مسلسل Alpha Males وتفكيك الذكورة السامة

إذا وضعتْ مديرتُك في العمل قدميها على فخذك، وطلبتْ منك أن تدلكهما لها بعد يوم عملٍ طويلٍ، هل يُعدُّ هذا تحرشًا أم مجرد مغازلة؟ كان السؤال محل نقاش بين مجموعة من الأصدقاء في المسلسل الإسباني Alpha Males، الذي بدأ عرض الجزء الثاني منه على نتفلكس في فبراير/شباط الجاري، وعُرض الجزء الأول منه عام 2022.

في قالبٍ كوميديٍّ ساخرٍ يناقشُ المسلسلُ الذكورة السامة، من خلال أربعة أصدقاء في الأربعينيات من أعمارهم، يواجهون ذكوريتهم التقليدية من خلال مواقف يومية مع زملائهم في العمل وشريكاتهم وأبنائهم، ليكتشفوا مع الوقت أنَّ النظام الذي اتبعوه طوال حياتهم، كرجالٍ في مجتمع بطريركي، ما عاد ينفع في عصر المتغيرات السريعة الذي نعيش فيه. فيقرر الأصدقاء الخضوع لدورة تدريبية لتفكيك "الذكورة السامة" لمساعدتهم على اكتشاف ذواتهم. 

تختلف استجابة ومقاومة الرجال الأربعة لما يقدمه المدرب في الدورة، حسب مدى تملك الأفكار الذكورية التقليدية من عقله وطريقة تفكير كل منهم.

أحدهم وهو سانتي/جوركا أوكسوا، أب لفتاة مراهقة، تشبه أبناء جيلها المنفتحين على الأفكار والتجارب التي لم يكن لجيله حتى الجرأة على التفكير فيها، هو الأكثر استعدادًا لتقبل ومحاولة تطبيق الأفكار الجديدة على نفسه وتعاملاته، حدَّ المبالغة الكاريكاتيرية، مدفوعًا برغبته الصادقة في أن يكون أبًا مثاليًا لابنة تنتمي لجيل الألفية، بكل جنوحها وجرأتها على تحدي الأفكار التقليدية. 

وهنا برأيي تكمن الفكرة الرئيسية للمسلسل ولُبُّ المشكلة التي يواجهها جيل الوسط. واخترت أن أُسمِّي أبناء جيلي ممن هم في الأربعينيات من أعمارهم، وآباءً لمراهقين أو شباب في مقتبل العمر، بجيل الوسط، "جيل الووكمان" الذي تربى على الأفكار التقليدية لكنه كان في قلب عاصفة التغيير الحديثة تكنولوجيًا ومجتمعيًا.

كما أننا الجيل الرائد في دخول العالم الرقمي، جيل غرف المحادثة، والشاهد على ولادة عمالقة شركات التكنولوجيا التي تحكم العالم اليوم. وجدنا أنفسنا في برزخ بين عالمين متوازيين ونحن صلة الوصل الوحيدة بينهما. 

أكبر تحدٍّ يواجه هذا الجيل، وأتحدث هنا عن تجربة، هو تلك الهوَّة التي تفصل بيننا وبين جيل أبنائنا الذين لا يشبهوننا حقًا؛ مستقلون بأفكارهم التي كونوها عن الحياة من مصادر معلوماتهم المتنوعة والغنية. بالنسبة لي، جوجل الوحيد الذي عرفته كان أمي، وكانت إجابتها عن أي سؤال أطرحه نصًا مقدسًا لا أُسائله. 

هذا جيل لا يرحم الجهلة لأنَّ المعرفة متاحة لمن أرادها

ولكنَّ جيل أبنائنا يمتلك المعرفة وأدواتها المتاحة، له أن يختار منها ما يناسبه، حتى لو بدا لنا سطحيًا ولا قيمة له، فهو على الأقل يمتلك حرية الاختيار، وليس مفروضًا عليه أن يتقيد بخيارات محدودة كأن يحلم الجميع أن يكونوا أطباء ومهندسين أو طيارين. الآن يمكن أن يكون كل ذلك، أو يوتيوبر، أو لا شيء. ولمَ لا؟ 

هذه المعرفة تجعلني بشكل شخصي أتأنَّى كثيرًا قبل أن أوجه أيَّ نقدٍ سريعٍ للأفكار التي تطرحها ابنتي وأصدقاؤها على سبيل المثال، بل أشكك في نفسي من باب الاحتياط أولًا، ثم أسعى إلى البحث عما فاتني قبل أن أفرض اعتراضي أو قبولي لأيٍّ من تلك الأفكار، فهذا جيل لا يرحم الجهلة، لأنَّ المعرفة متاحة لمن أرادها.  

الكثير من الأفكار والممارسات التي كان جيلنا مطبعًا معها، مُكرهًا أو بالاختيار الحر، صارت مرفوضة بشكل قاطع في هذا العصر، وهذا ينطبق على كافة مناحي الحياة، لكن أهمها هو ما طال الفروقات الجندرية والجنسية التي تعاملنا معها على أنها أمرٌ واقعٌ لا يمكن تغييرُه وعلينا التعايش معه.

ورغم مسيرة النضال الطويلة المستمرة والممتدة لأجيال سبقتنا، فإن السنوات الأخيرة شهدت ما يشبه الطفرة في فضح الممارسات اللاأخلاقية بحق النساء وحتى بعض فئات الرجال، منذ حملة مي توو وما لحقها وصولًا الى فضيحة جزيرة إبستين.  

يدفعنا كل ذلك أيضًا إلى تقييم الدور الجندري للنساء في هذا الصراع، فالتربية التقليدية المتهمة بإنتاج "الذكورة السامة" مسؤولة أيضًا عن إنتاج النسوية السامة التي تشمل كوكبة من الخصائص كالخنوع والتأثر العاطفي المفرط والسلبية والتضحية بالذات، قيمٌ ساهمت وتساهم النساء في الكثير من المجتمعات في استمرارها وإعادة إنتاجها.

أعود إلى المسلسل، الذي يعرض ذلك في قالب ظريف، ويقدم شخصيات نسائية تلعب دور الحارس الأمين لتلك القيم. إيستير/راكيل جوريرو على سبيل المثال، تدافع عن حق ابنها في ممارسة ذكوريته السامة كوسيلة وحيدة للتعامل مع المشكلات التي تواجهه، في مواقف ساخرة تجعلنا نضحك من أنفسنا لتماهينا مع الكثير من التناقضات التي يطرحها هذا العمل الدرامي، فبدرجة أو بأخرى، سنرى أنفسنا في إحدى شخصياته الحائرة بين واقعها وما تتوق إليه.  

التأمل في الأفكار التي يناقشها المسلسل، والاشتباك مع الأسئلة التي يطرحها، وإعادة تقييم دورنا، نحن جيل الووكمان، يسلط الضوء على عاملٍ حاسمٍ في التحول والتطور المجتمعي. وبينما نشتبك مع أفكار معقدة كتفكيك "الذكورة السامة" تصبح تجاربنا الذاتية جسرًا حيويًا بين القيم التقليدية والمشهد الديناميكي المتحرك الغني بالمعرفة والمعلومات لجيل أبنائنا.