منشور
الأربعاء 19 أبريل 2023
- آخر تحديث
الخميس 20 أبريل 2023
على الرغم من عدم وجود تقدير محدد للتعويضات التي يستحقها المقاولون الذين ينفذون أعمالًا للدولة، عن الخسائر التي لحقت بهم من تعويم يناير/كانون الثاني الأخير، فإن العاملين في القطاع يرون أنه سيكون الأكبر في تاريخ هذه التعويضات التي بدأت الدولة في سدادها منذ تعويم 2016، مرجّحين أنها لن تقل عن 40 مليار جنيه.
ولا تقتصر أزمة المقاولين على ارتفاع أسعار المكونات المستوردة بعد ضعف الجنيه، ولكن أيضًا تأخر مستحقاتهم لدى أجهزة الدولة، عن أعمال في مشروعات كبرى مثل العاصمة الجديدة وشبكة الطرق، وغيرها من الأعمال التي تعبر عن طفرة إنشائية طموحة أطلقتها الدولة منذ 2014، وتحولت إلى أزمة نتيجة الضغوط الاقتصادية المتلاحقة.
ضعف تعويضات التعويم السابق
في أعقاب تعويم 2016، الذي مثل انخفاضًا حادًا للجنيه لم تشهده البلاد منذ عقود، بادرت الدولة بإصدار قانون لتنظيم عملية صرف تعويضات للمقاولين عن الخسائر التي لحقت بهم بسبب فروق سعر الصرف.
وتجدد الحديث عن التعويضات مؤخرًا بعد أن تضاعف سعر صرف الدولار خلال عام، من نحو 16 جنيهًا في مارس/آذار 2022 إلى حوالي 31 جنيهًا في الوقت الراهن.
وبينما يقدر رئيس اتحاد المقاولين سامي سعد، حجم التعويضات التي تم صرفها خلال عامي 2017 و2018 عن التعويم الأول بنحو 20 مليار جنيه، فإن الأزمة الحالية تتطلب ما يفوق ضعف هذه التعويضات، وفقا لما قاله للمنصة.
"لا يوجد حصر دقيق حاليًا لحجم مستحقات المقاولين لدى الدولة لكن من المتوقع ألا تقل عن 40 مليار جنيه، وهو رقم تقديري متوسط ربما يرتفع أو ينخفض حسب الإجراءات وحجم المشروعات ونسب التنفيذ قبل مارس 2022"، كما يقول سعد الذي يترأس اتحادًا يضم أكثر من 30 ألف مقاول.
وكان رئيس الوزراء أصدر قرارًا في فبراير/شباط الماضي، بصرف تعويضات للمقاولين عن الخسائر التي لحقت بهم جراء انخفاض قيمة الجنيه خلال الفترة بين مارس 2022 ومارس 2023، وفق أحكام قانون التعويضات الصادر في 2017.
ومن المقرر أن تُصرف التعويضات المستحقة للشركات العاملة بالمشروعات الحكومية خلال 90 يومًا من تاريخ المطالبة، وهي المدة اللازمة لمراجعة الفواتير والأوراق ونسب التنفيذ من جهة الإسناد للمقاول، كما يضيف سعد.
ولكن بعض المقاولين يرون أن أجل التسعين يومًا غير عادل، لأن سعر مواد البناء يتغير يوميًا بشكل متسارع تحت وطأة الضعف الراهن للجنيه في مقابل الدولار.
كما أن طريقة تحديد قيمة التعويض أمر مثير للجدل "يتم تحديد التعويض بناء على سعر المصنع، بالرغم من وجود فجوة كبيرة بين سعر المصنع وسعر المنتج النهائي الذي يحصل عليه المقاول من خلال الوسطاء، تصل في الوقت الحالي لحوالي 8 آلاف لكل طن حديد"، كما يقول أمين صندوق اتحاد المقاولين، محمد عبد الرؤوف، للمنصة.
