
شغلهالي.. لماذا تحتاج وزارة النقل لمشغلين من القطاع الخاص؟
تتفاوض وزارة النقل، في الوقت الراهن، مع تحالف مصري ألماني على التفاصيل الفنية والمالية لإدارة وتشغيل شبكة القطارات السريعة، وهي الأعلى تكلفة استثمارية بين مشروعات النقل الكبرى في البلاد.
لم تكن تلك المرة الأولى التي تلجأ فيها الحكومة إلى القطاع الخاص، فقبل خمس سنوات أبرمت النقل اتفاقًا مع شركة فرنسية لتشغيل الخط الثالث لمترو الأنفاق، وبعده بعام تم الاتفاق مع نفس الشركة لتشغيل القطار الخفيف الذي يصل آخر محطات "المترو" بالعاصمة الإدارية الجديدة.
وحسب مصدرين حكوميين تحدثا إلى المنصة توجد حزمة كبيرة من مشروعات النقل البري المعروضة على القطاع الخاص للتشغيل في الوقت الراهن، ما يعني أن الجيل الجديد من مشروعات النقل الكبرى التي تم إطلاقها قبل نحو عشر سنوات سيعتمد بالأساس على القطاع الخاص في التشغيل والإدارة.
فلماذا تسلِّم الحكومة قطاراتها للقطاع الخاص؟ وهل يسيطر الأجانب على هذه الخدمات أم ينافسهم المصريون؟ وما تأثير هذا التدخل على سعر الخدمة النهائي للمواطن؟
المشغل الحكومي غير مقنع
يقول عضو بمجلس إدارة هيئة الأنفاق طلب عدم نشر اسمه إن السبب الرئيسي وراء الإقبال الحكومي على الاعتماد على القطاع الخاص هو تجربته السابقة مع الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، وهي شركة حكومية، تسببت في خسائر مالية كبيرة لخزينة الدولة، حسب المصدر.
ويضيف المصدر لـ المنصة "في بداية تشغيل مرفق المترو في الثمانينيات، تولت شركة فرنسية تشغيل الخط الأول، وظل يعمل وفق المعايير المستهدفة للتشغيل والصيانة، حتى تسلمت الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، الإدارة، عقب تأسيسها في 2003، وظلت تقدم الخدمة بمستوى مشابه للشركة الفرنسية خلال أول 5 سنوات، لكن آدائها تراجع تدريجيًا، حتى تكبدت خسائر تجاوزت رأس المال في العام المالي 2015-2016، وانتهى الأمر بدعمها ماليًا من الدولة لسنوات، حتى استطاعت العودة للعمل بفكر القطاع الخاص".
ورغم أن قرارات الحكومة بتثبيت سعر تذكرة مترو الأنفاق لعدة سنوات كانت سببًا في زيادة الأعباء المالية للمرفق برأي المسؤولين، لكن المصدر بمجلس إدارة هيئة الأنفاق يقول إن المشغل كان بإمكانه تخفيف هذه الأعباء عبر تنمية الإيرادات، عن طريق طرح مساحات للتأجير مثلًا، أو أن التقليل من تكاليف الصيانة.
ويوضح المصدر أن الدولة تحاول تلافي خسائر التجارب الماضية من خلال فرض شروط صارمة على مشغلي مرافقها من شركات القطاع الخاص لتنمية الإيرادات "مثلًا في مسودة عقد تشغيل القطار السريع التي نتفاوض عليها حاليًا توجد شروط محددة تُلزم المشغل بتنمية الإيرادات من الأنشطة التجارية وليس الاعتماد على التذاكر فقط، والصيانة الدورية لتخفيف مصروفات التشغيل على الدولة".
ويضيف أن مفاوضات القطار السريع تشمل أيضًا شروطًا بوضع أحمال مستهدفة لنقل البضائع من خلال هذا المرفق خلال تشغيله "سنبدأ بـ9 مليون طن، وستزداد النسبة سنويًا حتى تصل إلى 40 مليون طن بضائع خلال 2030".
وسبق لهيئة السكك الحديدية أن سعت لدمج القطاع الخاص جزئيًا في خدماتها في 2023 من خلال منح شركات خاصة حق نقل البضائع، لكن تقريرًا سابقًا لـ المنصة كشف عجز الشركات عن تحقيق معدلات النقل المستهدفة.
