حراك لا تخطئه عين تشهده العلاقات المصرية الإيرانية مؤخرًا، وهو ما يظهر جليًا في الاتصالات والزيارات واللقاءات الرسمية، التي وصلت محطة جديدة بزيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للقاهرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي الزيارة الأولى لوزير خارجية إيراني منذ عام 2013.
أعقب زيارة عراقجي النوعية للقاهرة، لقاء جمع الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والإيراني مسعود بزشكيان على هامش قمة تجمع البريكس بمدينة قازان في روسيا الاتحادية، يأتي هذا في ظل تقارب محدود بدأت مؤشراته قبل ثلاثة أعوام بدأها الرئيس عبد الفتاح السيسي بلقاء وزير الخارجية الإيراني على هامش مؤتمر دولي عقد في بغداد أغسطس/آب 2021.
رغم الإرادة التي يعبر عنها الطرفان في استعادة كامل العلاقات بينهما، إلا أن هناك محاذير لا تزال تحول دون تطبيع العلاقات، بعضها دولي والبعض الآخر إقليمي، إلى جانب المخاوف الأمنية المصرية من محاولات نشر المذهب الشيعي ودعم جماعات الإسلام السياسي.
المخاوف المصرية
مرت العلاقات المصرية الإيرانية بمراحل متعددة، ما بين الروابط الوثيقة وقطع الصلات، وفي إطار الاتصالات الحالية يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران حسين رويران، أن الاستراتيجية الإيرانية تستهدف ضرورة إيجاد تنسيق عالي المستوى مع القوى الكبرى في الإقليم، وتوسيع العلاقات مع مصر بالتحديد.
وبشأن المحاذير المتعلقة بالمخاوف الأمنية المصرية جراء التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لمصر ودول المنطقة التي تربطها علاقات وثيقة بالقاهرة، يقول رويران لـ المنصة إن إيران أظهرت لمصر خلال الفترة السابقة جديتها في إقامة علاقات جيدة، تراعي مصالح الطرفين.
بعد ثورة يناير تجلت رغبة في التقارب بين البلدين بعد سنوات من القطيعة وتخفيض المتسويات الدبلوماسية، إلى أن أعلنت مصر قبل أيام من سفر وفد شعبي إلى طهران عن طرد دبلوماسي إيراني لاتهامه بالتجسس، وكانت إيران أحد الأطراف الموجه لها اتهامات بالتدخل في شؤون مصر.
يرى السفير معتز أحمدين مندوب مصر الأسبق لدى الأمم المتحدة أن المخاوف الأمنية المصرية "لا محل لها من الإعراب الآن"، مستبعدًا لعب طهران أي أدوار تتعلق بالأوضاع الداخلية في مصر.
"ربما تكون إيران أكثر حرصًا من مصر على تطبيع العلاقات وتطويرها لمستويات بعيدة، ضمن مساعيها الرامية لكسر الطوق والحصار الذي تريد واشنطن فرضه عليها" يوضح مدير المركز الوطني للدراسات، هاني الأعصر لـ المنصة.
أثر واشنطن
مع تعقيد العلاقات الأمريكية الإيرانية، تبقى الضغوط الأمريكية واحدًا من العوامل التي قد تعطل مسار العلاقات الطبيعية الكاملة، إذ يؤكد رويران أن واشنطن لا تريد أي تعاون على المستوى الإقليمي بين دول المنطقة، معتبرًا في الوقت ذاته أن طهران غير ملزمة بالرفض الأمريكي.
"القاهرة مطالبة بالرد على مدى تأثير الضغوط الأمريكية عليها في هذا الشأن"، يقول الأكاديمي الإيراني مشددًا على أن مربط الفرس هو مدى قدرة مصر على إدارة شبكة علاقاتها مع واشنطن والغرب، والمناورة لضمان ألا تتأثر تلك العلاقات بتوسيع تعاونها مع إيران.
