تقود وزارة النقل المصرية خطة لتوطين صناعة القطارات، عبر انفتاحها على شراكات واسعة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، في محاولة للفكاك من ضغوط الأزمة الدولارية الراهنة. لكن مصادر قريبة من هذه الصفقات تقول إن رفع نسب الصناعة المحلية يتطلب فترة طويلة، تقترب من عقد كامل.
"أمامنا على الأقل بين 7 إلى 8 سنوات للوصول إلى نسبة مكون محلي يتراوح بين 60% إلى 70% في صناعة الوحدات المتحركة لمرفقي المترو والسكك الحديدية"، كما يقول عضو مجلس إدارة بالهيئة القومية للأنفاق، طلب عدم ذكر اسمه.
وكان وزير النقل كامل الوزير، قال في مقابلة تليفزيونية الشهر الماضي إنه يجري تأسيس 7 شركات جديدة لصناعة القطارات، و"في نهاية 2024 لن نستورد أي عربية نقل".
وهو ما يؤيده المصدر السابق، لكنه يشير إلى أن الصناعات الجديدة ستقوم على التجميع، وسيستغرق الأمر وقتًا حتى يتم تعميق هذه الصناعة، مشيرًا إلى أن نسبة اعتماد مصر على المكونات الأجنبية بلغت الفترة الأخيرة نحو 85%.
شراكات مع القطاع الخاص
وتشمل المشروعات الجديدة لتوطين الصناعة كيانات لا يزال تأسيسها قيد التفاوض، منها مصنع قضبان السكك الحديدية بالعين السخنة، ومشروعين مشتركين مع شركتي ألستوم الفرنسية وتالجو الإسبانية، ومشروع رابع مع جانز مافاج المجرية.
والشركات الأجنبية السابقة من الموردين الأساسيين لمعدات السكك الحديدية للحكومة المصرية، وتتطلع وزارة النقل للاستغناء عن الاستيراد منهم في مقابل تأسيس مشروعات لتجميع القطارات محليًا.
وتبدو الدولة منفتحة على الدخول في شراكات مع القطاع الخاص بهدف التوسع في تلك الصناعات، حيث أسست في أغسطس/آب الماضي شركة مشتركة مع "لينزا إيجيبت" لتصنيع مستلزمات القطارات.
ويقول عضو مجلس إدارة بهيئة السكك الحديدية، طلب عدم ذكر اسمه "سيكون للهيئة في الشركة نسبة 35% ولشركة لينزا 65%". وأضاف المصدر "من المقرر أن تبدأ أعمال إنشاء المصنع نهاية سبتمبر/أيلول المقبل، بعد الاستقرار على مكان المشروع ليكون قريبًا من ورش السكة الحديد بمنطقة أبو راضي".
ويتفق عضو مجلس الإدارة بهيئة السكة الحديد مع المصدر بإدارة الهيئة القومية لمترو الأنفاق بشأن ما تتطلبه تلك المشروعات من وقت طويل حتى تبدأ في تخفيف حدة أزمة ضعف احتياطات النقد الأجنبي في مصر.
ويرى المصدر بهيئة مترو الأنفاق أن مشروع شركة نيرك، الذي تم تأسيسه في 2020 بمشاركة بين الدولة وشركات خاصة، هو أقرب المشروعات المعلنة للتشغيل "من المرجح أن تنتهي الشركة من الأعمال الإنشائية للمصنع الجاري إنشاؤه في منطقة شرق بورسعيد خلال الربع الأول من العام المقبل، وتكون قد استوردت المعدات اللازمة لبدء تركيبها في الربع الثاني من 2024".
وتابع "من المرجح أن يشارك المصنع في صفقة إنتاج 44 قطارًا لمترو الأنفاق مع شركة هيونداي روتيم الكورية الجنوبية".
أزمة الدولار تؤثر على المشروعات
بجانب مسألة طول المدة الزمنية، تُلقي مشكلة ندرة الدولار بظلالها على بعض مبادرات التوطين، حيث يقول المصدر بهيئة السكك الحديدية، إن ثمة خلافات وقعت بين فويست ألبين النمساوية ووزارة النقل حول العملة التي ستتلقى بها مستحقاتها.
