
وجارٍ البحث عن 9 مليارات دولار لاستكمال مشروعات النقل المفتوحة
تتجاوز إجمالي التمويلات الخارجية لمشروعات النقل العام الكبرى التي حصلت عليها الهيئة القومية للأنفاق خلال السنوات العشر الماضية 10 مليارات دولار، حسب حصرٍ أجرته المنصة للاتفاقيات المعلنة.
هذه التمويلات التي أثارت انتقادات عديدة لما سببته من ارتفاع للدين الخارجي للبلاد لا تكفي، ولا تزال المشروعات المفتوحة تتطلب قروضًا جديدة بنحو 9 مليارات دولار، حسب مصادر في الهيئة القومية للأنفاق التابعة لوزارة النقل، تحدثت لـ المنصة، غير أن الدولة تحاول تخفيف عبء التمويلات عبر التفاوض على شروط أكثر تيسيرًا للقروض المقدمة.
لماذا تبدو استثمارات "الأنفاق" ضخمةً؟
في الوقت الذي تتقشف فيه الدولة في الإنفاق على الاستثمار العام للحد من الانتقادات الموجهة لها مع ارتفاع الدين العام، فإن استثمارات الهيئة القومية للأنفاق ارتفعت في العام المالي الحالي بنسبة 11% إلى 167.8 مليار جنيه.
ويعد قطاع النقل واحدًا من أكبر القطاعات من حيث حجم الاستثمارات بدفعٍ من حزمة المشروعات الموكلة إليها، مثل القطار السريع والمونوريل، التي طرحتها الدولة خلال العقد الماضي كجزء من مخطط لتعمير مدن جديدة مثل العاصمة الإدارية، وتحسين الربط بين المناطق الساحلية والسكنية ومنافذ التصدير.
تتطلب مشروعات النقل الكبرى استيراد مكونات تكنولوجية من الخارج، لذا تضطر الهيئة للدخول في اتفاقات اقتراض ضخمة من جهات تمويل دولية لتدبير العملة الصعبة.
وحسب البيانات التي جمعتها المنصة من مصادر في الهيئة، فإن مشروع شبكة القطارات السريعة، الذي بدأته الدولة قبل نحو أربعة أعوام، يمثل العبء الأكبر في التمويلات الخارجية المطلوبة لاستكمال مشروعات النقل الكبرى، إذ تسعى الدولة لجمع 6.5 مليار يورو لتنفيذ الخطين الثاني والثالث من هذه الشبكة، و382 مليون يورو لباقي الأعمال في الخط الأول من الشبكة، والمخطط افتتاحه العام المقبل.
"لا يزال مشروع شبكة القطارات السريعة يحتاج تمويلات تمثل 50% من إجمالي تكاليف إنشاء كافة مراحله" كما يؤكد عضو بمجلس إدارة الهيئة لـ المنصة. وتبلغ التكلفة الإجمالية لمشروع شبكة القطارات السريعة 360 مليار جنيه، حسب التقديرات المعلن عنها وقت إطلاق المشروع.
"فيما يعتبر استكمال مراحل خط مترو الأنفاق ثاني أكبر مكون في التمويلات المتبقية لحزمة المشروعات الكبرى" حسب المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه.
وتسعى الدولة لجمع تمويلات المرحلة الثانية من الخطين الرابع والسادس لمترو الأنفاق، إضافة إلى تمويل أعمال المرحلة الرابعة من مشروع القطار الكهربائي الخفيف.
قطار سريع بفائدة مرتفعة
تأسست هيئة الأنفاق في ثمانينيات القرن الماضي بهدف التوسع في شبكة المترو، لكن في 2020 تحولت إلى هيئة اقتصادية بعد تعديل القانون، لتتولى عددًا من المشروعات الحيوية في خطة مشروعات النقل الكبرى.
تبدو تمويلات مشروعات مترو الأنفاق أكثر تيسيرًا إذ عادةً ما تقدمها مؤسسات ذات أهداف تنموية، مقارنة بمشروع القطار السريع، الأعلى تكلفة؛ "تتميز تمويلات مترو الأنفاق بانخفاض فائداتها وطول فترة الإعفاء من خدمة الدين التي تتراوح بين 5 و7 سنوات، كما تمتد فترة السداد لتصل إلى 15 و20 عامًا، لكن تمويلات القطار السريع فائدتها أعلى وفترات سدادها أقصر"، يوضح المصدر بهيئة الأنفاق.
