تقدمت "حديد عز " في يوليو/تموز الجاري بواحدة من صفقات الإنقاذ، التي أبرمتها الحكومة هذا العام، للالتزام بتعهداتها مع صندوق النقد بالخصخصة، فما الدوافع وراء دخولها هذه الصفقة، وهل تغامر "عز" بتحمل أعباء مالية جديدة لشراء حصة الحكومة في شركة الصلب التابعة لها بالإسكندرية، أم أن الظروف المالية للمجموعة كانت تؤهلها لاقتناص هذه الصفقة؟.
مصائب تركيا عند عز فوائد
في مقابل كل 2 جنيه من أصول حديد عز هناك جنيه واحد مديونية، هذه هي الحقيقة التي تكشفها القوائم المالية للشركة عن الربع الأول من العام الجاري، والتي أظهرت بلوغ إجمالي القروض والتسهيلات الإئتمانية للمجموعة 39.1 مليار جنيه، في مقابل أصول بقيمة 79.9 مليار جنيه.
لكن هذه الالتزامات الضخمة لم تمنع الشركة أن تعلن مطلع الشهر الجاري، في إفصاح للبورصة المصرية، عن نيتها شراء حصة الدولة في شركة العز الدخيلة للصلب- الإسكندرية التابعة لها، وأنها ستمول الصفقة بالعملات الأجنبية عن طريق عدة بنوك خارج مصر.
تزامن إعلان عز مع مؤتمر صحفي كبير عقده رئيس الوزراء، يكشف فيه للرأي العام نجاح الحكومة في إبرام صفقات خصخصة بقيمة 1.9 مليار دولار، بعدما سادت اعتقادات بعجز الحكومة عن الوصول لاتفاقات لبيع أصول للدولة للوفاء بتعهداتها مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وبحسب ما أعلنته وزيرة التخطيط هالة السعيد، انطوت الصفقة على بيع حصة تمثل 31% من شركة "العز الدخيلة"، بقيمة 241 مليون دولار، على أن تكون 60% من قيمة الصفقة بالدولار، والباقي بالجنيه المصري.
"بالطبع سيؤدى اتجاه شركة حديد عز للاقتراض لزيادة حجم الأعباء المالية على الشركة مستقبلًا"، وفقًا لما قالته إيمان مرعي، محللة قطاع مواد البناء بشركة العربي الإفريقي الدولي لتداول الأوراق المالية، للمنصة.
وتشير نائبة رئيس قطاع البحوث بشركة الأهلي فاروس، ريهان حمزة، لعدد من المؤشرات على الوضع المالي للشركة، وتقول "حققت شركة حديد عز معدل صافي ديون إلى حقوق الملكية خلال عام 2022 بقيمة سالبة، بواقع 5.1 مرة، بسبب تراكم الخسائر المرحلة من السنوات الماضية، وبلغ معدل الديون إلى الأرباح قبل الفوائد 1.2 مرة، خلال عام 2022، ومن المرجح أن يرتفع إلى 2 مرة حتى عام 2024".
لكن مرعي ترى أن ثمة عوامل أخرى إيجابية ساعدت عز على دخول الصفقة الأخيرة، أهمها توقعات الشركة بتحسن إيراداتها من التصدير، مع تراجع الصادرات التركية بسبب الآثار المدمرة للزلازل، ما سيوفر لها تدفقات أفضل من النقد الأجنبي.
"انخفاض المعروض من الحديد في الأسواق العالمية، وتحول تركيا أحد أكبر مصدري الحديد إلى الاستيراد، نتيجة استمرار تداعيات الزلازل المدمرة خلال العام الحالي، يفتح المجال لحديد عز لزيادة الصادرات"، كما تقول مرعي.
وتضيف "شهدت الشركة العام الماضي ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المواد الخام، ثم بدأت حاليًا العودة لمستويات طبيعية، مما يساعد على التحكم في التكاليف".
وفي تقرير مجلس إدارة الشركة عن نتائج أعمال الربع الأول من العام الجاري، قالت "عز" إنها اتجهت إلى "تعظيم كمية صادراتها لتوفير العملة الأجنبية اللازمة لتأمين احتياجاتها الاستيرادية من المواد الخام"، مشيرة إلى ارتفاعات المبيعات التصديرية إلى 285 مليون دولار، مقابل 212 مليونًا في الربع المماثل من العام السابق.
كذلك توضح حمزة، للمنصة أنه رغم المديونية الكبيرة لـ"عز" فمن المعتاد في "قطاع الصلب وشركات الحديد الاعتماد بشكل رئيسي على الاقتراض في العمليات التشغيلية، وهو ما قد يتسبب أحيانًا في تشكيل ضغوط على الأداء المالي".
وترجح مرعي، أن يكون القرض الخاص بشراء حصص الأقلية بشركة العز الدخيلة للصلب، بفترة سداد طويلة الأجل.
عز يستفيد من استقرار الاقتصاد المصري
التزام مصر بخصخصة أصول بقيمة 2 مليار دولار في منتصف 2023، كان واحدًا من شروط صندوق النقد الأساسية في البرنامج الإصلاحي الذي اتفق عليه مع مصر نهاية العام الماضي. لذا كان نجاح هذا البرنامج أحد العوامل الرئيسية لاستعادة الثقة في الوضع المالي للبلاد، والجنيه المصري بالتبعية.
