سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في مصر
ترامب يصافح السيسي في قمة G7 بفرنسا، 2019

"المعونة" سلاح ترامب للضغط على القاهرة.. وصانع القرار يعرف ذلك

محمد الخولي
منشور الأربعاء 12 فبراير 2025

تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطًا على القاهرة وعمان من أجل الحصول على موافقتهما على مخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، بلغت هذه الضغوط حد التهديد بوقف المساعدات الممنوحة للبلدين.

واتفق خبراء تحدثوا لـ المنصة على أن تلويح ترامب بوقف المساعدات الأمريكية لن يكون له تأثير على موقف القاهرة المعلن برفض مخططات التهجير.

وخلال الأيام الماضية، كرر ترامب أنه يخطط للسيطرة على قطاع غزة وإعادة توطين الفلسطينيين في دول مجاورة أخرى وتحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، لكن دعوته قُوبلت بانتقادات دولية واسعة النطاق، كما نددت جماعات لحقوق الإنسان باقتراحه، ووصفته بأنه "تطهير عرقي".

وكانت مصر والأردن على جبهة الرافضين للمشروع الأمريكي، إذ قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني "ظلم لا يمكن أن نشارك فيه"، كما قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين.

لكن ترامب جدَّد دعوته في وقت لاحق، متجاهلًا الرفض المصري والأردني، وقال خلال لقاء مع الصحفيين في البيت الأبيض إن مصر والأردن "سيفعلان ذلك (...) نحن نقدم لهما الكثير، وسوف يفعلان ذلك".

ومؤخرًا أشار ترامب إلى "إمكانية قطع المساعدات عن مصر والأردن إذا لم يوافقا على استقبال الفلسطينيين"، قبل أن يصرح للصحفيين خلال لقائه ملك الأردن عبد الله الثاني أمس في واشنطن "نقدّم الكثير من الأموال لمصر والأردن، لكنني لا أريد التهديد بذلك".

المعونة

وتاريخيًا يعود بدء تلقي مصر مساعدات اقتصادية أمريكية إلى عام 1946، لكنها توقفت بعد العدوان الثلاثي عام 1956 واستؤنفت عام 1958، ثم توقفت مرة أخرى إبان نكسة يونيو/حزيران 1967 قبل استئنافها عام 1974 بعد حرب أكتوبر 1973، وبلغت أعلى مستوى لها عام 1979، وهو العام الذي وقعت فيه مصر وإسرائيل معاهدة السلام، ليدخل العنصر الجديد وهو المساعدات العسكرية.

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية حسن أبو طالب لـ المنصة إنه رغم عدم النص على المعونة في اتفاقية كامب ديفيد أو معاهدة السلام فإنها كانت جزءًا من الاتفاق الثلاثي بين مصر وإسرائيل وأمريكا، وجرت حولها مناقشات وقت المفاوضات "وبالتالي منعها يعني إخلالًا ببنود هذا الاتفاق، وعليه يكون من حق مصر إعادة النظر في الاتفاقية، وهو ما يعني تأثر العلاقات المصرية الإسرائيلية والأمريكية، وإن كان ترامب يوحي بأنه لا تهمه أي علاقات، لكن أعتقد أنه سيكون في أزمة حقيقية".

"لا يعي ترامب أن مثل هذا الكلام لن يؤثر على الموقف المصري الواضح"، حسبما قال أبو طالب، لافتًا إلى أن التلويح بمنع المساعدات الأمريكية يأتي في إطار الضغوط التي يمارسها ترامب على مصر للقبول بما يطرحه، لكن "هذه الضغوط كانت في ذهن صانع القرار المصري، وهو يعلن موقفه بوضوح ولدينا بدائل كثيرة على المستوى الاقتصادي والعسكري والسياسي"، على حد قوله.

وفي مقال لمساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق إيهاب وهبة، نشره في 2013، أشار إلى أن هناك خطأ يقع فيه الكثيرون باعتبارهم أن المعونة الأمريكية وردت الإشارة إليها نصًا في اتفاقيتي كامب ديفيد الموقعتين في 17 سبتمبر/أيلول 1978، أو في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل الموقعة في 26 مارس/آذار 1979.

وأضاف الدبلوماسي السابق أن أمريكا تعهدت في خطاب من وزير دفاعها في ذلك الوقت بتقديم معونة لمصر تصل إلى 1.5 مليار دولار للثلاث سنوات التالية لتوقيع الاتفاق، ووجه وزير الدفاع الأمريكي خطابًا مماثلًا لنظيره الإسرائيلى تناول فيه حجم المعونة التي ستقدمها بلاده لإسرائيل.

وتابع أن أمريكا اعتبرت المعونة "بمثابة استثمار في الحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، واعتراف بالدور المصري في التأثير على مجريات الأمور بالمنطقة، وكذلك أهمية معاهدة السلام لعام 1979".

"ترامب يتحدث بلغة خشنة منذ إعادة انتخابه، ويظهر أنه لا يقدر أي علاقات مع أي دولة وهي لغة ستؤدي إلى عزله، ليس عن العالم العربي فقط، وإنما عن العالم كله"، وفق أبو طالب. 

ولفت إلى أن ترامب "يعتقد أن بإمكانه استغلال الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها مصر للتأثير على قرارها لكنه لا يفهم معنى الأمن القومي المصري في عقيدة مؤسسات الدولة المختلفة، وفي عقل كل مواطن، وهذه رسالة يجب أن تصل إلى الأمريكان".