الجهة الممولة | العملة | القيمة بالمليون | المشروع |
---|---|---|---|
البنك الإسلامي للتنمية | يورو | 382 | استكمال الخط الأول من شبكة القطارات السريعة (السخنة - مطروح) |
مؤسسات أوروبية | يورو | 4500 | الخط الثاني من شبكة القطارات السريعة (6 أكتوبر - أسوان) |
مؤسسات أوروبية ويابانية | دولار | 1000 | المرحلة الثانية من الخط الرابع لمترو أنفاق القاهرة |
مؤسسات صينية | دولار | 250 | المرحلة الرابعة من القطار الكهربائي الخفيف (LRT) |
الحكومة الإسبانية | دولار | 1000 | الخط السادس لمترو أنفاق القاهرة (مرحلة أولى) |
مؤسسات أوروبية | يورو | 1618 | الخط الثالث من شبكة القطارات السريعة "الغردقة - سفاجا - قنا - الأقصر" |
وحسب مصدر ثانٍ في مجلس إدارة هيئة الأنفاق، طلب عدم نشر اسمه، فإن شروط التمويلات الخاصة بالقطار السريع، التي يتم التفاوض عليها حاليًا تتضمن مدد سداد تصل إلى 16 عامًا، منها 4 سنوات سماح فقط، كما أن السداد على أقساط متساوية مرتين كل عام، مشيرًا إلى أن الفائدة تجارية لكنها منخفضة بالنسبة لأسعار هذا النمط من التمويلات، ورفض الإفصاح عن المزيد من التفاصيل.
وعانت البلاد مؤخرًا من ارتفاع أعباء خدمة الديون الخارجية، التي تأتي على حساب تدبير العملات الصعبة لاحتياجات أخرى مثل نشاط الاستيراد. وحسب رئيس الوزراء فقد سددت مصر 38.7 مليار دولار خدمة دين في العام الماضي.
ويتوقع المصدر الثاني "إنهاء المفاوضات الجارية مع المؤسسات الدولية بشأن الخطين الأول والثاني للقطار السريع بحلول منتصف العام الحالي" ليكون جاهزًا للحصول على الموافقة الحكومية التي تسبق موافقة البرلمان.
فاتورة الديون منذ 2014
يستقطع القطار السريع الجزء الأكبر من فاتورة مشروعات النقل الكبرى منذ 2014، وكان آخر قرض قدمه البنك الإسلامي للتنمية لهذا المشروع حصل على موافقة البرلمان في يناير/كانون الثاني، وهو القرض الثالث لهذا المشروع، إذ أبرمت الهيئة اتفاقية عام 2021 للحصول على قرضين منفصلين بإجمالي 2.260 مليار يورو، وفرتها 18 مؤسسة دولية.
الجهة الممولة | العملة | القيمة بالمليون | المشروع | الموقف النهائي |
---|---|---|---|---|
الحكومة الفرنسية | يورو | 776.9 | تمويل وتوريد 55 قطارًا للخط الأول لمترو الأنفاق | تم الموافقة عليه من البرلمان ودخل حيز التنفيذ |
بنك الصادرات والواردات الكوري وبنك كريدى أجريكول-كوريا | يورو | 656 | توريد 40 قطارًا للخط الثالث لمترو الأنفاق | تم الموافقة عليه من البرلمان ودخل حيز التنفيذ |
وكالة اليابان للتعاون الدولي (جايكا ) | دولار | 1200 | بناء وتشييد الخط الرابع لمترو الأنفاق المرحلة الأولى | تم الموافقة عليه من البرلمان ودخل حيز التنفيذ |
بنك جي بي مورجان يوروب ليمتد وبنك جي بي مورجان تشيس إن إيه فرع لندن | يورو | 1885 | تنفيذ وبناء خطي مونوريل العاصمة الإدارية الجديدة - 6أكتوبر | تم الموافقة عليه من البرلمان ودخل حيز التنفيذ |
بنك التصدير والاستيراد الصيني | دولار | 1200 | تنفيذ المرحلة الاولي والثانية في القطار الكهربائي الخفيف LRT | تم الموافقة عليه من البرلمان عليه وتم افتتاح المشروع |
18 مؤسسة دولية أوروبية بضمان هيئة تنمية الصادرات الألمانية وهيئة الصادرات الإيطالية | يورو | 2260 | القطار الكهربائي السريع (السخنة - مطروح) الخط الأول | تم الموافقة عليه من البرلمان ودخل حيز التنفيذ |
الوكالة الفرنسية - البنك الآسيوي للاستثمار - الأوروبي لإعادة الإعمار - الاستثمار الأوروبي | يورو | 1500 | مترو أنفاق الإسكندرية | تم الموافقة عليه من البرلمان ودخل حيز التنفيذ |
الوكالة الفرنسية للتنمية | يورو | 238 | تطوير ترام الرمل في الإسكندرية | تم الموافقة من الحكومة - جارٍ اختيار التحالف المناسب لتنفيذ المشروع |
بنك الاستيراد والتصدير الصيني | دولار | 332 | تنفيذ المرحلة الثالثة من القطار الكهربائي الخفيف LRT | تم الموافقة عليه من البرلمان - جار تفعيل القرض |
البنك الإسلامي للتنمية | يورو | 318 | استكمال أعمال الخط الأول من القطار السريع (السخنة - مطروح) | تم الموافقة عليه من البرلمان |
البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير - بنك الاستثمار الأوروبي - والوكالة الفرنسية للتنمية | يورو | 800 | تحديث أنظمة الخط الأول لمترو أنفاق القاهرة الكبرى | تم الموافقة من البرلمان عليه ودخل حيز التنفيذ |
فيما يذكر مصدر ثالث، يشغل منصب عضو مجلس إدارة في هيئة الأنفاق، أن مشروع خطي مونوريل العاصمة الإدارية الجديدة، و6 أكتوبر، هو ثاني أعلى مشروعات النقل تكلفةً في القروض الخارجية المبرمة.
