تصوير سالم الريس، المنصة
مسيرات العودة إلى شمال غزة لأول مرة منذ 15 شهرًا، 27 يناير 2025

القمة العربية والثبات أمام ترامب ونتنياهو

منشور الاثنين 24 فبراير 2025

رغم الرفض العربي القاطع لخطة تهجير الفلسطينيين من غزة، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اقترحها ما زال متمسكًا بها ومصرًا على أن الولايات المتحدة "ستملك الموقع -غزة- حيث لن يكون هناك وجود لحماس وسيتم تطويره".

ترامب أعرب في حوار أجراه مع إذاعة فوكس نيوز، الجمعة الماضي، عن استغرابه من رفض مصر والأردن خطته، كما أبدى دهشته أيضًا مما وصفه بـ"تنازل إسرائيل عن قطاع غزة"، واصفًا إياه بـ"القرار العقاري السيئ".

تاجر العقارات الذي يتعامل مع الأوطان باعتبارها مجرد أراضٍ يمكن تحويلها إلى مشروعات سياحية استثمارية، عاود التلويح بورقة المعونات وهو يحذر مصر والأردن من رفض مقترحه، وإن لم يهدد هذه المرة بفتح "أبواب الجحيم" كما فعل مرارًا في الأسابيع المقبلة.

يتعامل ترامب مع القضايا والأزمات الدولية باعتبارها صفقات؛ يرفع سقف مطالبه في التفاوض ويعرض ما لا يتمسك به ولكن يستحيل على الأطراف الأخرى قبوله، حتى يجبرها على القبول بما يريده حقًا. وهذا ما طرحه بالفعل في لقائه الإذاعي الأخير، وهو ما يشير إلى وجود طريقة أخرى تتمثل في تنفيذ خطة إعادة الإعمار مع بقاء السكان في أماكنهم.

مع ذلك، فإنه لا يرى هذا المقترح فعالًا؛ "لا أعتقد أن ذلك سينجح.. لقد مرّت عقود من القتل في ذلك المكان، إنه أحد أخطر الأماكن في العالم"، وهنا يحاول الرجل الضغط على قادة الدول العربية للقبول بما يطالب به أصدقاؤه من اليمين الصهيوني، سواء الأمريكي أو الإسرائيلي.

أجندة اليمين الصهيوني التي يضغط ترامب لتنفيذها تقضي ليس فقط بتخلي حماس عن السلطة في اليوم التالي بعد الحرب، بل بنزع سلاح فصائل المقاومة في قطاع غزة قبل الشروع في عملية إعادة الإعمار. وبالفعل فإن نتنياهو سرَّب عبر مكتبه عدة مرات خلال العام الماضي ما فحواه أنهم لن يقبلوا بإعادة بناء القطاع إلا بعد إخضاعه.

بالنسبة لنتنياهو، فإن ذلك لن يحدث إلا بالقضاء على سلاح المقاومة، وتنقيح المناهج التعليمية من كل ما يحرض على "الإرهاب"، وتنصيب سلطة تابعة، ليست حماس ولا السلطة الفلسطينية، مع منح الجيش الإسرائيلي حرية الحركة والتدخل في أي وقت لمواجهة أي تهديد محتمل قد تتعرض له الدولة العبرية، ما يعني أنه يريد غزة مستباحة خاضعة.

لن تفلح لغة الاستجداء مع ترامب ونتنياهو ولا بديل عن الثبات

هنا تلاقت إرادة ترامب الذي يرى في قطاع غزة "ريفييرا الشرق الأوسط" مع رغبات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورفاقه في الائتلاف اليميني الحاكم، في عدم منح الفلسطينيين دولة. ليس فقط على حدود 1967 كما نصت القرارات الأممية وهو الحد الأدنى الذي قبله العرب، بل ولا حتى وفق ما سبق واقترحه ترامب في فترة ولايته الأولى ضمن ما أطلق عليه حينها صفقة القرن؛ وكانت تقضي بتنازل الفلسطينيين عن الكثير من حقوقهم مقابل دولة مسخ بلا سلطة ولا سيادة.

