
نقل البضائع عبر السكة الحديد.. قطار الخصخصة يسير ببطء
تواجه تجربةُ خصخصة خدمات السكك الحديدية تحدياتٍ تعوق قدرتها على تحقيق أهدافها المأمولة التي تستهدف الوصول إلى نقل 15 مليون طن في 2030.
كانت هيئة سكك حديد مصر تعاقدت مع تحالف من الشركات الخاصة يحمل اسم G3A نهاية 2023 ضمن رؤية طرحتها وزارة النقل في 2021 للخصخصة الجزئية لخدمات هذا القطاع.
ووفق ثلاثة مسؤولين في مجلس إدارة هيئة السكك الحديدية، تحدثوا إلى المنصة، فإن شركة نقل البضائع الخاصة التي تأسست مؤخرًا لن تتمكن من استيفاء معدلات زيادة النقل المتفق عليها.
ويستهدف التحالف الذي يضم شركتي "الغرابلي للأعمال الهندسية المتكاملة" و"ثرى إيه إنترناشيونال"، رفع معدلات نقل البضائع إلى 10 ملايين طن بضائع من خلال خطوط وعربات سكك حديد بنهاية العام الحالي، تزيد سنويًا بمعدل مليون طن في العام الواحد لتصل إلى 15 مليونًا بنهاية 2030، بينما كانت الهيئة تتطلع للوصول إلى 30 مليون طن في 2030.
ويرتبط نشاط نقل البضائع باستثماراتٍ واسعةٍ في البنية الأساسية قد لا تستطيع الهيئة تنفيذها في الوقت المطلوب، كما أنه يواجه منافسةً من مقدمي الخدمة نفسها في القطاع الخاص، بعيدًا عن السكك الحديدية.
تحسن أقل من المأمول
لا ينكر المسؤولون الذين تحدثوا لـ المنصة أن دخول القطاع الخاص في خدمة نقل البضائع ساهم في تحقيق تحسن نسبي، بعد عقود طويلة عانت فيها من منافسة وسائل النقل البري "المعدل الحالي في نقل البضائع يعكس تحسن مستويات حجم البضائع المنقولة بعد بدء عمل التحالف الذي يقدم هذه الخدمة، وهو أمر مبشّر بالمزيد من النمو خلال السنوات المقبلة" كما يؤكد عضو مجلس إدارة بهيئة السكك الحديدية، تحدث لـ المنصة بشرط عدم نشر اسمه.
ويعدُّ قطاع السكك الحديدية من أقدم القطاعات الخدمية في مصر، وظلت الدولة تهيمن عليه لعقود قبل أن تسمح مؤخرًا بدخول محدود للشركات في بعض الخدمات المرتبطة به، شملت إلى جانب نشاط البضائع إسناد ادارة وتشغيل عربات قطارات النوم لشركة خاصة، بهدف تحسين إيرادات الهيئة التي عانت لفترات طويلة من الخسائر.
وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء؛ ارتفع حجم البضائع المنقولة عبر السكك الحديدية في 2024، عام الخصخصة، من 5.4 مليون طن في 2023 إلى 7.2 مليون طن في 2024.
لكن هذا التحسن قد لا يؤدي بالضرورة لتحقيق معدلات النمو المتفق عليها وقت إبرام عقد الخصخصة، كما تتفق المصادر الثلاثة في مجلس إدارة هيئة السكك الحديدية، التي تحدثت مع المنصة.
"التحالف حاليًا ينفذ ما بين 20 إلى 40 رحلة كحد أقصى يوميًا، وهو معدل غير كافٍ للوصول إلى المعدلات المتفق عليها من نقل البضائع"، يقول مصدر ثانٍ في مجلس إدارة الهيئة لـ المنصة، فضّل عدم نشر اسمه.
من المسؤول عن التأخر؟
تستند المصادر الثلاثة في توقعاتها لفشل الخصخصة في تحقيق معدلات نمو النشاط المتوقع إلى عدم قدرة الهيئة على تنفيذ الاستثمارات المطلوبة منها ضمن اتفاق الخصخصة، وبدونها لا يمكن التوسع في تقديم هذه الخدمات.