"قروض المونوريل كانت ضرورية لتغطية تكاليف مكونات المشروع المستوردة من الخارج، التي تشمل أنظمة الإشارات والتحكم الآلي بقطارات المشروع الـ70، وإمدادات الطاقة، والاتصالات"، يوضح المصدر الثالث، الذي طلب عدم نشر اسمه.
وبينما تمثل قروض مشروعات مترو الأنفاق مجتمعة الحصة الأكبر من اقتراضات العقد الماضي، غير أنها كمشروعات متفرقة تقل تكلفتها عن القطار الكهربائي والمونوريل. ويحتل مترو الأنفاق الأول في الإسكندرية المركز الأعلى في التكلفة بين مشروعات الأنفاق الأخيرة إذ بلغت تكلفته 1.5 مليار يورو، وتعول الوزارة على هذا المشروع لحل أزمات المرور في الإسكندرية.
"ستتوزع قروض مترو الإسكندرية بواقع 400 مليون لشراء 21 قطارًا سيتم تشغيلها على الخط فور الانتهاء من تشييده، و544 لتوريد أنظمة الطاقة والإشارات والتحكم المركزي، و665 مليون يورو لأعمال البنية التحتية والمدنية" كما يضيف المصدر الثالث.
أعمال متعددة وشكوك في العائد التنموي
يشير المصدر الثاني في مجلس إدارة هيئة الأنفاق إلى أن الهيئة قد تتباطأ في إجراءات الحصول على بعض التمويلات خلال الفترة المقبلة بسبب كثرة المشروعات المسندة إليها مؤخرًا ورغبة الهيئة في تخفيف ضغوط تنفيذ هذه المشروعات.
"أعتقد أن الاتفاق على تمويلات مشروعات المترو المستهدف تنفيذها خلال السنوات المقبلة، سواء الخط السادس، أو المرحلة الثانية من الخط الرابع قد تمتد حتى عام 2026"، يتوقع المصدر، مرجعًا ذلك لسببين "عدم انتهاء كل الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والفنية بشكل نهائي، والثاني كم المشروعات الكبير الملقى على عاتق الهيئة، خاصة شبكة القطارات، وصعوبة توفير كل التمويلات المحلية مرة واحدة".
في الوقت نفسه تنتظر الهيئة رد شركتي "أفيك إنتل" ومجموعة "هندسة الجسور" الصينيتين، على توفير قرض صيني بقيمة 250 مليون دولار، للمرحلة الرابعة من القطار الخفيف، بعد أن رفضت عرضًا سابقًا منهما بسبب ارتفاع الفائدة.
واستبعد المصدر الثاني إنهاء بعض إجراءات التمويل خلال الفترة الحالية، بسبب الضغوط الأمريكية التجارية على الصين، وما تسببه من اضطراب في الاقتصاد العالمي.
الإنفاق الضخم المرتقب لاستكمال المشروعات القائمة لا يمكن التقليل من أهميته، بالنظر لأهمية وسائل النقل العام في تعزيز التطوير العمراني، لكن خبراء يرون أن بعض المشروعات الجارية قد تواجهها تحديات تقلل من أثرها التنموي.
برأي الخبير العمراني، عمرو عصام، فإن مشروع شبكة القطارات السريعة، رغم أهميته، يفتقد لعملية الربط مع المطارات، وهو عنصر مهم في التشغيل وكثافة الركاب، فضلًا عن أنها تبعد عن بعض المناطق السكنية.
ويضرب عصام مثالًا على مشكلات التخطيط في مشروعات سابقة قائلًا "استهدف القطار الخفيف ربط قلب القاهرة بمدن شرق القاهرة، بدر والعبور والشروق والعاصمة الإدارية، إلا أنه بعد التشغيل عدلت وزارة النقل جداول تشغيل القطارات وأسعار التذاكر أكثر من مرة بسبب عدم الإقبال المتوقع، فضلًا عن أنها وفرت أتوبيسات لنقل المواطنين بسبب مساره البعيد عن الأحياء السكنية".
يشير الخبير العمراني إلى أن بعض المشروعات الجديدة لن تكون الفائدة منها واسعة النطاق مثل نمط النقل السابق "مشروع المونوريل، رغم أنه من وسائل النقل المتقدمة، فتكاليف التشغيل والصيانة مرتفعة جدًا، ومن ثم تسعير الخدمة سيكون عاليًا، بعكس مترو الأنفاق الذي يعد أحد المرافق الأساسية لكل فئات المجتمع ومن ثم التوسع فيها أمر مطلوب ومهم".