الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي - فيسبوك
الرئيس عبد الفتاح السيسي يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية 10 ديسمبر 2023

انتخابات رئاسية فاترة

منشور الثلاثاء 12 ديسمبر 2023

ربما تكون الانتخابات الرئاسية الفاترة التي تنتهي اليوم هي الأقل إثارةً للاهتمام منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منصبه، ففي انتخابات 2014 كانت مصر لا تزال تعيش أجواء ما بعد الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي. أما انتخابات 2018 فكانت الأسوأ على الإطلاق.

في الانتخابات الأولى حاول حمدين صباحي منافسة الرئيس من موقع المرشح المدني الذي يمثل ثورة 25 يناير، رغم تحذيرات كثير من المقربين منه من أنَّ تلك الجولة لن تشبه مطلقًا ما حدث في انتخابات 2012 عندما حلَّ حمدين ثالثًا بنسبة نحو 21%.

أما في 2018، فكان الخناق ضاق كثيرًا على أحزاب المعارضة التي ساندت مشروع 30 يونيو، بعد تمرير كثير من القوانين التي حاصرت الحريات العامة بذريعة مكافحة الإرهاب، وامتلأت السجون بالمعارضين. جرت الانتخابات في تلك الأجواء بطريقة ضمنت إبعاد جميع المنافسين الجديين من الترشح، ما حولّها عمليًا إلى استفتاء تمديد للرئيس السيسي.

بوادر معركة لم تكتمل

التوقُّع بإجراء الانتخابات الجادة والتنافسية هذه المرة، مردُّه الرئيسي إطلاق دعوة الحوار الوطني في 2022، وإبداء انفتاح ولو محدودًا على المعارضة؛ تمثل في إطلاق سراح مئات المعارضين بعد قضائهم سنوات في السجن، وإتاحة بعض المساحات الضيقة للأصوات المعارضة، وذلك على الرغم من استمرار سياسة حبس من يعبِّرون عن آرائهم على السوشيال ميديا، والإصرار على حرمان مجموعة أسماء من حريتها، مثل علاء عبد الفتاح ومحمد عادل ومحمد أكسجين ومروة عرفة وشريف الروبي وهالة فهمي ومنال عجرمة وصفاء الكوربيجي وحمدي الزعيم ونرمين حسين.

قد تكون حرب غزة سببًا في تراجع الاهتمام بالانتخابات لكنَّ ذلك لا يعني أنَّ النظام حلَّ أزماته

إعلان النائب السابق أحمد الطنطاوي نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية ساهم كذلك في إكسابها صخبًا بين أوساط المعارضين، خصوصًا الشباب الذين شكلوا عماد حملته. وشكَّلت انتقاداته الحادة والصريحة والمباشرة للرئيس السيسي، وعدّه "مرشحًا منافسًا لقطة" لو جرت الانتخابات بينهما في أجواء نزيهة بالكامل، وكان الفصل فيها فقط لصندوق الانتخاب.

ولكن لم يتسع صدر النظام والأجهزة للطنطاوي مرشحًا منافسًا، فاتُّهم بأنه يحظى بدعم جماعة الإخوان وأنصارها، خصوصًا مع تصريحات قيادات في الجماعة بأن مواقفه هي الأقرب إليهم، دون دعمه صراحة. وشاهدنا جميعًا مناظر يندى لها الجبين، لمواطنين يُمنعون من تحرير التوكيلات لصالحه، للحيلولة دون استكماله التوكيلات الشعبية اللازمة للترشح.

ولكن جاءت الحرب في قطاع غزة يوم 7 أكتوبر لتقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع، وتعيد حساباتهم وتجعل من الانتخابات الرئاسية برمَّتها حدثًا هامشيًا. بشاعة الحرب وجرائم الإبادة والسعي للتهجير وأعمال القتل التي يقوم بها العدو الصهيوني بحق الأطفال والنساء والمدنيين أصابت غالبية المصريين بالقلق والتهديد الخارجي.

استفاد الرئيس السيسي كثيرًا من تلك الأجواء، وتبنَّى خطابًا صارمًا في رفض خطط التهجير الصهيونية وتصفية القضية الفلسطينية. وعندما أعلن المرشح الطنطاوي، في مؤتمر صحفي بعد أسبوع من الحرب، عن إنهاء حملته والحديث عن "منعه" من الترشح، لم يلقَ ذلك الصدى الذي كان سيلقاه قبل الحرب.

