"مش هناكل كباري".. ميزانية الطرق يلتهمها التقشف
انخفضت موازنة الهيئة العامة للطرق والكباري أكثر من النصف خلال العام المالي الحالي، تحت تأثيرٍ من الضغوط المفروضة على المؤسسات التابعة للدولة للحد من ميزانيتها الاستثمارية، وبينما تجاوز العام المالي منتصفه فإن الموازنة المتاحة لن تكفي لاستكمال المشروعات المخطط لها، حسب مسؤولين بالهيئة.
وفي مقابل الانتقادات الموجهة للإنفاق على هذه المشروعات، التي من أشهرها ما نقلته "الإيكونومست" عن أحد المواطنين وهو يقول بسخرية "لا يمكن أن نأكل الكباري!"، يدافع المسؤولون عن التوسع في مشروعات البنية الأساسية ويرون أن الحد منها يضر بالتطور العمراني للبلاد.
إلى أي مدى انكمشت موازنة الكباري؟
خلال العام المالي الحالي، الذي بدأ في يوليو/تموز الماضي، كانت هيئة الطرق والكباري تتطلع لتنفيذ مشروعات جديدة واستكمال مشروعات قائمة بقيمة إجمالية 66 مليار جنيه، لكنها اصطدمت بتوجيهات حكومية تحدُّ من الاستثمارات العامة لهذا العام أحبطت مخططاتها، كما يؤكد عضو مجلس إدارة في الهيئة، طلب عدم نشر اسمه.
وفي مارس/آذار الماضي، وفيما كانت الحكومة تتنفس الصعداء بوصولها لاتفاق استئناف قرض صندوق النقد الدولي الذي تعطل لأكثر من عام، أعلن وزير المالية وضع سقف للاستثمارات العامة بحيث لا تتجاوز تريليون جنيه، كواحد من ضمانات الحد من نشاط الدولة في الاقتصاد مقابل القطاع الخاص، وهو ما يطالب بها "الصندوق" بإلحاح.
"خُفضت استثمارات الهيئة في بداية المناقشات مع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية إلى 51 مليار جنيه، ثم اضطررنا لخفضها مرة أخرى لـ24.5 مليار لنساعد على تحقيق هدف الحكومة بعدم تجاوز سقف التريليون جنيه"، وفق المصدر في مجلس إدارة الهيئة.
لكي تتكيف الهيئة مع الموازنة المنكمشة، أعطت الأولوية لاستكمال المشروعات التي تخطت نسبة تنفيذها الـ60%، مع الحد من المشروعات الجديدة، "سنستكمل فقط 24 مشروعًا قائمة تشكل 13 محورًا على النيل وكباري علوية للسيارات و11 مشروعًا بالطرق بجانب استكمال 11 مسارًا للربط بين المحافظات"، كما يضيف المصدر.
المشروع | الأطوال بالكيلومتر |
---|---|
توسعة وتطوير السويس - جنيفة - الإسماعيلية | 60 |
ازدواج طريق أسيوط - سوهاج - البحر الأحمر | 145 |
توسعة وتطوير رافد جمصة - المنصورة | 50 |
ازدواج 6 أكتوبر - الواحات | 270 |
تطوير القاهرة - أسيوط الغربي | 1226 |
تطوير وادي النطرون - العلمين | 135 |
شرم الشيخ - دهب | 4.5 |
محور النوبارية | 203 |
تطوير طريق بنها - المنصورة شرق الرياح التوفيقي | 55 |
توسيع ورفع كفاءة الطريق الدائري حول مدينة المنصورة | 4.5 |
استكمال أعمال تطوير الدائري حول القاهرة | 110 |
المصدر: بيانات جمعتها المنصة من هيئة الطرق والكباري
ويشير مصدر ثانٍ في قطاع المشروعات بالهيئة إلى أنه تم إدراج 11 مشروعًا جديدًا فقط في موازنة الهيئة للعام المالي الحالي، وهي موجهة بالأساس لربط المحافظات ببعضها "ونأمل ألا تحدث زيادة كبيرة في الخامات، حتى يتسنى للهيئة الانتهاء منها خلال 2024-2025".
اسم الكوبري أو المحور | المحافظة |
---|---|
محور بديل لخزان أسوان | أسوان |
محور دراو | أسوان |
محور ديروط | أسيوط |
محور أبو تيج ساحل سليم | أسيوط |
محور تلا عمروس | وسط الدلتا |
محور طما | سوهاج |
محور جرجا | سوهاج |
محورا أبو غالب والقطا | الجيزة |
محور دشنا | قنا |
محور الفشن | بني سويف |
كوبري العياط (علوي للسيارات) | بني سويف |
كوبري المراغة (علوي للسيارات) | سوهاج |
وشهد العقد الأخير طفرةً في مشروعات قطاع النقل شملت إنشاء 1000 كوبري علوي ونفق، بجانب المشروع القومي للطرق الذي شمل إنشاء 7 آلاف كيلو متر من الطرق الجديدة.
لكن انتقادات واسعة وُجِّهت إلى التوسع القوي في مشروعات البنية الأساسية على حساب قطاعات أكثر حيوية في حياة المواطنين مثل التعليم والصحة.
وتعد الطرق والكباري من أبرز قطاعات النقل التي عانت من التقشف هذا العام، في الوقت الذي استكملت فيه الدولة مشروعات أخرى بتكلفة باهظة مثل "المونوريل"، وهو من ضمن مشروعات الهيئة القومية للأنفاق التي زادت استثماراتها في العام المالي الجاري بنسبة 11% إلى 167.8 مليار جنيه.
