سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في مصر
ترامب يصافح السيسي في قمة G7 بفرنسا، 2019

"ضهرنا مش للحيط".. خبراء: أمريكا تمتلك أدوات ضغط لتمرير مقترح التهجير لكن مصر تستطيع الرفض

محمد الخولي عمر سامي
منشور الخميس 6 فبراير 2025

لم يتوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن ترديد دعوته لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن منذ تنصيبه الشهر الماضي، معتبرًا أن هذا الحل الوحيد لإنهاء الأزمة وإقرار السلام، فيما تتزايد التصريحات الرسمية من الدول العربية والغربية لرفض الاقتراح والتأكيد على خطورته.

ونهاية يناير/كانون الثاني الماضي، دعا ترامب مصر والأردن لاستقبال عدد من سكان قطاع غزة، لكن دعوته قوبلت بالرفض القاطع من السيسي، بقوله إن ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني "ظلم لا يمكن أن نشارك فيه"، كما قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين. لكن الرئيس الأمريكي جدد دعوته في وقت لاحق.

واليوم، حذرت مصر من تداعيات التصريحات الصادرة من عدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية "حول بدء تنفيذ مخطط لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، بما يعد خرقًا صارخًا وسافرًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ولأبسط حقوق المواطن الفلسطيني، ويستدعي المحاسبة" ردًا على تعهد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بالعمل على "دفن" فكرة الدولة الفلسطينية "الخطيرة بشكل نهائي".

وسبق أن رأى سموتريتش، أن اقتراح ترامب نقل سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر "فكرة رائعة".

أوراق الضغط الأمريكية

حسب تفسير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد، في تصريح لـ المنصة، تمتلك الولايات المتحدة نظريًا أوراق ضغط على الإدارة المصرية، وهي المعونة العسكرية والمعونة الاقتصادية والمشتريات العسكرية الأمريكية والعلاقات التجارية بين البلدين، والاستثمارات الأمريكية في مصر، بالإضافة إلى النفوذ الأمريكي لدى المؤسسات المالية الدولية وتحديدًا صندوق النقد والبنك الدولي.

وتابع السيد أن كل ما سبق أدوات ضغط بالفعل، لكنها تبقى نظرية، أما عمليًا فالكونجرس الأمريكي وافق بالفعل على المعونة العسكرية لمصر ولن يتراجع عنها، والمعونة الاقتصادية التي تقدَّر بحوالي 300 مليون دولار فهي "مبلغ ليس بالكبير ويمكن الاستغناء عنه في حال احتدام الأزمة".

يتفق مع هذا الرأي الباحث بمركز الشرق الأوسط للسياسات ماركو مسعد، موضحًا لـ المنصة أن أغلب الضغوط التي يمكن أن تمارسها إدارة ترامب على مصر متعلقة بالاقتصاد.

"دا موقف وجودي"، حسب ماركو مسعد، موضحًا أن "مصر عندما اتخذت هذا الموقف الرافض عارفة كويس أن له عقبات من الممكن أن تكون سلبية على الاقتصاد".

وأشار ماركو إلى أن احتمال استخدام ترامب "سياسة العصا والجزرة" مع مصر، مضيفًا "هيضغط بالمساعدات بس ممكن يزودها، ويساعد كمان في القروض الجاية من صندوق النقد الدولي، ويدي تحفيزات أخرى، شرط توافق على مقترحه".

ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن في حديث مع المنصة أن ترامب لن يستطيع قطع المساعدات الأمريكية كونها مرتبطة بشكل أساسي بعملية السلام مع إسرائيل، وبالتالي قطعها يعني انتهاك الاتفاقية وهو ما لا تريده أمريكا ولا إسرائيل.

