لا يكاد مؤسس الحركة المدنية الديمقراطية يحيى حسين عبد الهادي ينتهي من قضية، حتى تُفتح له قضية جديدة بسبب مقالاته، فبعد خروجه بعفو رئاسي في 2023، حرّكت ضده السلطات قضية أخرى اتُهم فيها بحيازة منشورات، انتهت بالحكم عليه بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ، لتعيد السلطات، أمس، القبض عليه.
وأمرت نيابة أمن الدولة العليا، في الساعات الأولى من صباح الخميس، بحبس عبد الهادي 15 يومًا على ذمة القضية رقم 3916 لسنة 2024 حصر أمن دولة.
ووجهت النيابة له تهم "الانضمام إلى جماعة إرهابية، وإساءة استخدام وسائل التواصل، وبث ونشر شائعات وأخبار كاذبة، وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، والتحريض على ارتكاب جريمة إرهابية"، حسبما قال المحامي الحقوقي خالد علي على فيسبوك.
وتُبقي القضية الجديدة عبد الهادي مهددًا حال إحالته للمحاكمة بناء عليها وصدور حكم جديد بإدانته بتنفيذ حكم الحبس سنة الموقوف تنفيذه، حسب محاميه خالد علي.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد إلقاء القبض على عبد الهادي تأكيدًا على عدم تغيير السلطة سياسة القمع، في وقت دعا عضو مجلس أمناء الحوار الوطني المحامي نجاد البرعي، السلطة لأن "يتسع صدرها لأي انتقاد"، وكذلك أن تتحلى المعارضة بـ"الحكمة ومراعاة اللحظة التي نعيشها".
اختطاف في الطريق العام
عن تفاصيل واقعة القبض، قال المنسق السابق للجمعية الوطنية للتغيير الدكتور عبد الجليل مصطفى، الذي كان رفقة عبد الهادي وقتها "كان فيه نقاش عامله حزب تيار الأمل (تحت التأسيس) بتاع أحمد الطنطاوي، وكان معايا المهندس يحيى لأنه ساكن قريب من بيتي".
وأضاف مصطفى لـ المنصة أن الواقعة حدثت في امتداد شارع رمسيس لدى تقاطعه مع طريق صلاح سالم "فوجئنا في لحظة كانت السيارة تسير فيها ببطء، نظرًا لازدحام الطريق، بمجموعة شكلهم بودي جاردات لابسين مدني حاوطوا العربية، خصوصًا من الناحية اللي فيها المهندس يحيى، وفتحوا باب العربية بتوتر وعنف، وابتدوا يجروه لخارج العربية عايزين يقتادوه لمكان خارجها".
وأكد مصطفى عدم إبراز هؤلاء الأشخاص لهويات أو إذن نيابة أو شيء يشير إلى أنهم تابعون للأمن، مضيفًا "المهندس يحيى كان بيعترض ويحتج ومنفعل وبيسألهم أنتم مين؟ قالوله مفيش حاجة اسمها إحنا مين، وأجبروه على السير معهم".
لم تتعرض هذه المجموعة لمصطفى، حسب قوله، إلا أنهم لدى هجومهم على السيارة في تلك اللحظة "أخدوا مفتاح العربية من السواق وفضل معاهم دقائق لغاية ما أخدوا يحيى، وخلاص بقى مبقاش عندنا حاجة تهمهم فأعادوا المفاتيح للسواق بتاعي وكملنا السير".
دفع ما حدث مصطفى إلى تغيير اتجاه سيره إلى مكتب المحامي عصام الإسلامبولي، بدلًا من استكمال الطريق إلى فعالية الحزب، وقال "عرضت اللي حصل على الأستاذ عصام وتشاور مع الأستاذ خالد علي بوصفه محامي المهندس يحيى، واتفقنا على إني أقدم بلاغ إلى النائب العام ومساعد وزير العدل لحقوق الإنسان".
