صفحة وزارة النقل على فيسبوك
كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنيمة الصناعية، وزير الصناعة والنقل، يتفقد أعمال مد خط القطار السريع السخنة العلمين مطروح، 1 أغسطس 2025

كم كلفتنا قروض كامل الوزير "الأخوية"؟

منشور الخميس 14 أغسطس 2025

قبل أسابيع، دافع وزير الصناعة والنقل كامل الوزير عن قروض مشروعات النقل الكبرى التي أُبرمت خلال توليه الوزارة، مشيرًا إلى أنها على ضخامتها فقد مُنحت لمصر بفائدة ميسرة في حدود 0.1%، وعلق على ذلك بقوله "دا لو أخوك مش هيسلفك بالشكل دا".

لكنَّ تتبع قروض المشروعات الكبرى يكشف أن بعضها مُنح لمصر بفائدة تجارية، وهو ما تُرجعه مصادر حكومية للرغبة في إبرام تعاقدات الاتفاق في وقت أقل، كما أن هذه المشروعات يغلب عليها الطابع التجاري ما يُصعب من إقناع المؤسسات التنموية الدولية بتغطية تكلفتها.

من أين جاءت الفائدة المرتفعة؟

لا يخلو حديث الوزير عن فائدة قروض النقل الميسرة من حقيقةٍ بطبيعة الحال، فالقروض الموجهة لمشروعات توسعات مترو الأنفاق أو تحديثات لشبكة السكك الحديدية  خلال الفترة من 2014 حتى نهاية العام الماضي، تراوحت فوائدها بين 025% و1.7%، وهي نسب منخفضة القيمة وعادة لا تصدر إلا عن مؤسسات تمويلية تهدف بالأساس لتوفير التمويل الميسر للتنمية مثل بنك الاستثمار الأوروبي والوكالة الفرنسية وغيرها.

في المقابل بلغ سعر العائد على قرض شبكة القطارات السريعة الذي ساهمت فيه مؤسسات تجارية 3.07% سنويًا، بالإضافة إلى هامش سعر فائدة تجارية مرجعي يبلغ 0.125% سنويًا، فيما نص اتفاق قرض مشروع المونوريل على حساب الفائدة على أساس فائدة اليوريبور Euribor، وهو سعر الفائدة على معاملات اليورو بين البنوك.

وكما يكشف عضو في مجلس إدارة في الهيئة القومية للأنفاق لـ المنصة، فإن الوزارة خاطبت في 2020 وقت الإعلان عن القطار السريع والمونوريل مؤسسات التمويل الدولية المندرجة تحت مسمى شركاء التنمية، التي سبق وموّلت مشروعات قومية مثل المترو، لكن لم تتلق ردودًا قوية وموافقة سريعة على إتاحة  القروض المطلوبة.

يشرح المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن القروض الميسرة ذات الطابع التنموي استغرقت ما يتراوح من 7 إلى 10 سنوات من المحادثات، والوزارة لم تكن مستعدةً للانتظار مددًا مماثلةً لإتمام مشروعات النقل الكبرى.

على سبيل المثال، جرى التواصل مع مؤسسة التعاون الياباني جايكا/JICA على تمويل مشروع الخط الرابع لمترو الأنفاق في عام 2012، إلا أن تنفيذه بدأ فعليًا أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وفق تأكيد مصدر ثانٍ بمجلس إدارة الهيئة المسؤولة عن المشروع، طلب عدم نشر اسمه.

ويشير المصدر الأول إلى أن حجم القروض المطلوبة للمشروعات الكبرى كانت عائقًا أيضًا، حيث تطلب المونوريل (خَطَّي أكتوبر والعاصمة الجديدة) والقطار السريع تمويلات تجاوزت الـ4 مليارات يورو، بينما تقدم المؤسسات التنموية قروضًا بقيم أصغر "هذه المؤسسات تأخذ الكثير من الوقت لإتاحة قرض ميسر غالبًا يتراوح بين 200 إلى 400 مليون يورو على أقصى تقدير".