لكن هذه التجربة لم تثن الدولة عن التوسع في البحث عن مشغلين من القطاع الخاص، إذ يقول المصدر إن مشروعات مثل الخط الرابع للمترو بالقاهرة، ومترو أبوقير، وترام الرمل في محافظة الإسكندرية، مطروحة حاليًا أمام مستثمرين من القطاع الخاص.
دمج مشغل محلي
بغض النظر عن قناعات الدولة، فهي لا تبدو حرة تمامًا في اختيار مشغليها، حيث يقول المصدر إنه في حالة القطار السريع تشترط عليها شركة سيمنس، مقاول إنشاء المشروع، أن يتمتع المُشغل الذي سيقع عليه الاختيار، بخبرة سابقة في إدارة هذا النوع من القطارات، وهو مرفق لم تدر الحكومة مثله من قبل.
لكن المصدر يشير إلى أن "النقل" كانت أكثر ميلًا لاختيار مُشغل من القطار السريع مصري - أجنبي، على أن يكون أجنبي خالص كان يتطلع لهذا التعاقد، وهو سكك حديد إيطاليا، ما منح لـ السويدي فرصة للدخول بالشراكة مع دويتشه بان/DB التي تتولى إدارة مرافق سكك حديد في ألمانيا.
المشروع | اسم الشركة المشغلة | سنة التعاقد |
---|---|---|
الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة | RATP DEV (قطاع خاص أجنبي) | 2020 |
الخط الأول لمترو أنفاق القاهرة | المصرية لإدارة وتشغيل المترو (شركة حكومية) | 2021 |
الخط الثاني لمترو أنفاق القاهرة | الخط الثاني لمترو أنفاق القاهرة (شركة حكومية) | 2021 |
خط القطار الكهربائي الخفيف (العاصمة الإدارية- عدلي منصور) | RATP DEV (قطاع خاص أجنبي) | 2021 |
الخط الأول من شبكة القطارات السريعة( السخنة - مطروح) | DB-السويدي (تحالف مصري أجنبي) | 2025 |
الخط الثاني من شبكة القطار السريع (6 أكتوبر- أسوان- أبو سمبل) | DB-السويدي (تحالف مصري أجنبي) | 2025 |
الخط الثالث من شبكة القطار السريع (قنا- سفاجا- الغردقة) | DB-السويدي (تحالف مصري أجنبي) | 2025 |
الخط الرابع من شبكة القطار السريع الخط (غرب بورسعيد-أبو قير بالإسكندرية ) | تحالف الدلتا (شركة الديدي جروب- شركة (CRIC) الصينية (تحالف مصري أجنبي) | 2023 |
قطارات النوم بالسكك الحديدية | أبيلا مصر (قطاع خاص مصري) | 2023 |
المصدر: بيانات جمعتها المنصة من تقارير إعلامية
ويوضح مصدر ثان بمجلس إدارة الهيئة أن التفاوض يجري مع تحالف DB-السويدي على مقابل الخدمات التي ينفذه، وهناك سيناريوهان يجري مناقشتهما في الوقت الحالي، الأول حصول التحالف على نسبة من جملة الإيرادات المحققة من الشكبة مع توليه الصيانة الخفيفة للقطارات والأنظمة، والثاني حصوله على مبلغ محدد عن كل عام مع تنفيذ الصيانة الدورية للمشروع وقطاراته.
ويضيف المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، إن الاستعانة بالتحالف المصري الألماني "أمر مرحب به جدًا ومفضل لدى الوزارة، وفضلنا دعمه ومنحه فرصة مقابل العروض الأجنبية".
الجدير بالذكر أنه قبل DB-السويدي كانت الدولة عهدت إلى تحالف آخر مصري أجنبي "الدلتا" لإنشاء وإدارة وتشغيل الخط الرابع من شبكة القطار السريع، لكن لم تنشر بيانات بعد عن توقيع عقد التشغيل مع التحالف والامتيازات التي سيحصل عليها.