وبالنظر لنتائج أعمال "حديد عز" الأخيرة، تُعد المجموعة الصناعية من أكبر المتضررين من ضعف الجنيه خلال العام الجاري، الأمر الذي يخلق حافزًا لرجل "الحديد" لدعم برنامج الخصخصة.
بحسب نتائج عز عن الربع الأول من 2023، نمت مبيعات المجموعة بنحو 50%، مقارنة بنفس الربع من العام السابق، وهو ما يعكس قدرة عز على فرض أسعار مرتفعة للحديد لمجاراة معدلات التضخم المرتفعة خلال تلك الفترة.
لكن رغم إحكام عز قبضته على سوق حديد التسليح، خرجت عز بخسائر صافية في هذا الربع بقيمة 2.4 مليار جنيه، وأحد الأسباب الرئيسية لهذه الخسائر هو ضعف الجنيه أمام الدولار.
تقول الشركة في إفصاحها عن أعمالها حتى مارس/آذار الماضي، إن خسائر ترجمة الأرصدة والمعاملات الخاصة بها من الدولار للجنيه قفزت إلى 8.8 مليار جنيه في هذا الربع، مقارنة بـ 1.1 مليار جنيه فقط في الربع نفسه من العام السابق.
وفي تقرير نتائج أعمالها الأخير، تطرقت حديد عز إلى ملابسات ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض سعر صرف الجنيه خلال العام الماضي، "مما ترتب عليه تأثر الشركات التي لديها أرصدة التزامات كبيرة بالعملة الأجنبية سواء قصيرة الأجل أو طويلة الأجل".
وكما يظهر في نتائج الربع الأول من 2023، ارتفعت التكاليف التمويلية لحديد عز إلى 1.2 مليار جنيه، مقابل 786.4 مليون جنيه خلال الربع نفسه من العام السابق، لذا فمن صالح عز أن تنتهي الأزمة وتعود أسعار الفائدة للانخفاض.
من جهة أخرى، فالمجموعة تعتمد على الدولة بدرجة كبيرة في مساندتها خلال الأزمات، وهو ما يجعلها حريصة على نجاحها في برنامجها مع الصندوق. على سبيل المثال، تذكر المجموعة في نتائج أعمالها أنها استفادت من مبادرة البنك المركزي 2020 لتأجيل الاستحقاقات التمويلية بسبب تداعيات كورونا، ناهيك عن تخفيض أسعار الغاز الذي تم لفترة مؤقتة كنوع من المساندة في مواجهة ظروف الوباء.
سيطرة أكبر على الدخيلة
من جهة أخرى، فإن شراء حديد عز لحصة الحكومة في الدخيلة يعزز من سيطرتها على أكبر مصدر إيرادات للمجموعة.
"لا يمكن إغفال مزايا اقتناص عز لحصص الأقلية في شركة العز الدخيلة للصلب-الإسكندرية، التي تمثل نحو 80% من إيرادات شركة حديد عز حاليًا"، بحسب ما قاله مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، للمنصة.
وتعد الدخيلة أحد الركائز الأساسية التي بنى عليها أحمد عز، إمبراطوريته الصناعية، التي تأسست في الثمانينات بمساهمة حكومية تحت قانون 43 لسنة 1974، المعروف بقانون الانفتاح الاقتصادي. وخلال نهاية التسعينيات استطاع عز أن يستحوذ على أول حصة حاكمة في الشركة، في توقيت تزامن مع بداية بزوغ اسمه كنائب برلماني عن دائرة منوف، حيث تقع مدينة السادات الصناعية.
وفي الوقت الراهن تتبع "العز الدخيلة للصلب-الإسكندرية" خمس شركات، هي مصانع العز للدرفلة، وشركة العز لصناعة الصلب المسطح، وشركة حديد للصناعة والتجارة والمقاولات، وكونترا وود للمنتجات الخشبية، والعز للصناعات الطبية.
وحتى إتمام الصفقة الأخيرة كان لشركة حديد عز 64% فقط من العز الدخيلة للصلب-الإسكندرية، وبدوره يمتلك القيادي السابق بالحزب الوطني أحمد عز، أكثر من نصف حديد عز.
ويرى شفيع أن المجموعة تحتاج لتوجيه جانب كبير من إيراداتها للتوسعات الإنتاجية التي تتطلع إليها خلال الفترة الراهنة.
"من المرجح أن تُوجه حديد عز استثمارات كبيرة نحو الشركات التابعة لها، تماشيًا مع ما أعلنته الشركة في إفصاح حديث للبورصة المصرية، بزيادة إنتاج حديد التسليح عالي المقاومة للشد، والمناسب لمقاومة الزلازل الذي يشهد طلبًا تصديريًا قويًا بعد زلزال تركيا خلال العام الجاري"، كما يقول المحلل.
وعاد عز للحياة العامة عام 2014 بعد محاكمات طويلة تعرض لها في أعقاب ثورة 2011، ولم تتوقف توسعات رجل الأعمال الذي كان على رأس الحزب الحاكم قبل الثورة، حيث أعلن العام الماضي عن استحواذ شركته على حصة أبو هشيمة في شركة حديد المصريين.