صفحة بنك مصر على فيسبوك
أحد فروع بنك مصر

كيف نستثمر مدخراتنا في عصر الفائدة المنخفضة؟

منشور الأربعاء 1 تشرين الأول/أكتوبر 2025

طوالَ عامين، اعتاد آلاف المواطنين على متابعة أخبار العوائد المرتفعة لشهادات الادخار، التي تصل إلى 25%، فكثيرون اعتبروها مصدرًا لراتب شهري يمكن الاعتماد عليه في مواجهة نفقات المعيشة.

لكن هؤلاء المدخرين يشعرون بالإحباط عند مطالعة التوقعات بشأن مستقبل سعر الفائدة لدى البنك المركزي، الذي تقدر جهات بحثية أنه سيستمر في الانخفاض حتى يصل إلى 8.25% في 2027.

لذا ينصح الخبراءُ صغار ومتوسطي المدخرين ممن يبحثون عن استثمارات سهلة التسييل بتخفيف الاعتماد على شهادات الاستثمار خلال الفترة المقبلة، والتركيز على بدائل قادرة على خلق عوائد أعلى، من بينها أدوات الدين وأسهم البورصة.

ماذا سيحدث للفائدة؟

عقد البنك المركزي اجتماعات خمسة هذا العام خفض خلالها معدلات الفائدة بإجمالي 5.25% من 19% زيادةً طبقها منذ بدء دورة التشديد النقدي في 2022. جاء هذا الخفض مدعومًا بتراجع معدلات التضخم خلال العام الحالي.

وتتوقع مؤسسة بي إم آي في تقريرها عن الاقتصاد المصري الصادر في أغسطس/آب الماضي، الذي اطلعت المنصة على نسخة منه، أن يستمر التيسير النقدي خلال الأعوام القليلة المقبلة.

يبني التقرير توقعاته على أساس تراجع مستويات التضخم لأقل من 10% بدءًا من السنة المقبلة، واستمرارها عند هذه المستويات المنخفضة.

https://public.flourish.studio/visualisation/25314908/

رسم يوضح توقعات مؤسسة بي إم آي عن أسعار فائدة البنك المركزي المصري بين عامي 2023-2028

مع الإشارة إلى أننا مقبلون على فترة من التضخم المعتدل، فإن تقرير بي إم آي لا يستبعد حدوث مخاطر يمكن أن تساهم في رفع الضغوط التضخمية، ومن ثم تجبر المركزي على العودة للتشديد النقدي.

من أبرز تلك المخاطر إمكانية الخروج المفاجئ للأموال الساخنة، وما ينتج عنه من انخفاض قيمة الجنيه، حيث يشير التقرير إلى أن قيمة هذه الاستثمارات تتراوح بين 20 و25 مليار دولار، ومن ثم فإن أثرها عند التحرك المفاجئ سيكون ضخمًا.

وفيما يؤكد المحلل الاقتصادي بشركة آي بي آي إس في لندن علي متولي لـ المنصة على أن تراجع الجنيه بشكل مفاجئ قد يؤدي إلى تشوّه في العائد الحقيقي وزيادة مخاطر التضخم، فإنه يقلل من تلك المخاوف، مستدلًا على ذلك بقدرة الحكومة مؤخرًا على إبرام عدد من اتفاقات بيع الأراضي لدول الخليج، ما عزز من الحصيلة الدولارية ودعم الجنيه.

تعزز كذلك التوقعات باستمرار اتجاه بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو التيسير النقدي خلال 2026، من ميل حركة الأموال العالمية للاستقرار خلال الفترة المقبلة.

في المقابل يجد المدخرون الذين اعتادوا إيداع أموالهم في البنوك سعر العائد على شهادات الاستثمار وقد انخفض إلى 17%، فما المتاح أمامهم لتحقيق عائد أكبر؟

الديون بدلًا من الشهادات

يضع متولي السندات الحكومية وأذون الخزانة أبرزَ البدائل المطروحة حاليًا لشهادات الاستثمار، بالأخص القصيرة ومتوسطة الأجل، التي تظل أقل مخاطرة من الأسهم.

يشير المحلل الاقتصادي إلى أن متوسط العائد على أذون الخزانة لأجل 3 إلى 6 أشهر يدور حاليًا بين 24 و27% "وقد تظل ضمن نطاق 22–25% حتى بعد خفض محتمل للفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، مما يجعلها منافسًا قويًا لشهادات الادخار".

وتتمتع مصر بسوق كبيرة للأذون والسندات الحكومية المفتوحة لاستثمار الأفراد. وتعكس بيانات متوسط العائد على الأذون منذ بداية العام قدرة هذه الأدوات على تسجيل ارتفاعات في العائد عليها خلال بعض فترات استقرار أو انخفاض فائدة البنك المركزي.

https://public.flourish.studio/visualisation/25371285/

رسم يقارن سعر فائدة الإقراض لدى البنك المركزي ومتوسط العائد على أذون أجل 91 يومًا

ويقترح رئيس قطاع استراتيجيات الأسهم بشركة "ثاندر" لتداول الأوراق المالية عمرو الألفي على المدخرين الذين لا يفضلون التعامل مباشرة مع أسواق الدين، الاستثمار في الصناديق التي تولد إيرادات من هذه الأدوات والمعروفة باسم الصناديق النقدية.