مستحقات المشروعات القومية؟
وبحسب عدد من العاملين بالقطاع تحدثت معهم المنصة فإن تعويضات "التعويم" المتوقعة لا تُقارن بحجم المستحقات المتأخرة لهذا القطاع في الوقت الراهن عن أعمال نفذها لجهات تابعة للدولة.
"أنهيت تنفيذ طبقات سن لعدة مشروعات طرق لصالح الدولة منذ 2019، وحتى الآن لم أحصل على أكثر من 50% من المبالغ المستحقة لي والتي تتجاوز 5 ملايين جنيه" كما يقول مقاول للمنصة طلب عدم ذكر اسمه.
ويشرح المقاول أن ما فاقم من خسائره هو انخفاض سعر الصرف خلال هذه الفترة "لو تم صرف مستحقاتي فور انتهاء المشروع في 2019 بسعر الدولار وقتها كانت ستساوي 312 ألف دولار، أما في حالة صرفها اليوم فهي تساوي أقل من 160 ألف دولار، كذلك فإن 5 ملايين جنيه كانت تشتري في 2019 ما يساوي 500 ألف طن حديد أما اليوم فهي تعادل سعر 125 ألف طن فقط".
ويقول المقاول إن مشكلته متكررة في كل القطاعات، فأغلب جهات الإسناد تتأخر لفترات أطول، والمشكلة تزيد لدى مقاولي الباطن.
"بعض مشروعات الطرق ضمن المشروع القومي للطرق وبعض مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة لم يحصل مقاولو الباطن فيها على مستحقاتهم، رغم مرور سنوات على تسليم وتشغيل المشروعات".
لكن رئيس قطاع التشييد والبناء والعلاقات الخارجية بوزارة الإسكان، ورئيس الأمانة الفنية للجنة التعويضات، هشام درويش، اعتبر أن عملية سداد المستحقات تسير بالوتيرة الطبيعية، لأن "وزارة الإسكان لا تطرح أي مشروعات للتنفيذ، سواء مناقصات أو إسناد مباشر لأي مقاول إلا بعد توافر القيمة الاستثمارية للمشروعات، ووجود مبالغ مالية كافية بموازنة الجهة التابعة للوزارة التي تطرح المشروع"، كما قال للمنصة.
انتهاء الطفرة الإنشائية
وفي ظل تراكم مستحقات المقاولين لدى الدولة، يسعى الاتحاد المنظم لأعمالهم إلى تخفيف العبء عنهم عن طريق الحد من الغرامات التي تفرضها عليهم.
"ما نعمل عليه حاليًا إعفاء المقاولين من غرامات التأخير ومد مهلة مجلس الوزراء لأن بعض التوقفات في الفترة الأخيرة كانت خارجة عن إرادة المقاول، مع نقص بعض المواد الخام بالسوق والتغيرات الكبيرة في الأسعار". كما يقول سعد.
وكان مجلس الوزراء منح في فبراير/شباط الماضي المقاولين المنفذين لأعمال تابعة للدولة هذا العام مهلة إضافية ستة أشهر لتنفيذ الأعمال الموكلة إليهم دون تطبيق غرامات عليهم.
لكن هذه المحاولات لا تزال محدودة النطاق لأن "بعض جهات الإسناد اعتمدت المهلة والبعض الآخر يرفض اعتمادها حتى الآن" كما يقول عبد الرؤوف.
"قطاع المقاولات يتعرض منذ حوالي أربع سنوات لهزات غير منطقية في التسعير للخامات وقرارات اقتصادية تؤثر على خطة العمل وتكلفته وموعد انتهاءه"، كما يقول الاستشاري في قطاع المقاولات، محمد خيري، مُقيما حجم الأزمة التي يمر بها القطاع.
وهي صورة تبدو كئيبة على عكس الطموحات التي سادت القطاع منذ 2014 مع تصاعد الحديث عن التوسع في طفرة إنشائية في البنية الأساسية للدولة، ويرى خيري أن نشاط الإنشاءات في مصر " استنفد ذروته التي بلغها خلال آخر ثماني سنوات".