لا يفهم إلا لغة القوة

بالنسبة للتبادل التجاري بين مصر وأمريكا واحتمالية رفع التعريفة الجمركية على الصادرات المصرية خاصة الملابس، أشار أستاذ العلوم السياسية إلى محدودية تأثيرها، وقال "لكن في النهاية لدينا تجربة بما فعله ترامب مع كندا والمكسيك عندما رفع التعريفة الجمركية عليهما وكيف أجبروه على التراجع عن قراراته".

وتراجَع ترامب هذا الأسبوع عن تنفيذ قرار سبق ووقعه بزيادة الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك والصين، بنسبة 25% على المنتجات المستوردة من كندا والمكسيك، و 10%  على السلع الواردة من الصين.

وحسب السيد، لم يتراجع ترامب عن قراره إلا بعدما واجه تصريحات وتحركات جادة من كندا والمكسيك.

والسبت الماضي، أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أن بلاده ستفرض رسومًا جمركية على المنتجات الأمريكية ردًا على إجراءات ترامب، مشيرًا إلى أن كندا "ستفرض رسومًا جمركية بنسبة 25% على ما مجموعه 155 مليار دولار كندي (102 مليار يورو) من المنتجات الأمريكية".

وكذلك أعلن رئيس وزراء مقاطعة أونتاريو الكندية دوج فورد الاثنين الماضي منع الشركات الأمريكية من الحصول على عقود مع أي مؤسسة حكومية في المقاطعة، وكذلك ألغى عقدًا محليًا بقيمة 100 مليون دولار كندي (66 مليون يورو) مع شركة ستارلينك التي يملكها الملياردير إيلون ماسك، المقرب من ترامب.

أدوات ضغط مصرية وعربية

ويشير مصطفى كامل السيد إلى أن مصر تملك أدوات ضغط على الإدارة الأمريكية في حال وقف المعونة العسكرية، إذ ترتبط هذه المعونة باتفاقية السلام مع إسرائيل وبالتالي يمكن لمصر التلويح بتعطيل الاتفاقية أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل ووقف التبادل التجاري معها.

ورفض السيد القول بأن مصر لا تمتلك قوة مواجهة الضغط الأمريكي، مضيفًا "يجب أن نفهم جيدًا أننا في مصر ضهرنا مش للحيط ونستطيع الرد على ترامب ورفض مقترحاته".

وتابع "لدينا الآن المكسيك وكندا نموذج لدولتين واجهتا تصريحات ترامب ونجحتا في فرض ما يمنع تعرضهما إلى أزمة، وبالتالي يمكن لأي دولة مقاومة هذه الهيمنة الأمريكية".

وأشار إلى أن مصر يمكنها التلويح بتقوية علاقاتها الاقتصادية بالصين على سبيل المثال وهو ما سيمثل قلقلًا كبيرًا في الإدارة الأمريكية التي تعتبر أن الصين عدوها الرئيسي والأهم، على حد قوله.

وهنا يشير ماركو مسعد إلى الأهمية الاستراتيجية للعلاقات المصرية الأمريكية، لافتًا إلى أن أمريكا في النهاية تحتاج شريكًا مثل مصر، خاصة عند الحديث عن اتفاقيات إبراهيمية جديدة.

أضاف "من غير المنطقي أن تسعى أمريكا لتشكيل تحالفات في المنطقة، ودفع دول إلى التطبيع مع إسرائيل، ثم يضحون بعلاقتهم مع مصر فهذا تهديد للمصالح الأمريكية في المنطقة". 

ويشهد ملف التطبيع بين السعودية وإسرائيل تعقيدات متزايدة، وكانت الرياض علقت محادثات التطبيع بعد أيام من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023. وذلك بعد شهور من محاولات أمريكية لدفع مسار التطبيع مع المملكة التي لم تعترف بإسرائيل ولم تنضم لاتفاقيات إبراهيم الموقعة في عام 2020 بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

وتضع عضوة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب أميرة صابر 3 عوامل يمكنها مساعدة مصر في رفض دعوات ترامب أولها الرفض الشعبي، وأضافت لـ المنصة "هناك إجماع على رفض مخططات التهجير، من أحزاب الموالاة والمعارضة، ورفض شعبي عارم لهذا الكلام". 