نماذج لاتفاقات تمويلية أبرمتها هيئتا الأنفاق والسكك الحديدية
اسم المشروع الجهة الممولة قيمة القرض بالمليون العملة الفائدة
المرحلة الأولى والثانية من القطار الكهربائي الخفيف بنك التصدير والاستيراد الصيني 1200 دولار 2 %
القطار الكهربائي السريع - الخط الأول 18 مؤسسة دولية 2260 يورو 3.07 %
خطا مونوريل العاصمة الإدارية الجديدة والسادس من أكتوبر بنك جي بي مورجان يوروب ليمتد وبنك جي بي مورجان تشيس إن إيه فرع لندن 1885 يورو سعر  اليوريبور وقت سداد القسط
مترو أنفاق الإسكندرية  الوكالة الفرنسية - البنك الآسيوي للاستثمار- الأوروبي لإعادة الإعمار- الاستثمار الأوروبي    1500 يورو 0.25 %
الخط الرابع لمترو أنفاق القاهرة وكالة اليابان للتعاون الدولي (جايكا) 1200 يورو 0.1 %
تطوير خط طنطا - المنصورة - دمياط بنك الاستثمار الأوروبي  221 يورو 1.098 %
تطوير خط لوجستيات التجارة بين القاهرة والإسكندرية البنك الدولي  400 دولار 0.25 %
توريد 7 قطارات نوم فاخرة من شركة تالجو هيئة الائتمان الإسبانية نيابة عن حكومة إسبانيا 200 يورو 0.15 %
تحديث نظم إشارات خط نجع حمادي / الأقصر صندوق التعاون للتنمية الاقتصادية 114.9 دولار  0.15 %
تحديث خط الأقصر - السد العالي  صندوق التعاون الكوري للتنمية الاقتصادية EDCF 251 دولار 1.7 % 

العامل الثالث الذي أعاق توفير قروض ميسرة هو طبيعة المشروعات ذاتها التي لا تدخلها نطاق المشروعات التي تمولها المؤسسات التنموية، فـحسب عضو الهيئة يُصنّف مشروع القطار الكهربائي السريع على أنه تجاري سيعود بالإيرادات من خلال البضائع المنقولة من مواني البحر الأحمر إلى نظيرتها على البحر المتوسط.

ويشرح المصدر أنه مقابل الفائدة المرتفعة، فإن هذه المشروعات تتميز بقدرتها على توفير إيرادات لتغطية التكلفة "الدراسات المبدئية حاليًا عن أعداد الركاب وكميات البضائع التي سيتم نقلها عبر القطار السريع العلمين-السخنة ستغطي تكاليف التشغيل وفوائد الأقساط في أول 5 سنوات، وفي السنوات الخمس التالية ستمكِّن الأرباح من سداد فوائد وأقساط الديون الأساسية".

قطار العاصمة.. فائدة متوسطة نسبيًا

لم تستسلم وزارة النقل تمامًا للفائدة المرتفعة، فسبق لها أن تفاوضت ونجحت في خفضها، كما حدث مع قرض قطار العاصمة الخفيف، وفق مصدر ثالث بمجلس إدارة هيئة الأنفاق، طلب عدم نشر اسمه.

يوضح المصدر أن بنك التصدير والاستيراد الصيني الممول لـ القطار الخفيف عرض في بداية المفاوضات توفير قروض المشروع بفائدة 5%، لكن بعد محادثات مكثفة خُفضت الفائدة إلى 2%، والسداد على فترة 13 عامًا عقب انتهاء مدة سماح تصل لـ5 سنوات و3 سنوات فترة الاستفادة من التمويل، وهو سعر فائدة أعلى قليلًا من القروض التنموية لكنه أفضل من القروض التجارية.

"لما بدأنا الشغل في مشروع القطار الكهربائي الخفيف في مرحلتيه الأولى والثانية في 2018 وقتها كانت الفائدة على القروض الدولارية من البنوك المحلية تتعدى الـ5 و6% وبدون سنوات سماح، لكن استطعنا بفضل التفاوض مع الصين الوصول للتمويل المطلوب بشروط أفضل"، يقول المصدر.

الاقتراض قد يكون مقبولًا إذا كان يخدم القاعدة الأكبر 

يشير المصدر الثالث إلى مدى فترة السماح ودورها في تخفيف عبء القروض "إحنا أنشأنا القطار وخلصنا المشروع واشتغل وكان لسه قدامنا فترة عشان نسدد، وحتى الدراسات وقتها أكدت أن التمويل الخارجي أفضل مقارنة بالاقتراض الداخلي بسبب ندرة العملة الصعبة".

