والاشتراك في معارض محلية وعالمية لتسويق منتجات العملاء، خاصةً السيدات لتخطي أزمة تراجع المبيعات".