وتابعت "العامل الثاني هو الدعم العربي لمصر والأردن"، مشيرة إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب قبل أيام وما صدر عنه من توصيات برفض التهجير. 

واتفق وزراء خارجية الأردن، والإمارات، والسعودية، وقطر، ومصر والأمين العام لجامعة الدول العربية وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في اجتماعهم بالقاهرة السبت الماضي، على استمرار الدعم الكامل لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة وفقًا للقانون الدولي.

ويشير ماركو مسعد إلى أن هذا الموقف العربي في الاجتماع السداسي بالقاهرة مهم، ثم بيان الخارجية السعودية الذي أكد على ثوابتها لحل الأزمة الفلسطينية.

ولفت مسعد إلى أن ترامب يمكن أن يغير خطته و"هيزعل بجد لو السعودية أوقفت استثمارتها في أمريكا، إحنا بنتكلم على حوالي تريليون دولار استثمارات تم الإعلان عنها في أول يومين ثلاثة، هو دا الـلي يفهمه، ترامب لكن مفيش أي حاجة تاني تخليه يغير خطته غير إنه هو يعرف إن مصالحه بتتأثر".

مساومة للحصول على مكاسب

ويرى السفير رخا أن ما يفعله ترامب حاليًا من تصريحات وإثارة للجدل حول العالم "ما هو إلا خطة يريد بها المساومة على الحق الفلسطيني في إعلان دولته المستقلة على حدود 1967، من خلال طرح مقترح هو نفسه يعرف أنه صعب تنفيذه ومرفوض من الجميع، ثم يتراجع عنه ويطرح خطة بديلة تقتطع من الحق الفلسطيني".

وأضاف "أعتقد أنه يريد المساومة على المستوطنات في الضفة الغربية، بإنه يقول مش عاجبكم كدا؟ طب أنا هتنازل عنه، في المقابل هعلن ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لإسرائيل، ودا مطلب للحكومة الإسرائيلية منذ 3 سنوات".

ولفت رخا إلى الزيارة المرتقبة للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الولايات المتحدة والمقرر لها هذا الشهر، وبعدها الزيارة المرتقبة للرئيس السيسي أيضا، متوقعًا أن يطرح ترامب عليهما هذا السيناريو المخالف للقانون الدولي والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية.

ويؤكد رخا أن الحل الأهم من وجهة نظره في هذه الأزمة هو دعم سكان غزة، من خلال العمل على توفير ظروف حياتيه مناسبة على أرضهم "أعمل خيم مؤقتة للناس، والمنازل القابلة للإصلاح سريعًا يتم ترميمها، والمستشفيات والمدارس والمرافق بسرعة، كل الدول تتعاون فيها، وبعدين يبتدي البناء، بكده مش هيضطر سكان غزة تركها".

ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة أثير موضوع توطين سكان القطاع في سيناء، وهو ما أكدت مصر رفضه مرارًا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، رفض السيسي تهجير سكان قطاع غزة إلى صحراء سيناء، معتبرًا أن "ذلك يعني تصفية القضية الفلسطينية".

وحاول الاحتلال الإسرائيلي بدعم من الإدارات الأمريكية المختلفة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى دول الجوار بعدة طرق، وفي أكتوبر 2023 نُشرت وثيقة إسرائيلية رسمية صادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، كوثيقة توجيهية، تدعو لنقل سكان قطاع غزة بصورة نهائية عبر معبر رفح إلى سيناء، عبر ثلاث خطوات؛ بناء مدن من الخيام في سيناء، ثم فتح ممر إنساني من غزة إلى شبه الجزيرة، ثم بناء مدن في شمال سيناء، لا يسمح لسكانها بالعودة إلى غزة.