في يوليو/تموز 2022، افتتحت وزارة النقل المرحلتين الأولى والثانية من مشروع القطار الكهربائي الخفيف بطول 68 كيلومترًا، اللتين جرى تنفيذها بقرض قيمته 1.2 مليار دولار من بنك التصدير والاستيراد إكزيم. وحصلت الهيئة القومية للأنفاق مؤخرًا على قرض بنحو 322 مليون دولار من البنك ذاته، لدعم المرحلة الثالثة من مشروع القطار الخفيف.

وحسب المصدر فإن فائدة قرض المرحلة الثالثة من قطار العاصمة الجاري تنفيذها تصل 2% سنويًا، ويتوقع أن تطبق نفس شروط الاتفاقية على تمويلات المرحلتين الرابعة والخامسة من القطار اللتين تتفاوض عليهما الهيئة حاليًا مع البنك الصيني نفسه.

هل كانت صفقة رابحة حقًا؟

برأي الباحث الاقتصادي محمد رمضان، فإن التركيز على فوائد القروض وحدها ليس كافيًا لتقدير مخاطر اتفاقيات التمويل، والأهم هو قيمة التمويلات نفسه التي تراكمت ملياراتها على مصر خلال السنوات الأخيرة بشكل لافت.

القروض الخارجية عادة ما تشكّل ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد المحلي، وتزداد مخاطرها على المدى البعيد في ظل محدودية مصادر النقد الأجنبي للاقتصاد المصري"، كما يؤكد رمضان لـ المنصة

وسجلت معدلات نمو الدين الخارجي لمصر قفزات كبيرة خلال العقد الأخير الذي شهد إبرام اتفاقات تمويلية للمشروعات القومية الكبرى، وزادت قيمة هذا الدين من 41.7 مليار دولار في 2014 إلى 168 مليارًا في 2023 قبل أن تتراجع بضعة مليارات بفضل اتفاق رأس الحكمة.

بدورها، تلفت مي قابيل الباحثة في ملف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى أن مراكمة قروض تمويل مشروعات قومية قد يكون مقبولًا إذا كانت تفيد القاعدة الأكبر من المجتمع، وهي المواصفات التي لا تنطبق على العديد من مشروعات النقل الكبرى.

وترى مي قابيل أن مشكلة سلسلة الاقتراض الخارجي تتمثل في أن الحكومة وجَّهتها لمشروعات لا تأتي أولويةً تنمويةً تعود بالنفع على القطاع الأكبر من الشعب، وكان من الأفضل أن توجه لقطاعات تدر عائدًا بالعملة الصعبة، صناعية أو زراعية على سبيل المثال، وتساهم في زيادة الإنتاج المحلي الإجمالي.

تشير إلى أن الاقتراض من الخارج ليس عيبًا، لكن يفضل أن يوجه إما لقطاعات منتجة، أو تساهم في التنمية البشرية، مثل تطوير قطاع التعليم، والصناعة والسياحة، أما "توجيهها لمشروعات نقل تذهب بالأساس لفئة محدودة من السكان، ولا تتماشى مع الأولويات، بالتأكيد ستكون آثارها السلبية كبيرة"، لافتة إلى أنه رغم انخفاض الفائدة على العديد من القروض الحكومية، لكن البلاد تعاني من ارتفاع معدلات خدمة الدين التي بلغت 32.9 مليار دولار في 2024.

تشدد الباحثة بالمبادرة المصرية على أن مشكلات القروض الكبرى تتجلى في الأزمة الاقتصادية التي عاشتها الدولة خلال العامين الماضيين نتيجة حلول موعد سداد الأقساط، وعدم توافر العملة الصعبة الكافية لدى الحكومة للسداد، فاضطرت للاقتراض مرة أخرى من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد بشروط مجحفة أثرت على الاقتصاد ككل.

قد تكون وزارة النقل مفاوضًا ناجحًا في تخفيف عبء فائدة بعض القروض، لكنها اضطرت للاقتراض بفائدة تجارية في العديد من القروض الأخرى، ما يستلزم إخضاع الاتفاقات التمويلية لنقاش مجتمعي واسع قبل إبرامها لما تنطوي عليه من آثار سلبية على المجتمع بأكمله، كما تحذر مي قابيل.