وكانت الدولة عهدت للشركة النمساوية بتحديث وإدارة ورشة حكومية لإنتاج مفاتيح السكك الحديدية في العباسية، لتعزيز إنتاج الورشة من هذه المكونات التي كانت تستورد كميات كبيرة منها في السابق.
ويقول المصدر "واجه المشروع صعوبات بعد اعتراض الشركة الأجنبية على طلب وزير النقل شراء منتجات المشروع بالجنيه المصري وليس الدولار"، لكنه يرى أن المشكلة في طريقها للحل عن طريق التفاوض.
ولا يزال غير واضح كيف ستدبر الدولة النقد الأجنبي الكافي لاستيراد المعدات أو مدخلات الإنتاج في المشروعات التي تشارك فيها.
لكن المصدر يهيئة السكك الحديدية قال إن "الشركات ستكون مسؤولة عن تدبير احتياجاتها من المكون الدولاري لإنشاء المصانع، واستيراد المعدات وإنشاء خطوط الإنتاج".
وقالت وكالة فيتش، في تقرير عن مصر في يوليو/تموز الماضي، إن مشروعات السكك الحديدية تهيمن على استثمارات النقل، مقدرًا تكلفتها الإجمالية بـ55.6 مليار دولار.
وتُعول الدولة في خطابها على أن المشروعات الجديدة فرصة لتدفق مصادر جديدة من النقد الأجنبي، حال تحول مصر إلى مركز إقليمي لصناعة القطارات في المنطقة. لكن لازال غير واضح إذا ماكان هذا التوسع السريع في إنتاج معدات السكك الحديدية سيكون فرصة للتصدير، أم يُنتج فائضًا يصعب تسويقه.
على سبيل المثال، يقول وزير النقل في اللقاء التليفزيوني، إن الدولة حاولت جذب استثمارات خاصة لإنشاء مصنع لقضبان السكك الحديدية، لكنها لم تنجح لأن الإنتاج السنوي لهذه المصانع هو من 250 إلى 500 ألف طن سنويًا، بينما يقتصر الطلب المحلي على 100 ألف طن، وسيرتفع لـ200 ألف مع مشروع القطار السريع، لذا اتجهت الدولة للمساهمة في بناء مصنع جديد مع التخطيط لتصدير الإنتاج الفائض.
ويعقب المصدر بالسكك الحديدية قائلًا "الحكومة المصرية سيكون لها الأولوية في توريد ما تنتجه المصانع من وحدات أو أنظمة أو قطع غيار، والفائض سيكون للتصدير، وزير النقل ذكر في أحد اجتماعاته أن الشركات لديها بالفعل عقود مع عدد من الدول العربية لتصدير منتجاتها".
تجديد المصانع القديمة
وتشمل خطة توطين الصناعة أيضًا تحديث مصانع قديمة للدولة تعمل في مجال القطارات، منها شركة سيجوارت، التابعة لقطاع الأعمال العام والتي تنتج "الفلنكات"، وشركة سيماف، التي تنتج عربات القطار والتابعة لهيئة السكك الحديدية.
لكن المصدر بهيئة السكك الحديدية يقول إن سيماف بعد التطوير لا يزال إنتاجها غير قادر على مواكبة القطاع الخاص،"على سيبل المثال صفقة الـ1000 عربة نقل بضائع مع مصنع سيماف، بدأت الوزارة التفاوض عليها عام 2017، واستمرت حتى تم توقعها رسميًا في 2021، ورغم دعمه من الحكومة إلا أنه يتوقع تمديد فترة التسليم للسكة الحديد حتى عام 2026 بدلًا من 2024".
على المدى الطويل، ستظهر الآثار الإيجابية لطموحات توطين صناعة القاطرات، لكن أزمة ضعف التدفقات الدولارية الراهنة ربما تحتاج إلى إجراءات أكثر فعالية على المدى القصير.