من ضمن المعوقات عدم انتهاء الهيئة من تحديث الأنظمة الإلكترونية على الخطوط الرئيسية، مما يمنع وضع جدول رحلات منتظم وسريع يمكن من خلاله توصيل البضائع في اليوم نفسه على غرار الطرق البرية، كما يفيد المصدر الثاني.
فيما يشير المصدر الأول إلى تأخر الهيئة كذلك في توفير كامل الأسطول من العربات، والمحطات التي تجري بها حركة التداول والتفريغ والشحن.
التزامات على تحالف القطاع الخاص | التزامات على هيئة السكك الحديدية |
---|---|
125 مليون جنيه سنويًا مقابل الانتفاع بالمسارات والخطوط | عدم التدخل في تسعير الخدمة المقدمة للعملاء |
175 مليون سنويًا مقابل الانتفاع بالأحواش والعربات والجرارات | توفير 157 محطة مرتبطة بمجموعة الأحواش لخدمة نقل البضائع |
استغلال والانتفاع بـ2657 عربة و73 جرارًا لـ15 عامًا | تسليم باقي أسطول العربات والجرارات وفقًا للجدول المعتمد من الطرفين |
عمل خطة تسويقية لتحقيق أقصى استفادة من نقل البضائع | إنهاء تشييد ستة خطوط نقل بضائع مرتبطة بالمواني |
تحقيق عملية نقل بضائع لـ30 مليون طن بنهاية 2030 | الانتهاء من بناء 5 مواقع لوجستية ومواني جافة لتحقيق المعدل المطلوب |
تحدي توسيع قاعدة العملاء
تبقى العقبة الأكبر أمام تنمية نشاط نقل البضائع هي تأخر الهيئة في تنفيذ "وصلات" تربط الخطوط القديمة بمواقع استقبال البضائع في المواني البحرية، أو مواقع تخزينها مثل المواني الجافة. هذه الوصلات ستُمكِّن الشركات من نقل البضائع في رحلة واحدة، ما سيمنح خدمات السكك الحديدية ميزةً تنافسيةً في مواجهة وسائل النقل البري.
"في حال اعتمدت الشركات على السكك الحديدية لنقل البضائع يجري تأجير شاحنة برية من المصانع والمواني لأحواش أو محطات السكة الحديد، ثم نقلها مرة أخرى للقطارات، حتى تصل لمحطة التفريع التي عادة ما تكون بعيدة عن المصنع ونقلها مرة أخرى بشاحنة برية... هذا الأسلوب يرفع التكلفة، ويتطلب وقتًا أكبر"، حسب حسن مهدي، الأستاذ بهندسة عين شمس وخبير النقل.
يرى مهدي أن سبب نقص "الوصلات" كان اهتمام "السكك الحديدية" لعقود طويلة بإعطاء الأولوية في تقديم الخدمة لقطارات الركاب لا البضائع، لأهمية هذا المرفق للمجتمع.
أدى غياب هذه "الوصلات" طوال السنوات الماضية لانحصار خدمة نقل البضائع في نطاق محدود من العملاء، ممن تتحمل بضائعهم مخاطر الشحن والتفريغ من عربات السكك الحديدية إلى وسائل النقل الأخرى حتى تصل لمواقع التخزين، كما يؤكد المصدر الثالث.
ويفيد بأن "السكك الحديدية تعتمد بشكل كبير في الوقت الراهن على عملاء حكوميين مثل شركة مصر للبترول، التابعة لوزارة البترول، وهيئة السلع التموينية، والشركة القابضة للصناعات المعدنية، بجانب موردي قصب السكر، وشركات الإسمنت، والطفلة، ومصانع الرخام من القطاع الخاص".
ويكشف خبير النقل حسن مهدي أن 99% من البضائع حاليًا تُنقل من خلال الشاحنات البرية، "مما يعرض شبكة الطرق للتلف، ويعرِّض الشاحنات لضغوط الازدحام المنتشر على الطرق البرية أو الحوادث المستمرة".
يفسر ذلك اهتمام الدولة القوي في الوقت الراهن بمشروعات تسهم في توصيل السكك الحديدية بمواقع الشحن والتفريغ، مثل مشروع "سكة حديد لوجستيات التجارة بين القاهرة والإسكندرية" ومحور لوجستيات دمياط، ويضع هذان المشروعان، وغيرهما، على عاتق الهيئة مسؤولية التوسع في خطوطها، لكنها عمليًا متأخرة في تنفيذ بعض هذه التوسعات عن الجدول الزمني المخطط، كما تؤكد المصادر الثلاثة.