الطرفان يسعيان إلى تفريغ قطاع غزة وبالتوازي الضفة الغربية من فكرة المقاومة، حتى بعد أن نزلت بسقف مطالبها من إقامة دولة فلسطينية على كامل أراضي فلسطين التاريخية إلى دولة على حدود 1967. وفي سبيل تحقيق ذلك لا يمارسان ضغوطهما فقط على الشعب الفلسطيني وسلطة رام الله وفصائل المقاومة، بل ومعهم الدول العربية التي تجد نفسها اليوم مطالبة بدفع فواتير باهظة قد تؤثر على استقرارها، لو قبلت بالخطة الأمريكية الإسرائيلية.

حتى الآن، تقاوم معظم الدول العربية، في مقدمتها مصر والأردن، مخططات ترامب/نتنياهو لـ"تطهير" غزة و"تهجير" أهلها. لكن يبدو أن البعض قبل بفكرة البحث عن بدائل تتوافق مع الهوى الأمريكي الإسرائيلي، بعد أن طالب وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو، الأسبوع الماضي، الدول العربية بتقديم "خطة بديلة أفضل" إذا لم تعجبهم خطة ترامب.

روبيو الذي دعا إلى القضاء على القدرات السياسية والعسكرية لحركة حماس في قطاع غزة، طالب دول المنطقة الغنية بالمساعدة في تنفيذ خططهم لإعادة بناء القطاع، والمضي في مسار السلام الذي لن يتحقق طالما بقيت حماس في غزة "لأنها ستسمر في مهاجمة إسرائيل مما سيضطرها للرد".

نيّات الإدارة الأمريكية الجمهورية واضحة، وتحتاج إلى موقف عربي حاسم، فأي تنازل أو تفريط في هذه اللحظة سيدفع ترامب وشركاءه في تل أبيب إلى التمسك بالسقف الذي حددوه ليحصلوا على مكاسب أكبر.

لا يعلم أحد حتى الآن سبب تأجيل الاجتماع التشاوري العربي الذي كان مفترضًا أن يُعقد للتوافق على موقف عربي موحد بشأن المطروح أمريكيًا، كما لا يعلم أحد تفاصيل المناقشات التي جرت في الاجتماع "غير الرسمي" الذي انعقد عوضًا عنه في الرياض، يوم الجمعة الماضي، وانتهى دون إصدار بيان ختامي.

لن تفلح لغة الاستجداء مع ترامب ونتنياهو، ولا بديل عن الثبات وتبني موقف موحد يتمسك بالحد الأدنى، واعتباره المسار الوحيد الذي قد يؤدي إلى نتائج ترضي الفلسطينيين أولًا ويقبل بها الشعب العربي ثانيًا.

أمام الأنظمة العربية فرصة تاريخية لن تكرر لتثبت لشعوبها قدرتها على الخروج من الفلك الأمريكي، وأنه عندما تتعارض ثوابت الأمة العربية مع مصالح واشنطن، تنحاز الأنظمة إلى ثوابت شعبها.

قد ينتهز العرب خلال قمتهم المقرر انعقادها في القاهرة مطلع الشهر المقبل هذه الفرصة، بإعلان موقف واضح ومشروع متماسك ينحاز إلى الحقوق الفلسطينية ويُرضي الشعب العربي، وهذا من شأنه أن يحوَّل القمة إلى نقطة انطلاق لإعادة بناء النظام العربي، الذي دبت فيه الشروخ منذ سبعينيات القرن الماضي.

قدم الفلسطينيون ما عليهم من تضحيات، ليس في المعركة الأخيرة وحسب، بل على مدار أكثر من سبعة عقود، والآن جاء دور العرب ليدعموهم ويساندوهم، ويدافعوا عن أمن المنطقة المستهدف إسرائيليًا وأمريكيًا.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.