لم ينجح مصطفى في إرسال شكواه تلغرافيًا، سواء من مكتب للتلغرافات في باب اللوق، أمس، إذ أبلغوه بأن عملهم ينتهي في تمام الرابعة مساءً، بينما كانت الواقعة أصلًا في السابعة مساءً، كما رفض موظفون بمحكمة مدينة نصر صباح اليوم تسلم التلغرافات "ووجهوني لإرسالها من أقرب سنترال".
ورغم ظهور عبد الهادي مساءً في نيابة أمن الدولة العليا التي قررت حبسه 15 يومًا على ذمة قضية جديدة، يُصر مصطفى على تقديم بلاغه "حتى لو ظهر، هذا ليس منهجًا قانونيًا يتفق مع الأصول، خصوصًا أنهم دون سابق إنذار حاصروا العربية وهما مجهولين بالنسبة لنا ويعملوا اللي حصل ده باسم القانون، أنا لا أظن أن القانون يبيح ده أصلًا".
لا تراجع
وعما دار بجلسة التحقيق، وحول رد عبد الهادي على أسئلة المحقق ومواجهته بمقال له، قال المحامي خالد علي إن عبد الهادي كعادته لم ينفِ صلته بالمقال أو الصفحة "كان رده عادي بيحكي موقفه اللي هو كاتبه، هو ما بيتراجعش عن موقفه، وقال المقال دا مقالي وأنا كاتبه وإن دي صفحتي وكل حاجة".
وفي 23 يوليو/تموز الماضي، نشر عبد الهادي على فيسبوك "إلى متى يصمت الجيش؟ لماذا لا يتحرك؟ لقد بلغ السيل الزبى.. أغلبية المصريين في ضنك.. والفشل في كل اتجاه.. والفضائح تتوالى مغموسة بالفساد ويتحدث بها العالم".
وفي هذا السياق، قال المحامي نبيه الجنادي لـ المنصة إن عبد الهادي أكد لوكيل النيابة أنه كتب هذا المقال بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو، و"لم يقصد منه الإشارة إلى أوضاع حالية".
وأضاف الجنادي أن محقق النيابة واجه عبد الهادي خلال جلسة التحقيق بمحضر تحريات محرر من الأمن الوطني، نسب إليه كل الاتهامات التي وجهتها له النيابة، وتضمن أكثر من بوست نشره عبد الهادي على صفحته في صورة مقالات، إلا أن جلسة تحقيق الأمس دارت كلها بشأن مقال لماذا يصمت الجيش.
فيما أوضح خالد علي أن عبد الهادي اشتكى أثناء التحقيق من أن القوة الأمنية أنزلته بالقوة ورغمًا عن إرادته من السيارة "ولم يبلغوه هما مين"، لكنه لم يثبت وقائع اعتداء عليه أو ضرب.
ولا يُغفل علي أن عبد الهادي بات مهددًا بعد فتح هذه القضية بتنفيذ حكم حبس سابق صدر بحقه قبل شهور مع إيقاف التنفيذ، قائلًا "لو اتحال للمحاكمة في القضية دي وصدر حكم ضده هينفذ الحكمين، خاصة لو أصرت النيابة على إحالته للمحاكمة بالاتهامات الأولية التي وجهتها له فيما يخص نشر وإذاعة أخبار كاذبة وهكذا، وهي نفس موضوع اتهام القضية الأولى".
وقضت محكمة في 23 مايو/أيار 2022 بسجن عبد الهادي 4 سنوات لإدانته بتهمة نشر أخبار كاذبة، بعدما ألقت السلطات القبض عليه في يناير/كانون الثاني 2019. وفي يونيو/حزيران 2022 أكدت لجنة العفو الرئاسي خروجه من سجن مزرعة طرة، وفق BBC.
وبعد أقل من عام واحد من حصوله على عفو رئاسي أحالته النيابة العامة للمحاكمة أمام محكمة جنح مدينة نصر في 13 أبريل/نيسان 2023 على ذمة القضية رقم 1206 لسنة 2023، بتهمة "حيازة منشورات ونشر أخبار كاذبة".
