تصميم سيف الدين أحمد، المنصة 2025
إخفاء البيانات

الطرمخة على البيانات.. لماذا لا تلتزم الحكومة بباقي إصلاحات صندوق النقد؟

منشور الخميس 11 أيلول/سبتمبر 2025

في كل مناسبةٍ، تعبّر الحكومة عن رغبتها الالتزام بالبرنامج الاقتصادي الذي اتفقت عليه مع صندوق النقد الدولي، لقناعتها بضرورة الإصلاح، ولأن إشادة الصندوق بمصر شهادةَ ثقة، هذا على الرغم مما يمليه عليها من شروط دون إرادتها.

إلا أنه على أرض الواقع، تعكس مراجعات صندوق النقد لمدى التزام مصر بالبرنامج الذي أقرته على نفسها تباطؤًا ملحوظًا في تنفيذ شروطه المتعلقة بالإفصاح عن البيانات الحكومية.

يريد الصندوق شفافيةً أكبر من الحكومة في الكشف عن حجم دورها في الاقتصاد، وما وصلت إليه المؤشرات الاجتماعية، حسب مزاعمه، لكن يبدو أن هذه المطالب على درجةٍ من الحساسيةِ تجعل الحكومة أكثر ميلًا لحجبها.

مع هذا يرى خبراء أن الصندوق رغم تكرار تعليقاته حول مخاطر مزاحمة الدولة للقطاع الخاص، لا يفرض ضغوطًا قوية على الحكومة تجبرها على الإفصاح، وأن المراجعتين الخامسة والسادسة المرجح أن تبدآ هذا الشهر لن تسفرا إلا عن المزيد من التكتم على البيانات.

التحايل في الإفصاح

سياسات صندوق النقد الدولي تتحكم في معدلات الاستثمار الخاص والعام في مصر.

في يوليو/تموز الماضي، لاحظ الباحث وائل جمال أن خطاب النوايا المقدم من الحكومة لصندوق النقد الدولي، والمنشور ضمن وثائق المراجعة الرابعة لاتفاق اقتراض مصر من الصندوق، تضمن معلومات حول نشر بيانات محدثة عن بحث الدخل والإنفاق.

أبدى جمال، الذي يدير وحدة بحثية لمراقبة العدالة الاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، اندهاشه من ذلك، إذ إنه لم يعثر على أي بيانات منشورة حديثًا عن الفقر في مصر خلال بحثه.

ونُشر آخر بحث مكتمل للدخل والإنفاق في عام 2020، وذكر وقتها أن معدل الفقر بلغ 29.7% من السكان، ومن وقتها لم تُحدث البيانات الخاصة بالفقر في مصر على الرغم من زيادة الضغوط الاجتماعية وتعاقبها بدءًا من أزمة كوفيد إلى تصاعد التضخم وتكرار تعويم الجنيه.

لذا يعتبر جمال ما نُشر من بيانات الدخل والإنفاق "نوعًا من التحايل"، موضحًا لـ المنصة أن ما نُشر حتى الآن يقتصر على بعض مؤشرات البحث عن عام 2021/2022 ضمن نشرة "مصر في أرقام"، بجانب إتاحة خدمة جديدة لطلب بيانات البحث من جهاز التعبئة العامة والإحصاء، "وهي طريقة صعبة لكونها تتطلب تسجيلًا مسبقًا من المستخدم، عكس ما كان يجري قبل ذلك من إتاحة التقرير على الصفحة الرئيسية للجهاز".

وصرحت وزيرة التخطيط والتنمية الاجتماعية والتعاون الدولي، رانيا المشاط، يوم الأحد الماضي، بأنه من المرتقب نشر بحث الدخل والإنفاق لعام 2024/2025، ولم تدلِ بالمزيد من التفاصيل حول طريقة نشره للجمهور.

الحكومة لا تريد الشفافية والصندوق يشجعها على ذلك لأنها ليست ضمن الشروط التي يمكن أن تعطل الاتفاق

لم يقتصر التناقض بين التصريحات الرسمية ونشر البيانات على بحث الدخل والإنفاق فقط، فحسب تقرير نشره موقع "متصدقش" فإن الحكومة لم تنشر أيضًا كافة البيانات المتعلقة بالمشتريات الحكومية وفق ما جاء في خطاب النوايا للصندوق والمقدم في فبراير/شباط الماضي.

ويرى وائل جمال أن عدم التزام الحكومة بشروط الإفصاح ليس جديدًا و"حدث في اتفاقات سابقة مع الصندوق. الجديد هو أن تدعي الحكومة نشر بيانات غير منشورة".

ويعتقد مدير وحدة العدالة الاجتماعية أن الحكومة لا ترغب في المزيد من الشفافية، و"الصندوق شجعها على ذلك لأنه لا يعتبر الشفافية ضمن الشروط التي يمكن أن تعطل الاتفاق".