اسم المشروع | الطول بالكيلومتر | موقف المشروع |
---|---|---|
الاتحاد - التبين - ميناء الإسكندرية - الدخيلة | 123 | منفَّذ |
الواحات البحرية - التبين | 350 | منفَّذ |
السخنة - السويس - الأدبية | 55 | منفَّذ |
وصلة برج العرب الجديدة - مطروح | 13 | منفَّذ |
الروبيكي - العاشر من رمضان | 69 | جارٍ تنفيذه |
بشتيل - الاتحاد | 90 | جارٍ تنفيذه |
المناشي - 6 أكتوبر | 68 | جارٍ تنفيذه |
طنطا - المنصورة | 54 | جارٍ تطويره |
المنصورة - دمياط | 65 | جارٍ اختيار الشركة المناسبة لتنفيذ أعمال الازدواج |
أبو طرطور - قنا- سفاجا | 800 | جارٍ مناقشة تنفيذه من خلال القطاع الخاص |
طنطا - المنصورة - دمياط | 119 | جارٍ اختيار الشركة المناسبة لتنفيذ اعمال تحديث الأنظمة بالكامل |
الاتحاد - إيتاي البارود | 27 | جارٍ تنفيذه |
الاتحاد - التفرع - محطة النهضة | 96 | جارٍ تنفيذه |
ويشدد المصدر الثاني على الأثر السلبي لتأخر بناء "الوصلات" في إعاقة نمو نشاط نقل البضائع، نظرًا لأن البضائع الأعلى سعرًا في النقل هي المعبأة، التي يفضل أصحابها نقلها إلى المواقع الصناعية مباشرة "وفي ظل غياب الوصلات إلى هذه المناطق تعتمد السكك الحديدية بشكل أساسي على نقل البضائع السائبة مثل خام الفوسفات، والغلال، والإسمنت، والكلينكر".
وفقًا للدراسات الاقتصادية، حسب المصدر الثاني، فإن كل وصلة من المشروعات السابقة ستساعد التحالف في زيادة المنقول بمعدل مليون طن سنويًا، عبر تسيير 80 قطار حاويات بسرعة عالية تمكِّن من تسليم البضائع للعملاء في اليوم نفسه في المواقع والمحطات المتفق عليها.
المستقبل للسكك الحديدية
يُرجع حسن مهدي تأخر هيئة السكك الحديدية في تنفيذ التوسعات اللازمة لتأثر إيرادات الدولة في ظل الضغوط الاقتصادية الراهنة، التي قد تحول دون تنفيذ المشروعات ذات التكاليف المرتفعة مثل الوصلات الحديدية.
وفرضت الحكومة حدًا أقصى للاستثمارات العامة خلال العام المالي الراهن، ليكون تريليون جنيه، بعد مطالب من صندوق النقد الدولي لترشيد الإنفاق العام، خصوصًا مع تصاعد الضغوط الاقتصادية منذ 2022.
لكن ورغم تأثير أحوال الاقتصاد على مخططات "السكك الحديدية"، فإن مستشار وزير النقل الأسبق، محمد علي، يراهن على أن الهيئة ستكون في المستقبل مؤهلة للتنافس بقوة على نشاط البضائع بالنظر للميزة التنافسية الكبيرة لهذا النشاط، "السكة الحديد الوسيلة هي الأفضل والأرخص لنقل البضائع للمسافات الطويلة التي تزيد عن 400 كيلومتر، يقول لـ المنصة.
يشير محمد علي إلى أن النقل عبر السكك الحديدية أساسي ضمن الأنظمة السائدة حاليًا في العديد من الدول الأوروبية بسبب كفاءته في النقل "كثير من الدول الأوروبية طبَّقت منظومة النقل المتكامل، من خلال نقل الشاحنات البرية من بداية رحلتها حتى نقطة النهاية على القطارات، لضمان وصول البضائع في نفس اليوم وبتكلفة أقل مقارنة بسيرها على الطرق البرية".