وفي أبريل 2024، أيدت محكمة جنح مستأنف مدينة نصر الحكم بحبسه سنة مع إيقاف التنفيذ.
وتنص المادة 80 د من قانون العقوبات بأن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مصري أذاع عمدًا في الخارج أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأي طريقة كانت نشاطًا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد.
أما المادة 102 مكرر فتنص على المعاقبة بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهًا ولا تجاوز مائتي جنيه كل من أذاع عمدًا أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة، إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
ذبحة صدرية
وعن شكوى عبد الهادي من تعرضه لمقدمات ذبحة صدرية، قال علي "هو حس بآثار ذبحة صدرية لكن النيابة لما كلمتني علشان نحضر معاه، طلبوا مننا إحضار الأدوية الخاصة به"، مؤكدًا أن ابنه أحضر الأدوية وأدخلها له أثناء التحقيق واصطحبها عبد الهادي معه لمحبسه.
وأوضح علي أنه جرى ترحيله إلى سجن العاشر من رمضان 4، مؤكدًا أن أسرته موجودة أمام السجن منذ الصباح الباكر لمحاولة زيارته بناء على توجيه من النيابة العامة، إلا أنهم وحتى الساعة 12 ظهر الخميس لم تمكنهم إدارة السجن من زيارته.
وقال مصطفى كامل السيد لـ المنصة إن موقف السلطة "لم يتغير تجاه أي تعبير عن انتقاد جاد للنظام، أيًا كانت صورته؛ سواء كان رسمًا في حالة رسام الكاريكاتير في المنصة أشرف عمر، أو مقالًا في حالة المهندس يحيى حسين عبد الهادي".
الحبس الاحتياطي في مواجهة حرية التعبير
أُلقي القبض على عمر فجر الاثنين قبل الماضي، بعدما اقتحمت قوة أمنية بلباس مدني مقر سكنه في كومباوند دار مصر بحدائق أكتوبر، واقتادته مكبلًا ومعصوب العينين إلى جهة غير معلومة إلى أن ظهر في نيابة أمن الدولة العليا مساء الأربعاء الماضي.
وقررت نيابة أمن الدولة العليا، يومها، حبس عمر 15 يومًا على ذمة القضية 1968 لسنة 2024 حصر أمن الدولة بعد تحقيق دام 6 ساعات اتهمته فيه بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، بث ونشر إشاعات وأخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام إحدى وسائل التواصل الاجتماعي".
وألقي القبض على الصحفي خالد ممدوح، في 16 يوليو/تموز بعد اقتحام منزله، وظهر في نيابة أمن الدولة العليا بعد إخفائه قسريا لمدة 6 أيام، وأمرت بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيق في القضية 1282 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، وسبقهما الصحفي ياسر أبو العلا.
وفي كلمته خلال يوم تضامني مع الصحفيين المحبوسين نظمته النقابة، الاثنين الماضي، قال نقيب الصحفيين خالد البلشي إن القبض عليهما جاء ضمن حملة استهدفت الصحفيين بعد فترة شهدت وقفًا لهذا النوع من الاستهداف.
ووفق التقرير العام لنقابة الصحفيين عن الفترة من مارس2023 حتى فبراير/شباط 2024، ما زال "أكثر من 7 صحفيين نقابيين على قوائم الحبس الاحتياطي، بخلاف 12 من غير المقيدين بالنقابة، و3 صادرة بحقهم أحكام قضائية".
وبالتزامن مع هذه الحملة، اقتحمت قوة من مباحث قسم عابدين ومباحث المصنفات الفنية ومباحث التهرب الضريبي دار المرايا للثقافة والفنون، وحرزت 217 كتابًا، وجهازي كمبوتر، و4 كراتين من الملفات والمستندات المالية الخاصة بالدار.