وقال أبو طالب إنه رغم حديث ترامب بطريقة غير مؤسسية "فإن صانع القرار المصري يعرف أن أمريكا ليست شخص ترامب، وإنما هناك مؤسسات لها دور مهم مثل الكونجرس والبنتاجون والخارجية، وهذه المؤسسات تقدر أهمية العلاقات الجيدة مع مصر، والدور الذي تقوم به للحفاظ على جزء من السلام والأمن الإقليميين".

تهديد لمصالح الجميع

وحسب تقرير لفرانس 24، قد تكون قدرة مصر والأردن على معارضة دونالد ترامب "محدودة"، كونهما تعتمدان بشكل كبير على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية لضمان استقرارهما الأمني والاجتماعي والاقتصادي، وأشار التقرير إلى أن الأردن من بين أربع دول تتلقى أكبر قدر من المساعدات الأمريكية في العالم، إذ يحصل سنويًا على 1.4 مليار دولار مساعدات من واشنطن، في حين تتلقى مصر 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية في إطار اتفاقيات كامب ديفيد.

ورغم ذلك يشير التقرير ذاته إلى أن تضحية أمريكا بحليفيها المصري والأردني "من شأنه أن يتسبب في عواقب خطيرة خصوصًا على الصعيد الأمني"، موضحًا أن الأردن ينتشر به نحو 3 آلاف جندي أمريكي منذ بداية الحرب في سوريا. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي شارك إلى جانب الأمريكيين في اعتراض سلسلة من الصواريخ الإيرانية التي أطلقت على إسرائيل، فيما قامت أمريكا بتدريب وتجهيز الجيش المصري منذ أكثر من 30 عامًا، مما يجعل البلاد شريكًا أمنيًا قويًا بالنسبة لواشنطن.

وهنا يشير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد حجازي، في تصريح إلى المنصة، إلى أهمية العلاقات الاستراتيجية المصرية والعربية مع أمريكا التي لا يجب أن تنزلق إلى مساحات تضر بهذه العلاقات المتواصلة عبر السنين.

ولفت إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي "تفتقر إلى الحساسية والاحترام المتبادل للعلاقات المصرية الأمريكية والعلاقات الأمريكية الأردنية".

وأضاف أن "ترامب يعلم جيدًا أن حجم الاستفادة الاستراتيجية من علاقة بلاده مع مصر والسعودية يفوق بكثير ما تقدمه أمريكا من دعم يخدم مصالحها في المقام الأول".

وقال إن "مثل هذه التصريحات لا تخدم القضايا المصيرية، ولن تفيد العلاقات المصرية الأمريكية التي تحرص القاهرة على استمرارها وتنوعها في كل المجالات".

وأشار إلى أن مصر تتواصل مع الإدارة الأمريكية بطرق عدة، من بينها زيارة وزير الخارجية بدر عبد العاطي إلى واشنطن ومقابلة نظيره الأمريكي وأعضاء بالكونجرس، لافتًا إلى أن "البيانات الصادرة من الإدارة الأمريكية كفيلة بمحو الآثار السلبية الناتجة عن تصريحات ترامب والتي يجب أن ترتقي لمستوى الولايات المتحدة، خصوصًا أن المنطقة على شفا مواجهة ستضر بالجميع".

أدوات ضغط متبادلة

وسبق أن قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد لـ المنصة إن مصر تملك أدوات ضغط على الإدارة الأمريكية في حال وقف المعونة العسكرية، إذ ترتبط المعونة العسكرية باتفاقية السلام مع إسرائيل، بالتالي يمكن لمصر التلويح بتعطيل الاتفاقية أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل ووقف التبادل التجاري معها.

ورفض السيد القول بأن مصر لا تمتلك قوة لمواجهة الضغط الأمريكي، مضيفًا "يجب أن نفهم جيدًا أننا في مصر ضهرنا مش للحيط ونستطيع الرد على ترامب ورفض مقترحاته".

وتابع "لدينا الآن المكسيك وكندا نموذج لدولتين واجهتا تصريحات ترامب ونجحتا في فرض ما يمنع تعرضهما إلى أزمة، وبالتالي يمكن لأي دولة مقاومة هذه الهيمنة الأمريكية".

وأشار إلى أن مصر يمكنها التلويح بتقوية علاقاتها الاقتصادية بالصين على سبيل المثال وهو ما سيمثل قلقًا كبيرًا في الإدارة الأمريكية التي تعتبر أن الصين عدوها الرئيسي والأهم، على حد قوله.

ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة أثير موضوع توطين سكان القطاع في سيناء، وهو ما أكدت مصر رفضه مرارًا.

وحاول الاحتلال الإسرائيلي بدعم من الإدارات الأمريكية المختلفة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى دول الجوار بعدة طرق، وفي أكتوبر 2023 نُشرت وثيقة إسرائيلية رسمية صادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، كوثيقة توجيهية، تدعو لنقل سكان قطاع غزة بصورة نهائية عبر معبر رفح إلى سيناء، عبر ثلاث خطوات؛ بناء مدن من الخيام في سيناء، ثم فتح ممر إنساني من غزة إلى شبه الجزيرة، ثم بناء مدن في شمال سيناء، لا يسمح لسكانها بالعودة إلى غزة.

ولجأ آلاف الفلسطينيين إلى مصر مع بداية الحرب على قطاع غزة لكن لا تعترف بهم السلطات المصرية كلاجئين، وحسب الأمم المتحدة يعيش في الأردن حاليًا  أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني، تمكنت أعداد كبيرة منهم من الحصول على الجنسية الأردنية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي تهجير سكان قطاع غزة إلى صحراء سيناء، معتبرًا أن "ذلك يعني تصفية القضية الفلسطينية"، وأن الحل الوحيد هو إنشاء دولة مستقلة لهم.