الإيرادات والتسعير
سيطرة القطاع الخاص على إدارة خدمات النقل الجديدة تعني بالضرورة أن وزارة النقل ستخسر جزءًا مهمًا من إيراداتها لصالح الشركات المشغلة للمرفق، إذ ستحصل هذه الشركات على نسبة من الإيراد كمقابل لخدماتها.
وكانت الشركة الفرنسية RATP DEV استطاعت الوصول لاتفاق مع الحكومة للحصول على 1.138 مليار يورو (65.3 مليار جنيه) مقابل إدارة الخط الثالث للمترو لمدة خمسة عشر عامًا، أي ما يعادل 4.3 مليار جنيه سنويًا، ويبدو أن بيزنس إدارة المرافق كان مربحًا للشركة ما دفعها لتأسيس فرع لها في مصر في 2020 لتكون أول مشغل أجنبي لواحد من مشروعات النقل الكبرى في مصر.
لكن "النقل" لا تزال تحتفظ لنفسها بقرار تسعير الخدمة، وإن صارت أميل لتحرير أسعار التذاكر، متحججة بارتفاع تكاليف التشغيل، التي من ضمنها بطبيعة الحال الرسوم التي يحصل عليها المشغل الخاص.
"أسعار مرافق النقل خلال السنوات الأخيرة كادت أن تكون محررة كليًا، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف تنفيذها، وعمليات الصيانة المستمرة، وليس بسبب دخول مشغلين من القطاع الخاص، لكن دخول المشغلين الجدد قد يكون أحد الدوافع لزيادة الأسعار في المستقبل"، كما يقول عمرو عصام، خبير التطوير العمراني لـ المنصة.
الغالب على تعاقدات النقل حتى الآن هو سيطرتها على قرارات التسعير
ويرى عصام أن هناك أساليب يمكن للحكومة أن تدعم بها المشغِّل، ما يساعد على زيادة الإيرادات من دون رفع سعر التذكرة "على سبيل المثال تسهيل عملية استغلال المحطات والأراضي المجاورة للمشروع لتحقيق إيرادات مناسبة تمكِّن المشغل من احتواء الزيادات المستمرة في تكاليف التشغيل".
كما يشير عصام إلى أن تجربة القطار الكهربائي الخفيف تشير إلى مرونة وزارة النقل في تغيير تسعير خدماتها وعدم سيطرة مفهوم الربح بشكل كامل عليها "عند بداية تشغيل القطار تم إعلان أسعار التذاكر وفقًا لتكلفة مصروفات التشغيل، لكن عزوف المواطنين عن استخدام القطار، اضطر وزارة النقل المالكة والشركة الفرنسية المشغلة للقطار إلى خفضها بما يتناسب مع وسائل النقل الأخرى، ومن المؤكد أن الوزارة دعمت الشركة ومنحتها بعض الإعفاءات التي خفضت من مصروفات التشغيل".
وبشكل عام فإن الغالب على تعاقدات النقل حتى الآن هو سيطرتها على الحق في التسعير. لم تترك "النقل" حقها في التسعير إلا في حالة واحدة، عندما وقعت اتفاقًا مع شركة أبيلا مصر بتشغيل قطارات النوم التابعة للسكة الحديد.
ويرى الدكتور حسن مهدي أستاذ الهندسة بجامعة عين شمس، وخبير النقل والمواصلات، أن دخول القطاع الخاص في إدارة المرافق لا يعفي الدولة من مسؤولية دعمها مرفق النقل العام "على الدولة أن تدعم تذاكر مرافق النقل كونها وسيلة جماعية تعتمد عليها فئة كبيرة من الشعب، وهذا النمط طبقته وزارة النقل فعليًا في الأتوبيس الترددي إذ أصبحت تعريفه الخدمة أقل من نظيرتها من وسائل النقل الأخرى سواء الميكروباص، أو أتوبيسات النقل الجماعي". كما يقول لـ المنصة.
يساهم دخول القطاع الخاص في تشغيل مرافق النقل الجماعي الجديدة في زيادة فرص رفع أسعار الخدمة على المواطنين، لكن الخبراء يرون أن هذا السيناريو ليس حتميًا فقد يساهم القطاع الخاص في تحسين إدارة موارد هذه المرافق ومن ثم يحقق الربح بطرق أخرى بعيدًا عن جيب المواطن.