تتمتع الصناديق النقدية بميزة احتساب العائد وفق متوسط مرجّح لفترات الاستحقاق المختلفة، وهو ما يمنحها قدرة على الحفاظ على عائد تنافسي حتى في بيئة خفض الفائدة، كما يؤكد الألفي لـ المنصة.

فرصة كبيرة للبورصة

ينصح خبراء آخرون بالاستثمار في البورصة بديلًا عن أدوات الدين، نظرًا لما تخلقه بيئة التيسير النقدي من أجواء تشجع على صعود أسعار الأسهم في السوق الثانوية.

ومنذ الربع الثاني من العام الجاري اتجه مؤشر البورصة الرئيسي للارتفاع، وبلغ ذروته في أغسطس الماضي، بالتزامن مع اقتراب آخر خفض للفائدة في جلسات لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي.

https://public.flourish.studio/visualisation/25315240/

رسم يرصد ذروة صعود مؤشر البورصة المصرية الرئيسي

يشير خبير أسواق المال حسام الغايش إلى أنه مع بداية تراجع أسعار الفائدة في مصر بعد فترة طويلة من التشديد النقدي، ستدخل السوق مرحلة جديدة يترقبها المستثمرون والأفراد على حد سواء.

ويتوقع الغايش لـ المنصة أن يسهل تخفيض الفائدة من فرص استعادة زخم النمو الاقتصادي، ما يعزز أداء الأسهم خلال الفترة المقبلة، خصوصًا في القطاعات التي تستفيد من دورة التعافي الاقتصادي مثل البنوك، الاتصالات، السلع الاستهلاكية، وبعض الصناعات الموجهة للتصدير.

وارتفع مؤشر البورصة الرئيسي منذ بداية العام بنحو 20%، لكن مؤشر رأس المال السوقي للناتج الإجمالي ما زال منخفضًا عن مستوياته قبل نحو ثماني سنوات، ما يعكس مشاركة محدودة للبورصة في الاقتصاد.

وتترقب السوق نشاط التعاملات مع تنفيذ جزء من برنامج الخصخصة الذي اتفقت الحكومة عليه مع صندوق النقد من خلال طروحات في البورصة، لذا فإنه "من المتوقع أن تستعيد البورصة موقعها الطبيعي كأحد أعمدة الاستثمار إلى جانب الودائع خلال الفترة المقبلة"، يقول العايش.

ينصح خبير أسواق المال المُدخرَ المحافظَ بتخصيص 10 - 15% من المدخرات للاستثمار في الأسهم، أما المستثمر المتوازن فيمكن أن تصل حصة الأسهم إلى نحو 40 - 50% من محفظة ادخاره، و60 - 80% في حالة المستثمر المستعد لتحمل المخاطر.

يلعب الذهب دورًا كبيرًا في هذا المشهد بصفته حافظًا لقيمة الأموال

بالرغم من أن الذهب ليس من الاستثمارات التي تولد عائدًا منتظمًا للمدخرين مثل الشهادات البنكية، لكنه اكتسب شعبيةً واسعةً بين المدخرين خلال العامين الماضيين بفضل قفزاته التاريخية مع ارتفاع التضخم، واستطاع أن يحافظ على زخمه خلال الفترة الأخيرة مع تجاوز عيار  21 سعر 5000 جنيه لأول مرة، بزيادة تتجاوز 1000 جنيه عن بداية العام.

يفيد الرئيس التنفيذي لإيفولف القابضة المالكة لصندوق استثمار في الذهب سامح الترجمان بأن انخفاض معدلات الفائدة وهامشية الفارق بينها وبين معدلات التضخم يقلص من أهمية الاستثمارات النقدية في خريطة الادخار، لذا يلعب المعدن النفيس دورًا كبيرًا في هذا المشهد بصفته حافظًا لقيمة الأموال.

وفي تقرير سابق لـ المنصة، قال خبيران إن ارتفاعات الذهب الأخيرة في مصر تأتي متأثرةً بزيادة الأسعار العالمية للمعدن، متوقعين وصوله لقمم سعرية جديدة.

ويرتفع الذهب عالميًا متأثرًا باتجاه الفائدة الأمريكية للانخفاض، بجانب الصراعات الإقليمية، فـ"قيمة الذهب تزداد في أوقات الحروب والأزمات"، كما يؤكد الترجمان.

تتعدد الخيارات البديلة أمام المدخر الذي سيسيّل شهادات الاستثمار في الفترة المقبلة، لكنَّ مستقبلَ التضخم يظل عاملًا حاسمًا لتحديد العائد على هذه الاستثمارات البديلة.