كشف الخلاف الأخير بين المملكة العربية السعودية والكويت من جهة وإيران من جهة أخرى، على ملكية حقل الدرة النفطي، عن مدى هشاشة الاتفاق الذي تم توقيعه بين الرياض وطهران، في مارس/آذار الماضي لاستئناف العلاقات المقطوعة بين البلدين منذ عام 2016.
يعود الخلاف على حقل الدرة، المعروف في إيران باسم "أراش"، إلى ستينيات القرن الماضي، وفيما تعد السعودية والكويت الحقل واقعًا في منطقتهما المحايدة، تطالب طهران بالجزء الشمالي في الحقل.
وللحقل أهمية استراتيجية كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، باعتباره مخزنًا منتظرًا لإنتاج الغاز، ويقدر خبراء الإنتاج المنتظر من هذا الحقل بنحو مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا، إضافة إلى أكثر من 300 مليون برميل من النفط الخام.
برز الخلاف الأخير على السطح إثر توقيع الرياض والكويت اتفاقية العام الماضي لتطوير الحقل بشكل نهائي. طهران من جهتها عدت الاتفاق "غير قانوني"، وأعلنت شركة النفط الوطنية الإيرانية نهاية يونيو/حزيران الماضي استعدادها لبدء التنقيب في منطقة الدرة، وردت الكويت بأنها ترفض تلك الخطط، وتبعتها الرياض بإعلانها التنقيب في المنطقة، وأن استغلال الحقل حق حصري لها وللكويت فقط، داعية إيران إلى البدء في مفاوضات لترسيم الحدود حتى لا يتصاعد الخلاف.
وصف الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، الوفاق الخليجي الإيراني بأنه "هش" ولن يستمر طويلًا، في معرض تعليقه على هذا الخلاف، وقال إن "الجار الإيراني الصعب لا يرد التحية بأحسن منها، بل يتصرف بعنجهية كالعادة دون اعتبار لمبدأ حسن الجوار والحوار".
الحوثي يتحدث
ولأن اليمن هو ساحة الاختبار الحقيقية لأي اتفاق بين الرياض وطهران، فما إن تصاعد الخلاف حول حقل الدرة بين الخصمين الإقليميين، حتى عاد التوتر العسكري في مناطق اليمن المختلفة بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران، وقوات الحكومة الشرعية المحسوبة على السعودية والإمارات.
الأسبوع الماضي استهدفت مليشيا الحوثي محيط مدينة مأرب اليمنية بصاورخين بالستيين إيرانيي الصنع، بحسب ما نقلت وسائل إعلام يمنية. الهجوم الصاروخي الحوثي جاء بعد ساعات من تنفيذ قوات الجماعة التي تسيطر على معظم مناطق اليمن الشمالية مناورة عسكرية بمديرية صرواح، في تصعيد اعتبره دبلوماسي يمني "رسالة تهديد واضحة من طهران للرياض".
قال الدبلوماسي اليمني لكاتب هذا المقال إن التهدئة بين طرفي الصراع في اليمن قد تنتهي مع عودة التوتر بين السعودية وإيران، على خلفية خلاف البلدين حول ملكية حقل الدرة، متوقعًا أن تصل الصواريخ الإيرانية التي تستخدمها جماعة الحوثي إلى أهداف سعودية، في حال لم يصل الطرفان إلى اتفاق لترسيم الحدود.
ويشير مصدر يمني آخر إلى أن إيران لم تمارس، منذ توقيعها الاتفاق مع السعودية قبل 4 شهور، أي ضغوط على ذراعها في البلاد، الحوثي، لإقناعه بالمضي في مفاوضات السلام النهائية. على عكس الرياض التي ألزمت حلفائها في الحكومة الشرعية بضبط النفس وعدم الرد على الاستفزازات الحوثية حتى تثمر المحادثات بينها وبين طهران والحوثيين عن اتفاق يعيد الاستقرار للبلاد.
ويدلل المصدر على وجهة نظره بأن طهران استمرت في إرسال أسلحة مطورة إلى جماعة الحوثي، "تم ضبط شحنات أسلحة وذخائر في مياه البحر العربي مؤخرًا كانت في طريقها إلى مليشيا الحوثي"، مشيرًا إلى أن إيران لا تنوي ترك بلاده في حالها، ولن تتخلى عن النفوذ الذي حققته من خلال المليشيا التابعة لها، وجعلت لها موضع قدم في مدخل البحر الأحمر.
