شهدت أسعار حديد التسليح زيادات متسارعة خلال الأشهر الأخيرة، مع ارتفاع سعر الطن الذي تنتجه شركة حديد عز، كبرى شركات الحديد المصرية، من 17 ألف جنيه في مارس/آذار من العام الماضي إلى 32 ألف جنيه في الوقت الراهن، ما وصل بسعر المنتج للمستهلك النهائي إلى ما يتراوح بين 39 و40 ألف جنيه.
فما هي الأسباب الرئيسية وراء زيادة أسعار حديد التسليح بمعدل يقترب من الضعف خلال 12 شهرًا؟
الحرب الروسية-الأوكرانية
عادة ما يبدأ تفسير زيادة أي سلعة في مصر خلال الفترة الأخيرة من نقطة ارتفاع الأسعار عالميًا مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، التي زادت تضخم الأسعار العالمية، ومن بينها أسعار الطاقة التي تؤثر بشكل قوي على أسعار الحديد.
وتعد كل من روسيا وأوكرانيا ضمن أكبر مصدري الحديد عالميًا، ما يجعل للحرب بينهما تأثير مباشر على السوق العالمية لهذه السلعة. كما تعرضت الشركات الروسية لعقوبات تمنع صادراتها إلى أوروبا ما زاد من أسعار الحديد في الأسواق الأوروبية.
وتأثرت مصر بالارتفاعات العالمية لأن "شركات الحديد المحلية تعتمد بقوة على استيراد خامات الحديد من الخارج، التي ارتفعت أسعارها عالميًا بنسبة 33.3%بعد شهرين فقط من بداية الصراع بين روسيا وأوكرانيا" كما يقول مدير غرفة الصناعات المعدنية، محمد حنفي للمنصة.
لكنَّ موجة الصعود الناتجة عن الحرب اتجهت مؤخرًا للهدوء، كما يوضح حنفي "ظلت أسعار الخام عالميًا مرتفعة حتى بدأت تهدأ خلال الفترة بين نهاية العام الماضي وحتى مارس 2023".
وفسر حنفي تراجع الأسعار عالميًا باتجاه الكثير من الدول للتكيف مع ظروف الحرب، حيث اتجهت بعض الشركات لزيادة إنتاجها من خام الحديد لتعويض النقص من صادرات روسيا وأوكرانيا.
ويشير حنفي "على سبيل المثال رفعت تركيا نسبة إنتاج مصانعها من خام الحديد لتعويض الكميات التي كانت تستوردها من البلدين".
تأثير سعر الصرف
لم تكن الفترة بين نهاية 2022 وحتى مارس الماضي تتسم بهدوء الأسعار في مصر، حيث ارتفع سعر طن حديد عز من 20.4 ألف في ديسمبر/كانون الأول إلى 32 ألفًا في مارس.
ويرى مدير وحدة البحوث في شركة برايم لتداول الأوراق المالية، عمرو الألفي، إن أسعار الحديد المحلية ارتفعت مؤخرًا بوتيرة أسرع من الأسعار العالمية.
ويرى الألفي أن ضعف الجنيه خلال تلك الفترة كان له دور في زيادة أسعار الحديد، نظرًا لتأثير سعر الصرف على تكلفة استيراد مدخلات الإنتاج.
يُرجع محللون نقص المعروض إلى ميل الشركات المنتجة للحديد إلى التوسع في التصدير، لتدبير العملة الصعبة
"تمثل مدخلات الإنتاج المستوردة 80% من تكلفة الإنتاج النهائية لمصانع الحديد المتكاملة مثل شركة حديد عز، بينما ترتفع نسبة هذه التكلفة في مصانع الدرفلة مثل السويس للصلب وغيرها بنسبة 95% مع اعتمادهم بشكل أكبر على استيراد المدخلات من الخارج" كما يقول حنفي.
وانخفض الجنيه بقوة أمام الدولار ثلاث مرات خلال أقل من عام، بدأت في مارس 2022 ثم أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، وأخيرًا في يناير/كانون الثاني الماضي، ما أفقد الجنيه أكثر من نصف قيمته أمام الدولار.
نقص في السوق المحلية
بجانب التضخم العالمي وضَعف الجنيه، لاحظ مراقبون أيضًا نقصًا واضحًا في المعروض من الحديد في السوق المحلية، وهو ما ساهم في زيادة وتيرة ارتفاع الأسعار.
"بدأت شركة حديد عز منذ بداية العام الجاري تخفيض الكميات التي توزعها على وكلائها لطرحها في السوق المحلية، على سبيل المثال الوكيل الذي كان يستلم منهم شهريًا 100 ألف طن أصبح يأخذ 50 ألفًا فقط" كما يقول رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية بالقاهرة، أحمد الزيني، للمنصة.
ويُرجع محللون نقص المعروض إلى ميل الشركات المنتجة للحديد إلى التوسع في التصدير، لتدبير العملة الصعبة في ظل ندرة الدولار الحالية في مصر.
وهو ما أكده أحد مسؤولي المبيعات في شركة حديد عز، في حديث للمنصة، حيث أوضح أن الشركة اتجهت منذ شهر فبراير/شباط الماضي إلى زيادة معدلات تصدير منتجاتها للخارج، لتخفيف ضغوط أزمة استيراد مدخلات الإنتاج.
"الشركة تستورد حبيبات خام البليت والخردة وغيرها من مستلزمات الإنتاج وتُصنع من هذه المستلزمات حديد تسليح وقطاعات صلب مُسطح"، كما يقول المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه.
وأضاف المسؤول "نرفع من الصادرات لتوفير الحصيلة الدولارية لأن البنوك لم تعد قادرة على أن توفر لنا 100% من احتياجاتنا من الدولار اللازم لتمويل الواردات".
ويبدو مصير أسعار الحديد مجهولًا لصعوبة التنبؤ بمستقبل العوامل الثلاثة المؤثرة فيه، فمن ناحية لا تزال روسيا مستمرة في حربها مع أوكرانيا، ولم يصل سعر صرف الدولار في مصر إلى حالة الاستقرار بعد، ومن جهة أخرى يرجح المسؤول بشركة عز أن تستمر الشركة في إقبالها على التصدير حتى تستعيد البنوك قدرتها على توفير العملة الصعبة للمنتجين.