يوضح جمال أن هناك شروطًا يكون الصندوق صارمًا في تنفيذها، وقد يشترط فيها التنفيذ المسبق، مثل تلك المتعلقة بسعر الصرف أو تحرير أسعار الوقود، أما شروط الإفصاح فهو يكتفي بمراقبتها والتعليق عليها.

وأبرمت الحكومة اتفاق قرض مع صندوق النقد في ديسمبر/كانون الأول 2022، وتأخرت المراجعة الأولى والثانية للاتفاق لمدة تقترب من العام ونصف العام لأسباب غير معروفة، رجح جمال في حوار سابق مع المنصة أن يكون الخلاف الرئيسي على تحرير سعر الصرف، وفي مارس/آذار 2024 رفع الصندوق قيمة القرض من 3 إلى 8 مليارات دولار، ونشر أربع مراجعات للاتفاق منذ ذلك التاريخ.

المحجوب عن الصندوق

المفارقة أن الحكومة تعترف بأنها لم تلتزم بنشر بيانات سبق ووعدت بنشرها، ما يكشف بوضوح رغبة الدولة في التكتم، عكس حالة الإفصاح التي يطالب بها صندوق النقد، ويضعها ضمن شروط قرضه لمصر.

تشمل البيانات التي يطلبها الصندوق، ولم تنشرها الحكومة، تقارير تتعلق بالمستحقات المالية على الأجهزة الحكومية، التي يهتم الصندوق بنشرها لضمان عدم تراكم المديونيات واستدامة الوضع المالي، خصوصًا مع تحذيراته من تراكم المتأخرات على جهات مثل الهيئة العامة للبترول.

كما تشمل أيضًا بيانات عن حجم الأصول المملوكة للدولة، والكشف عن الجهات التي تتعاقد معها الحكومة في مشترياتها الكبرى، وهي على الأرجح تهدف لفتح نقاش في الرأي العام بشأن ما يراه الصندوق من منافسة للدولة مع القطاع الخاص في الاقتصاد تضر بالطرف الأخير.

أهداف الشفافية في البرنامج الاقتصادي المتفق عليه بين مصر وصندوق النقد الدولي

الإجراء المطلوب حالة التنفيذ
تراقب وزارة المالية وتكتب تقارير عن متأخرات جهات مثل الشركات التابعة للدولة والهيئات الاقتصادية لم تلتزم تقارير الوزارة بمعايير الإفصاح الواردة في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي
العودة لنشر تقرير سنوي عن أصول الدولة والذي تم تدشينه مع صندوق النقد في اتفاق سابق عام 2016 مع توسعة نطاق تغطيته ليشمل كل تقارير الدولة نشرت الحكومة التقرير ولكن لم يشمل كل شركات الدولة
تنشر الحكومة على موقع المناقصات الحكومية الإلكتروني تعاقدات مشتريات وإسناد أكبر 50 شركة تابعة للدولة التقرير الحكومي غطى عددًأ أقل من 50 شركة
نشر بحث الدخل والإنفاق نُشر في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 والموعد المتفق عليه كان نهاية يوليو
إعداد ونشر نشرة أو تقرير بصفة ربع سنوية عن مديونيات الحكومة العامة بشكل شامل يغطي كل أشكال المديونية والاقتراض ويتناول التقرير الأول منها حالة المديونيات في أبريل/نيسان 2025 التزام جديد
إعداد حزمة من المؤشرات عن الاقتصاد المصري مثل نصيب القطاع الخاص من إجمالي الاستثمار والتشغيل لتحسين عملية مراقبة سياسة ملكية الدولة بكل مجالاتها بما فيها متابعة عملية الخصخصة وذلك بنهاية مارس 2025 التزام جديد
نشر بيان بالمخاطر المالية بالتزامن مع البيان السنوي للموازنة العامة للسنة المالية 2025/2026، يتضمن تحليلًا للمخاطر الاقتصادية الكلية، مع بذل جهد خاص لتقديم تقديرات كمية، وإجمالي قيمة الضمانات الحكومية، مع تفصيل هذا الإجمالي بحسب الجهات التي تستفيد بشكل جوهري من تلك الضمانات في نهاية 2025 التزام جديد
نشر تقرير يوضح الإجراءات التي تم وضعها لضمان تحصيل الضرائب من الشركات المملوكة للدولة، وذلك عقب إلغاء الامتيازات الضريبية وقيمة المبالغ المُحصلة عن كل نوع من الامتيازات الضريبية الخاصة التي تم إلغاؤها وذلك في نهاية سبتمبر/أيلول 2025. التزام جديد

على الرغم من إحراز السلطات المصرية تقدمًا في تنفيذ الإصلاحات، كما يؤكد جميل نعيم المدير المساعد لشؤون الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى ستاندرد آند بورز جلوبال ماركت إنتلجنز، فإن بعض المؤشرات الهيكلية المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي لا تزال غير مُستوفاة بشكل كامل".