ليست زيادةً ولكنه تضخم
يرى المصدر في مجلس إدارة هيئة الطرق والكباري أن الموازنة التي طلبتها الهيئة للعام الحالي ليس مبالغًا فيها، إذ إن جزءًا منها كان سيوجه لتعويض الزيادات الكبيرة في تكاليف الإنشاء الناتجة عن ارتفاع معدلات التضخم.
وسجَّل التضخم ارتفاعاتٍ قياسيةً خلال 2023 مدفوعًا بتدهور الجنيه أمام الدولار، ورغم قضاء البنك المركزي على السوق الموازية للصرف منذ مارس/آذار 2024 لم يعد التضخم إلى مستويات معتدلة حتى الآن إذ استقر عند 23.4% في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وحسب المصدر، فالعديد من الخامات المستخدمة في مشروعات الطرق والكباري زادت تكلفتها بنحو 100% منذ بداية العام الماضي بسبب الضغوط التضخمية "لو حسبنا الـ24 مليار اللي هناخدها من المالية هتلاقي قيمتها 12 مليار جنيه بأسعار السنة اللي فاتت، المبلغ ده كنا نعمل بيه 5 مشاريع جديدة وكبيرة، دلوقتي مطلوب مني أوزعها على كل مشاريعي".
يشعر المصدر بالحيرة بشأن مدى القدرة على استكمال العام المالي الحالي تحت توجهات التقشف الحالية، فحتى بعد ترشيد الخطة ستكون تكلفة استكمال المشروعات القائمة مرتفعةً بسبب التضخم؛ يقول "تكلفة تطوير الطريق الدائري حول القاهرة بمرحلته الثانية التي كانت تتراوح بين 12 و13 مليار جنيه في عام 2023، أصبحت بعد الارتفاعات في الأسعار 27 مليارًا حال الانتهاء منها العام المالي المقبل 2025-2026".
ويشير المصدر إلى أن انكماش ميزانية الهيئة تسبب في تأجيل مشروع الأتوبيس الترددي على الطريق الدائري إذ كان مقررًا افتتاحه في النصف الثاني من العام الماضي، إلا أنه مع تقليص الاستثمارات تم مدُّ فترة التنفيذ 8 شهور أخرى، ليبدأ في العمل قبل نهاية الربع الأول من 2025.
لا تملك إيرادات أخرى
ويدافع مسؤولو الهيئة عن احتياجها للدعم من الدولة بالنظر إلى محدودية قدراتها على جمع إيرادات أو تمويلات من خارج الخزانة العامة لتمويل أعمالها التوسعية.
ويقول مصدر مسؤول في القطاع المالي بالهيئة، طلب عدم نشر اسمه، إن إيرادات الهيئة محدودة قياسًا بالهيئات الاقتصادية، وتقتصر على ثلاثة موارد هي رسوم الكارتة والأنشطة الإعلانية على الطرق الخاضعة لولايتها، واستغلال الأصول مثل الأراضي المتاخمة لشبكة الطرق والكباري.
ويشير إلى أن إيرادات الهيئة خلال العام المالي الحالي لا تكاد تغطي ربع موازنتها الاستثمارية بعد التقشف، إذ يتوقع أن تقتصر على 4 مليارات جنيه، وتمثل رسوم الكارتة نصيب الأسد منها وتتراوح بين 2.5 و3 مليارات جنيه.
ويضيف المصدر "سيوجه إجمالي الحصيلة لأعمال الصيانة التي تحتاجها شبكة الطرق والكباري القديمة".
مشروعات ضرورية؟
مع انتهاء الحكومة من تنفيذ ألف كوبري، فإنها تتطلع لتنفيذ ألفٍ أخرى حتى عام 2030، وبالرغم من التضييق الحالي على الاستثمارات العامة فإن دعم مشروعات البنية الأساسية لا يزال مستمرًا، خصوصًا في مجال النقل، وتدافع الحكومة عنها لكونها تساهم في تسريع الحركة المرورية وتعزز من ربط المناطق الصناعية والإنتاجية بمناطق التوزيع.
ويشدد عضو مجلس إدارة الهيئة عن أهمية هذه المشروعات معتبرًا أنها في مقابل ما أُنفق عليها حققتْ عوائد اقتصادية غير مباشرة، إذ "تضاعفت رقعة الحيز العمراني مقارنة بما كانت عليه حتى عام 2013 بفضل مشروعات البنية الأساسية".
ويرفض قطاعٌ من الخبراء الحكم على مشروعات الطرق والكباري في المجمل سلبًا أو إيجابًا، وبينما يؤكد خبير التطوير العمراني، عمرو عصام، على الأثر التنموي بعيد المدى لمشروعات الربط بين المحافظات، فإن لديه انتقادات للمشروعات داخل المحافظات "كون جزء كبير منها يتم تنفيذه بدون حوار مجتمعي موسع، أو نشر دراستها الاجتماعية والبيئية والاقتصادية بشكل تفصيلي ورسمي".
وبخصوص مشروعات الطرق الموصلة للمجتمعات العمرانية الجديدة، يقول عصام إن "الفئات الأعلى دخلًا هي المستفيد الأول من هذه المشروعات، لكن بعد سنوات، وبتوفر سكن بأسعار مناسبة، تتسع الدائرة لتصل إلى غالبية أفراد المجتمع". ودعا عصام للتوسع في مؤشرات قياس العائد من شبكة الطرق للحكم على هذا النمط من المشروعات، "نحتاج لمؤشرات معمقة تشمل آراء أكثر من فئة من المجتمع في هذه المشروعات لكي نقيم بشكل دقيق أوجه الاستفادة منها، ولنقيم أيضًا جودة المشروعات نفسها، سواء في الرصف، والتشجير، أو الخدمات المتوفرة على جانبي الطرق".