في الوقت نفسه، تمسك المرشح فريد زهران بالمضي قدمًا في المنافسة بعد ضمان دعم عشرين نائبًا في البرلمان. لم ترضَ بقية أحزاب المعارضة عن قرار زهران، فأصدرت تسعة من أحزاب الحركة المدنية الاثنتي عشرة بيانًا تعلن فيه عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، فيما جمَّد الحزبان المصري الديمقراطي والعدل نشاطهما في الحركة.

تعامل زهران مع مشروعه الانتخابي بجدية مطلقة، وعقد عشرات المؤتمرات الجماهيرية في محافظات مختلفة، خاصة في الصعيد الذي حظي بحضور معقول. كما أجرى مقابلات تليفزيونية قدَّم فيها نقدًا حادًا لسياسات النظام، وتطرق لجوانب كان يظنها الكثيرون محرمة؛ مثل ضرورة تراجع دور القوات المسلحة في الاقتصاد، وخلق المناخ المناسب لدعم القطاع الخاص الوطني. ولكنَّ كل ذلك لم يمنح الانتخابات الحضور الذي كان يتطلع له المصريون عمومًا.


كما تراجع الاهتمام الدولي بالانتخابات والديمقراطية في مصر منذ انطلاق حرب غزة، خصوصًا في ضوء احتياج كل الدول الكبرى المعنية، على رأسها الولايات المتحدة، للدور المصري الرسمي، سواءً للتعامل مع الأزمة الإنسانية الخانقة في القطاع، والأهم وساطتها في مفاوضات إطلاق سراح الأسرى والرهائن الإسرائيليين هناك.

وعمومًا، لم تعد ثمة مساحة في الإعلام الأمريكي والدولي للتعامل مع أي قضايا في الشرق الأوسط سوى حرب غزة وآثارها، واحتمالات اتساعها إلى جبهات إقليمية أخرى، سواء في لبنان أو العراق أو سوريا، مع تصاعد الأحداث في اليمن.

الأزمة لا تزال مستمرة

نتيجةً لذلك كلِّه، نشهد اليوم انتخابات هي عمليًا الأكثر فتورًا والأقل إثارةً على الإطلاق طوال السنوات العشر الماضية. ولكنَّ استمرار الحرب في غزة لأسابيع على الأقل وفق أكثر التوقعات تفاؤلًا، وامتداد فترة التعامل مع عواقبها لسنوات، وانصراف الاهتمام نحوها، لا يعني أنَّ النظام ضمن استقرار الأوضاع الداخلية تمامًا.

فالضجر بدأ يتزايد من فشل الأنظمة الرسمية العربية عمومًا في ممارسة أي ضغط على الولايات المتحدة لوقف إبادة الفلسطينيين، لدفعها حتى عن الامتناع عن التصويت على قرار وقف إطلاق النار الإنساني الذي تقدمت به الإمارات في مجلس الأمن يوم الجمعة، بدلًا من استخدام الفيتو في مواجهته.

وبالرغم من التقارير المتداولة عن تطوع الجهات المانحة الدولية لتقديم المزيد من الديون والمنح لمصر من أجل الخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة، وحديث رئيسة صندوق النقد الدولي عن أنَّ تعويم الجنيه الذي ألحَّ عليه الصندوق كثيرًا لم يعد أولوية الآن، مع التركيز على مكافحة التضخم، فإن كلَّ التقديرات الموضوعية تشير إلى أنَّ أزمتنا الاقتصادية لن تحلها بضعة مليارات قليلة من الصندوق، وأنَّ المطلوب هو إصلاحات هيكلية حقيقية مع إعادة نظر في أولويات الإنفاق، ليصبح لدينا بالفعل اقتصاد قادر على مواجهة الأزمات الخارجية التي لا تنتهي في الشرق الأوسط.

نعم قد تكون حرب غزة سببًا في تراجع الاهتمام بالانتخابات الرئاسية، ولكنَّ ذلك لا يعني أنَّ النظام حلَّ أزماته التي سبقت الحرب، أو أفلت من حتمية مواجهتها. والأمل الوحيد هو ألَّا نتبع السياسات نفسها ونكرر الأخطاء نفسها التي أوصلتنا إلى الوضع الاقتصادي الكارثي الذي نعاني منه الآن، وهو أمر لا يرتبط بالسياسات الاقتصادية فقط، لكن بغياب دولة المؤسسات التي تراقب وتحاسب المسؤولين، وبقمع أي معارضة يمكنها تقديم بدائل لتصحيح المسار.  

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.