يضرب نعيم مثالًا لـ المنصة على البيانات الناقصة بالعقود الممنوحة للشركات المملوكة للدولة والهيئات الاقتصادية التي اقتصرت على نحو 30 فقط من أصل 50 كيانًا مطلوبًا بموجب اتفاق الصندوق، والأمر نفسه فيما يخص إعداد تقرير عن متأخرات السداد الحكومية، حيث لم يتضمن المتأخرات المتعلقة بوزارة المالية والهيئات الاقتصادية الكبرى.

أسباب عدة للتراخي

"مصر ليست تحت ضغط تمويلي خانق في الفترة الحالية يدفعها للتعجيل بالاستجابة بنشر هذه التقارير أو الوفاء بمتطلبات أخرى يطرحها الصندوق"، بهذا يفسر محمد فؤاد عضو اللجنة الاستشارية الاقتصادية التابعة لمجلس الوزراء التراخي المصري في نشر البيانات.

ويؤكد لـ المنصة أنه من الواضح أن جدول السداد الخارجي لمصر يُدار حاليًا بشكل منظم، وأن عودة تدفقات الأموال الساخنة بقوة مع التوقعات العالمية بتراجع الدولار تساهم في الحد من "حالة الزنقة المالية ما يدفع إلى إبطاء وتيرة الاستجابة وتخفيف حدتها".

وتتمتع مصر حاليًا باحتياطات من النقد الأجنبي تقترب من مستوى 50 مليار دولار، وهو الأعلى في تاريخ البيانات المسجلة لدى البنك المركزي، ما ساعد على استقرار سعر الصرف بعد فترة من الاضطراب انتهت في مارس 2024.

يطالب الصندوق مصر بإصدار تقارير منتظمة عن حجم الأصول التابعة لها ورغم ذلك لم تصدر الحكومة سوى تقريرين

بجانب تراجع الضغوط التمويلية، يشير فؤاد إلى حساسية البيانات التي يطلبها الصندوق من مصر، التي تتعلق بإصلاحات مؤسسية وتشريعية مرتبطة بالحوكمة والشفافية، مؤكدًا أن هذه الملفات بطبيعتها معقدة سياسيًا واجتماعيًا وتتطلب وقتًا أطول للتنفيذ مقارنة بالإجراءات النقدية أو المالية السريعة، ولذلك تتبع الدولة "الاستجابة الانتقائية" لهذه المطالب.

ويعد توسع اقتصاد الجهات التابعة للقوات المسلحة أحد أكثر الملفات حساسيةً في اتفاق الصندوق، إذ يتضمن تقرير المراجعة الرابعة أن 25% من الـ62 شركة التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية تأسست خلال العقد الأخير. وكرر مسؤولون تصريحاتٍ بشأن طرح شركات تابعة للجيش للخصخصة، لكن أيًّا من هذه الصفقات لم تتم حتى الآن.

ولم تلتزم مصر بطرح ما أعلنت عن طرحه منذ الموافقة على برنامج صندوق النقد في ديسمبر 2022، بل إن "ما طُرح متواضع ومعظمه لم يكن مدرجًا من الأساس ضمن قائمة الشركات المستهدفة"، كما يؤكد هاني توفيق، عضو مجلس إدارة شركة مصر لرأس المال المخاطر، معتبرًا ذلك مؤشرًا على عدم جدية الدولة بشأن تقليل نشاطها الاقتصادي.

ويدعو الصندوق مصر لإصدار تقارير منتظمة عن حجم الأصول التابعة لها، ورغم ذلك لم تصدر الحكومة سوى تقريري متابعة، آخرهما في 2024 منذ الإعلان عن وثيقة سياسة ملكية الدولة في 2022.

وسبق وأُلغيت كافة الإعفاءات الضريبية للنشاط الاقتصادي للجهات الحكومية، بما فيها التابعة للقوات المسلحة، استجابةً لمطالب الصندوق، وتطلب المؤسسة الدولية في الوقت الراهن من الحكومة توفير بيانات عن الحصيلة الضريبية الناتجة عن إلغاء هذه الإعفاءات، وهو ما لم يتم الإفصاح عنه.

بوجه عام، يرى جميل نعيم أن التقييم الواقعي لمدى تنفيذ برنامج الصندوق يتمحور حول إجراءين أساسيين، هما الالتزام بمرونة سعر الصرف وتنفيذ برنامج الخصخصة المتفق عليه، أما باقي الإصلاحات فقد تشهد شيئًا من التأخير في تنفيذها وفق تقديره.