ويتوقع المصدر الدبلوماسي اليمني أن يستمر التوتر على أكثر من جبهة في بلاده، في ظل إصرار طهران على استخدام اليمن كأداة للضغط على السعوديين لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
الخلاف حول حقل الدرة لن يقف عند حد عودة العمليات العسكرية واشتعال الجبهات في اليمن
المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس جروندبرج أعرب عن قلقه من التحركات العسكرية للحوثيين حول مدينة مأرب، وقال خلال إحاطته لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي "على الرغم من الانخفاض الملموس في القتال منذ بداية الهدنة، إلا أن الجبهات لم تصمت بعد. فقد وقعت اشتباكات مسلحة في الضالع وتعز والحديدة ومأرب وشبوة، ويساورني القلق إزاء التقارير التي تفيد بوجود تحركات للقوات، بما فيها تحركات بالقرب من مأرب، إضافة إلى استعراض لمقاتلين في إب مؤخرًا".
العجلة قد تتوقف
الخلاف حول حقل الدرة لن يقف حد عودة العمليات العسكرية، واشتعال الجبهات في اليمن بين طرفي الصراع المدعومين من الخصمين الإقليميين، بل ستمتد ارتداداته إلى ساحات أخرى كانت هدأت بالفعل، فضلًا عن أنه قد يعرقل جهود بناء الثقة واستعادة العلاقات بين طهران وعواصم عربية أخرى في القلب منها القاهرة، التي تحركت المياه الدبلوماسية بينها وبين العاصمة الإيرانية بعد الإعلان عن اتفاق المصالحة السعودي الإيراني.
ورغم الأزمة المكتومة بين السعودية ومصر، فإن الأخيرة لا تُحبذ أن تمضي في تطبيع علاقاتها مع إيران إلا بعد حسم الخلاف بين طهران والرياض. فظروف القاهرة الاقتصادية والسياسية لا تسمح لها باستفزاز دول الخليج وفي القلب منها السعودية. لكن ذلك لا ينفي قدرة النظام المصري، إن أراد، على استخدام ورقة العلاقات مع إيران في الضغط على دول الخليج التي توقفت عن ضخ استثمارات في شرايين الاقتصاد المصري المنهك.
يحسب النظام الإيراني خطواته جيدًا، ويعرف متى يصعّد ومتى يتراجع، فعندما ذهب إلى توقيع اتفاق للمصالحة مع السعودية كانت أزمة الاحتجاجات الداخلية على أشدها إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني نهاية العام الماضي وسط اتهامات للحرس الثوري باغتيالها، وهو ما دفع طهران إلى السعي لتهدئة الأمور مع جيرانها العرب.
الآن، استعادت سلطة الملالي زمام الأمور، واقتربت من توقيع الاتفاق النووي مع الغرب والولايات المتحدة التي تمر علاقاتها مع حلفائها الخليجيين بتعقيدات وأزمات مكتومة، ما تعده طهران فرصة يجب استغلالها.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية قبل أيام عن اتفاق نووي غير مكتوب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، واصفةً ما يحدث بـ"أكثر من تفاهمات".
وقال محلل الشؤون العسكرية عاموس هرئل، لصحيفة هآرتس يوم الجمعة الماضي، إنّ "الاتفاق غير المكتوب لواشنطن مع طهران يقوم على تجميد البرنامج النووي مقابل تحرير أصولٍ إيرانية في الخارج، وإطلاق سجناء ومخطوفين".
لن تفوّت طهران الفرصة، وستسعى لاستغلال التقارب مع واشنطن في الضغط على الرياض والكويت لانتزاع حصة من إنتاج حقل الدرة، إذ تعلم أن الإدارة الأمريكية لن تنحاز إلى السعودية في هذا النزاع، ولن تستخدم أي أوراق ضغط نكاية في ولي العهد السعودي محمد بن سليمان، الذي يخطط للخروج من تحت العباءة الأمريكية مؤخرًا.
الاتفاق على تطبيع العلاقات، والتهدئة بين الخصمين الإقليميين، ثم عودة التوتر سريعًا، ليس بجديد على تاريخ العلاقات بين السعودية وإيران. فما أن تُستأنف العلاقات الدبلوماسية حتى تنقطع، بعد فترات تطول أحيانًا وتقصر في أحايين كثيرة، وذلك نتيجة لانعدام الثقة بين دولة ترى في نفسها ممثلة وراعية للإسلام السني، فيما تعتقد الأخرى أنها حامي المذهب الشيعي والداعم الوحيد لأتباعه في دول المنطقة. يضاف إلى ذلك تقاطع المصالح الاقتصادية، وتداخلات القوى الدولية في الأقليم.