جاء توقيع صفقة رأس الحكمة في فبراير/شباط الماضي بمثابة طوق نجاة لخطة توطين صناعات النقل المتعثرة، التي كانت مهددةً بالتأجيل، بسبب عدم إمكانية استيراد أقل المكونات المطلوبة لخطوط الإنتاج.
أتاحت الصفقة الموارد الدولارية المطلوبة، ما ساعد في تحريك المياه الراكدة، حسب مسؤولين تحدثوا لـ المنصة قالوا إنه "تم مد توقيتات تنفيذ خطة توطين صناعات النقل، التي باتت قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وإن تأخرت عن موعدها".
"نيرك".. مشروع قديم جديد
في 2020 تم الإعلان عن تأسيس شركة مصرية لتوطين صناعة القطارات، تحمل اسم "نيرك"، تعود ملكيتها لجهات حكومية مثل هيئة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والصندوق السيادي، وشركات خاصة تشمل سامكريت وحسن علام وأوراسكوم للإنشاءات وكونكت.
احتفت الأوساط المهتمة بصناعة النقل بتأسيس الشركة، كونها ثاني شركة في هذا المجال بعد سيماف الحكومية، التي تأسست خلال الخمسينيات من القرن الماضي، خاصة وأنها أبرمت في 2022 أول تعاقداتها للمشاركة مع هيونداي روتيم في تصنيع 320 عربة لمترو الأنفاق، لكن المفارقة أن الشركة لم يكتمل بناؤها حتى الوقت الراهن.
يقول عضو في مجلس إدارة الشركة لـ المنصة إن الفترة من بدء أزمة شح الدولار في البنوك حتى قرار التعويم في مارس/آذار الماضي أخَّرت افتتاح الشركة، الذي كان من المفترض أن يتم هذا العام، حيث تأخر فتح بعض الاعتمادات المستندية اللازمة لاستيراد مستلزمات الشركة لمدد تصل إلى ثمانية أشهر.
وقال المسؤول في "نيرك"، الذي طلب عدم نشر اسمه، "نقدر نقول إنه خلال الأزمة قعدنا 8 شهور واقفين مش عارفين نجيب أي مسمار من برا، والإنشاءات المدنية تأثرت لكن مش أوي عشان الجزء الأكبر منها محلي".
عانت البلاد من نقص الموارد الدولارية خلال العامين الماضيين، مع ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية بوتيرة متسارعة، ما أدى إلى تآكل صافي الأصول الأجنبية بالبنوك وعجزها عن تلبية احتياجات المستوردين، لكن مع إبرام صفقة رأس الحكمة والسماح بتعويم الجنيه، عادت أصول البنوك لتحقيق فوائض بدءًا من مايو/أيار 2024.
ويروِّج وزير النقل والصناعة منذ شهور لخطة توطين صناعات النقل، في ظل انتقادات واسعة تعرض لها بسبب توسعه في استيراد مستلزمات النقل العام وإنشاء مشروعات للنقل بوتيرة متسارعة.
ويشرح المسؤول في "نيرك" كيف ساهمت أجواء ما بعد صفقة رأس الحكمة في تسريع وتيرة إنشاء الشركة "استطعنا خلال شهري مايو ويونيو/حزيران الماضيين تفعيل باقي عقود استيراد معدات المصنع، وجزء منها يتم تركيبه حاليًا، وآخر في طريقه للشحن لأحد المواني المحلية، ليتم افتتاح المصنع رسميًا مطلع شهر مايو 2025".
ويقول المسؤول إن الشركة رغم العثرات التي واجهتها في بداية إنشائها فإنها "تتطلع لتسريع وتيرة تعميق صناعة المكون المحلي في صفقة هيونداي ليكون 30%، ونجري مباحثات حاليًا مع سيمنز للمشاركة في صناعة عربات نقل البضائع في القطار الكهربائي السريع ليصل المكون المحلي فيها إلى 50%، ونراهن على باقي مشروعات المترو ومنها الخط للسادس لتكون عند 70%".
أربعة خطوط بدأت العمل خلال الأزمة
روجت جهات حكومية مؤخرًا لإنشاء أربعة خطوط جديدة لإنتاج الفلنكات، الوصلات بين قضبان السكك الحديدية، وهي من الصناعات البسيطة التي كانت مصر تعتمد على استيرادها في السابق، لكن الخطوط الجديدة واجهت مصاعب في بداية طريقها في استيراد مدخلات الإنتاج لم تبدأ في التيسير إلا قبل أشهر قليلة.