الإدارة الأمريكية لن تقبل بتطبيع كامل للعلاقات بين القاهرة وطهران
ويعلق السفير معتز أحمدين مندوب مصر الأسبق لدى الأمم المتحدة على الممانعة أو الضغوط الأمريكية خلال حديثه مع المنصة "لا يمكن التقليل من تأثير الفيتو الأمريكي على تطبيع العلاقات بين البلدين"، معتبرًا في الوقت ذاته أن هناك مساحات تعاون يمكن أن تتسع دون مواجهة رفض أمريكي.
ويشير إلى إمكانية رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين ليصل لتبادل السفراء، لافتًا إلى الدور الذي لعبته مصر في الآونة الأخيرة "علينا ألا نغفل أن مصر نقلت رسائل من وإلى إيران كوسيط خلال الفترة الأخيرة".
وبينما يتوقع مندوب مصر الأسبق لدى الأمم المتحدة أن تطوير العلاقات الاقتصادية "لا يمكن أن تسمح به واشنطن"، يرى أن العلاقات الدبلوماسية يمكن أن تشهد توسعًا أكبر من أي مجال آخر.
فيما يعتبر هاني الأعصر مدير المركز الوطني للدراسات أن الظروف مواتية لعودة العلاقات بين البلدين "في ظل الأوضاع الراهنة في الإقليم وحاجة واشنطن لوسطاء موثوقين لنقل الرسائل في ملف تداعيات الحرب على غزة ولبنان".
يقول الأعصر لـ المنصة إن واشنطن قد تتجه نحو السماح بمستوى من العلاقات لم يكن مسموحًا به في وقت سابق، مشددًا "لكن هذا لا يعني أن الإدارة الأمريكية تقبل بتطبيع كامل للعلاقات بين القاهرة وطهران".
أثر الخليج
تطورت العلاقات الإيرانية الخليجية في السنوات الأخيرة، واتجهت لتطبيع العلاقات ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بعد سنوات من سياسة اللا سلم واللا حرب.
وفي أعقاب القرار السعودي بتطبيع العلاقات مع إيران بوساطة صينية، وصلت المشاورات والاتصالات المصرية الإيرانية إلى محطة اللقاءات الرئاسية، بعدما التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي على هامش القمة العربية الإسلامية المشتركة بالرياض في نوفمبر/تشرين الأول من العام الماضي.
جاء ذلك بعد مرحلة طويلة من رفع مصر شعار "أمن الخليج خط أحمر" الذي تبناه العديد من وزراء الخارجية في مواجهة إيران. ويستبعد أحمدين وجود أي مخاوف خليجية، خاصة سعودية، من تطور العلاقات المصرية الإيرانية "بعد استعادة المملكة نفسها العلاقات مع إيران لم يعد الأمر يمثل عقبة بالنسبة لمصر".
من جانبه، قال الأعصر إن "هناك دوائر رسمية مصرية رأت أن الوقت مناسب لاستعادة العلاقات أو تطويرها، خاصة وأن دول الخليج وعلى رأسها السعودية سارت في هذا الطريق".
ويشير الأعصر إلى المكاسب الاقتصادية التي قد تعود على القاهرة "توجد فرص كبيرة لمصر على المستوى الاقتصادي في مجالين محددين؛ أولهما صناعة النفط، والثاني السياحة الدينية"، معتبرًا أن القاهرة مرشحة للفوز بنصيب كبير من كعكة السياحة الدينية الإيرانية التي تقدر بالملايين.
لا تغفل إيران قوة الورقة الاقتصادية ضمن المحفزات التي تروجها لاستعادة العلاقات مع مصر، وربما تؤكد تصريحات رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بمصر محمد حسين سلطاني فر هذا، إذ قال لوكالة الأنباء الإيرانية إن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبعد المشاورات والرسائل المتبادلة، مستعدة لدخول أسواق مصر عبر إنشاء مصنع لإنتاج السيارات المحلية، وتأسيس شركات مشتركة في مجالات النسيج والملاحة البحرية وتجارة السجاد، إضافة إلى التبادل السياحي والتعاون في مجالي النفط والغاز".