الأمر الذي أدانه عدد من المثقفين والكتاب، من بينهم المؤرخ خالد فهمي، الذي قال على فيسبوك، إن ما حدث مع المرايا "رغبة من النظام في إسكات أي صوت جاد للفكر وقفل أي منبر حر للإبداع"، معتبرًا أن الاقتحام "هجمة جديدة على الفكر والرأي والثقافة والفن".
مصطفى كامل السيد، المقرر المساعد للمحور السياسي في الحوار الوطني، الذي جمد مشاركته في جلسات الحوار بناء على قرار الحركة المدنية، أوضح لـ المنصة أن السلطات تلجأ إلى تنظيم بعض الحوارات التي لا يوجد لها أي تأثير على مجريات الأمور "آلاف المواطنين قيد الحبس الاحتياطي، لكن الذي يحدث عقد حوار حول الحبس الاحتياطي".
وتابع "يمكن أن يكون هناك حوار حول حرية التعبير وفي نفس الوقت يجري إلقاء القبض على من يمارسون حرية التعبير".
وقال إنه في ظل الظرف الاقتصادي الصعب الذي يواجهه المصريون "تتردد الحكومة كثيرًا في السماح بانفراجة محدودة في حرية التعبير والتنظيم، ولذلك لا غرابة في إلقاء القبض على يحيى حسين عبد الهادي وأشرف عمر وأن تتولى مثل هذه الخطوات، وهي الأساليب القديمة التي تفضلها السلطة".
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أنه ليس من المتوقع أن تعدل الحكومة عن سياسة القمع بوقف أي أصوات معارضة والتضييق على الإعلام، مؤكدًا أن الحركة المدنية تعترض على المشاركة في الحوار الوطني و"أنا كمنتمٍ للحركة لم أحضر الحوار الخاص بالحبس الاحتياطي".
وأضاف "الأحزاب التي حضرت هي الأحزاب الموجودة في مجلس النواب التي جمدت عضويتها في الحركة، العدل والمصري الديمقراطي، إنما سائر أحزاب الحركة المدنية ترفض الحوار مع الحكومة ليس لأنها ترفض مبدأ الحوار، لكن لأنه ثبت أن الحكومة لا تستجيب إلى المطالب التي رفعتها ولعدم ثقة الحركة أن هذا الحوار يمكن أن يؤدي إلى نتيجة ملموسة".
ومن جانبه، يرى عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، المحامي نجاد البرعي، أنه لا علاقة بجلسات الحوار الوطني المتعلقة بالحبس الاحتياطي بإلقاء القبض على شخص، موضحًا لـ المنصة أن جلسات الحوار الوطني تتعلق بفكرة الحبس الاحتياطي بشكل عام، وإساءة استعماله وما يعد انتهاكًا حقيقيًا لقانون الإجراءات الجنائية.
وأضاف البرعي أن الحبس الاحتياطي هو إجراء احترازي "فإذا كان المتهم موجودًا والتهمة موجودة والحرز (أي كان) موجودًا فلماذا يتم حبس المتهم احتياطيًا يجب فورًا إحالته إلى المحكمة، وهي من تفصل وتحكم وليس النيابة".
وسياسيًا، يرى البرعي ضرورة أن يتسع صدر الأجهزة الأمنية والحكومة لأي انتقاد، "حتى لو كان به بعض الشطط لأنه طبيعي بعد سنوات من غلق الباب أمام الجميع"، مضيفًا أن مثل هذه التصرفات الأمنية ترسخ الصورة السلبية عن وضع حرية الرأي والتعبير في مصر.
وأشار البرعي إلى أنه بالنسبة للمعارضة عليها أن تتحلى ببعض الحكمة والتوقف عن "فتح الصدر والتصريحات العنترية وأن يدركوا طبيعة اللحظة".
وخلال جلسة الحوار الوطني، الثلاثاء قبل الماضي، اتفق المشاركون على ضرورة إجراء تعديل تشريعي يخفض مدد الحبس الاحتياطي، ويعزز لجوء النيابات إلى التدابير الاحترازية قبل إصدار قرار به.