"لم تكن الخطوط الجديدة قادرةً على العمل بكامل طاقتها التصنيعية قبل يوليو/تموز الماضي، فقد أعاقتها أزمة الدولار عن استيراد مستلزمات أساسية من الخارج"، كما يقول عضو مجلس إدارة في الهيئة القومية للأنفاق لـ المنصة.
وحسب المصدر في الأنفاق، الذي طلب عدم نشر اسمه، فإن الخطوط الجديدة تتبع الشركة المصرية للصيانة الذاتية والنيل العامة للإنشاء والطرق والنيل العامة للطرق والكباري، التابعة لوزارة النقل، بجانب خط إنتاج جديد في الشركة المصرية للمواسير والمنتجات الأسمنتية "سيجوارت"، إحدى أذرع قطاع الأعمال العام، "وهناك أيضًا خط إنتاج نشأ مؤخرًا في شركة خاصة تحمل اسم إيكو"، يضيف المصدر.
ويؤكد عضو بمجلس سيجوارت لـ المنصة أن "الشركة كانت عاجزة عن فتح اعتماد مستندي بقيمة 3 ملايين يورو لشراء معدات رئيسية لخط إنتاج الفلنكات لمدة سبعة أشهر، لم تنته هذه الأزمة إلا في مايو الماضي".
ويشير المسؤول في سيجورات، الذي طلب عدم نشر اسمه، إلى أنه رغم العثرات التي واجهتها خطوط إنتاج الفلنكات، فإن أمامها فرصًا مضمونةً للربح خلال الفترة المقبلة "الخطوط الجديدة لديها مبيعات مضمونة، فهناك عقود مبدئية بين وزارة النقل ومصانع الفلنكات تتضمن توريد 8 ملايين فلنكة بداية من العام الحالي حتى نهاية 2028، بفضل المشروعات الكبيرة التي تنفذها الوزارة في الوقت الراهن".
وتعمل وزارة النقل حاليًا على إنشاء شبكة ضخمة من القطارات السريعة لربط كافة المدن المصرية وخطوط الإنتاج والتصدير.
الشركات الأجنبية الجديدة
رصدت المنصة العام الماضي من خلال مصادرها في قطاع النقل خلافًا غير معلن بين الوزارة والشركة النمساوية فويسيت ألبين، التي عهدت إليها الحكومة بتحديث وإدارة ورشة حكومية لإنتاج مفاتيح السكك الحديدية في العباسية.
الشركة أثبتت جدارتها في تحديث الورشة والبدء في إنتاج المفاتيح، لكن الخلاف دار حول رغبة الشركة في الحصول على مستحقاتها عن الإنتاج بالدولار وليس بالجنيه، في وقت اتسم فيه سعر الصرف غير الرسمي للدولار بالتذبذب العنيف.
ويقول عضو مجلس إدارة هيئة الأنفاق إن هذه المشكلة تم تجاوزها العام الماضي، عندما أكد وزير النقل للشركة أنها ستكون قادرة على تحويل أرباحها للخارج حال رغبت في ذلك، "الهيئة استقبلت فعليًا دفعتين من إنتاج شركة مصنع فويسيت ألبين النمساوية، وتسدد حاليًا المستحقات بالعملة المحلية".
المصنع المشار إليه هو واحد من سلسلة استثمارات في صناعات النقل تحدث عنها الوزير في أكثر من مناسبة، الشركة الحكومية الوحيدة في هذه السلسلة، هي السويس للصلب لإنتاج السكك الحديدية، التي اكتمل إنشاؤها العام الماضي، أما باقي المشروعات التي تعتمد بالأساس على الاستثمار الأجنبي لا تزال مجرد خطط.
ويقول عضو مجلس إدارة هيئة الأنفاق إن بعض هذه المشروعات لا يزال قيد الدراسة، مثل مشروع ألستوم الفرنسية لإنشاء مجمع صناعي في مدينة برج العرب بالإسكندرية، الذي لا يزال في مرحلة التصميمات الهندسية والدراسات البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
ولا تزال شركة تالجو الإسبانية تجري دراسات مستفيضة عن مصانعها المخطط إنشاؤها في مصر، فهي تبحث عن الموقع المناسب لها، يضيف المصدر.
ويمثل استقرار سعر الصرف وتوافر النقد الأجنبي خلال الفترة المقبلة أفضل ضمانة للقدرة على استكمال مخطط التصنيع المستهدف، لا سيما بالنسبة للشركات المحلية التى ستحتاج إلى عملة صعبة لشراء المعدات ومدخلات الإنتاج الأساسية من الخارج، كما تؤكد المصادر بقطاع النقل لـ المنصة.