تصميم: أحمد بلال - المنصة

أنا وإيلون ماسك

منشور الجمعة 15 يوليو 2022 - آخر تحديث الأربعاء 20 يوليو 2022

في الحياة هناك نموذجان، إيلون ماسك صاحب تسلا والأفكار النيرة الأخرى، وأنا التي لم تجلب لي أفكاري الاستثنائية أي ثروات. إيلون، سأدعوه كصديق مقرب باسمه الأول، كيف لا، وهو يشغل بالي أكثر من حبيبي؟

يستيقظ إيلون كل صباح ليتعامل مع زحمة مشاريعه وأكوام الأموال، ينظمها هنا ويرتبها هناك فهو موهوب بهندسة الخطط. يضعها كخريطة على الورق، تزدحم بالسهام ونقاط التوضيح والكثير الكثير من الرموز، وحده مخه الفريد يفك شيفرتها.

بينما يشرب إيلون قهوته، وقبل أن ينتهي من الكرواسون، يكون استثمر بضعة مليارات وأجرى بعض الاتصالات لشراء نصف العالم الآخر. ومع انتصاف النهار لا يتوقف أمام الخسارات، بل ينطلق إلى خريطة جديدة ومغامرة جديدة ونجاح أكيد.

لا يحتفل إيلون بصخب إنجازاته فهي تصبح بلا معنى بعد حين. ربما يتوق أحيانًا للفشل كي يستعيد متعة النجاح وطعمه الحلو. آه ما أحلاه! اسألني أنا يا إيلون، فأنا أغني له زوروني كل سنة مرة.

لا أعرف أصول إيلون ولا العائلة التي ولد فيها، هذه شكليات أمام الانجازات. تَجُبُ كل ما قبلها، فأنا لا ألحق متابعة أخباره اليومية حتى يتسنى لي قراءة تاريخه، الحقيقة لا يعنيني. فهو حالة تجسد معنى الـ "هُنا والآن"، رغم أن بعض المصادر تقول إنه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب.

بيب بيب.. إنذار رمل في الكلى! بيب بيب.. بوادر حموضة في المعدة!

رجل يشبه هذا الزمن. داخل عقله أزرار تشبه لوحة الديجيتال، فمثله لم يكن يوما "مانيوال"، ولد طفلًا ديجتال، وأظن جازمةً أن أعضاء جسمه من الداخل تنير بالأحمر إذا ما أصابها مرض وترسل إنذارًا إلى هاتفه المحمول. "بيب بيب.. إنذار رمل في الكلى، بيب بيب.. بوادر حموضة في المعدة". هو وُلِد هكذا وأنا أصدق ذلك. 

والله يا إيلون ليس حسدًا ولا ضيقة عين. اللهم يزيدك من نعيمه. لكن وجودنا على كوكب واحد يزيد إحساسي بالعجز ويعزز لديَّ شعور اللافائدة أصلا، وبأنني irrelevant أكثر وأكثر في هذا العالم. لا أُحمِّلك أو غيرك أسبابي، يمكنني الاعتراف أنني نتيجة خياراتي في الحياة. فنحن تقريبا سننا واحد، خذ أو هات بضع سنوات لكننا من نفس الجيل. لكن عوالم كثيرة بين عالمينا.

أنا يا إيلون أردت أن أغير العالم بالأحلام والكلمات، وبالكثير من الشعارات أيضًا. ربما ألوم كافكا الذي زرع دودة التفكير في رأسي، أو سارتر الذي حَمَّلني همَّ العالم ومصيره، أو وهم العالم الحر والاشتراكية البائسة صاحبة الخيبات المجلجلة.

هل تعرف ماركس يا إيلون؟ طبعا تعرفه! عمنا ماركس كان يريد عالمًا أكثر توازنًا وأقل قسوة علينا نحن الفقراء، لكن كلماته كانت صعبة الفهم. حفظتها قبل أن أفهمها وحين أدركت معناها خبطت رأسي بكل جدار طلع أمامي.

نجوت من الموت أكثر من مرة، رصاصة طائشة هنا وسيارة مفخخة هناك وقذيفة سقطت على شرفة منزلنا. أحيي الصُدفة التي أبقتني على قيد الحياة. حلمت بثورة وفشلت، ولديَّ قناعة تبدو غير منطقية أنها فشلت فقط لأني حلمت بها.

عملت في مجالات عدة ولسنوات طويلة وحتى الآن لا أملك بيتًا ولا سيارة ولا مدخرات في البنك. من عملت معهم كانوا فشلة أيضا، لكنهم فوق ذلك كانوا أغبياء فلم أحتمل هذه الخلطة، أكيد مرّوا عليك. كل مرة كنت أخبرهم أنهم أغبياء وأغادر وعلى كاهلي تل من الخيبات والديون.

حياتي غرق مؤجل، فأنا أعيش كسبّاح يصارع الموج وأنجو كل مرة لأن يدي طالت طوق نجاة. لا وقت لديَّ لرسم الخرائط والخطط، فبالكاد ألقطُ أنفاسي بين موجة وأخرى. وإذا رمتني الصدفة على شاطئ ما، أراك وقد وصلت الى القمر!

حرفيًا وليس مجازًا وصلت إلى القمر. كل مرة تصعب الأمر أكثر يا إيلون!

لكني أشعر بالانتصار أيضًا، فمثلي كغرقى تيتانيك من ركاب الدرجة الثالثة. إذا نجونا فهو بتجديف أذرعتنا وإرادة البقاء لا غير، فلا تخصص لنا الحياة مراكب نجاة معدة سلفًا. لست طبعًا في سباق معك، ولا أجرؤ حتى على وضع نفسي في خانة الكائنات الديجتال. ولكن أقاتل ليصيب رهاني، وها أنا كما ترى ما زلت أحاول. 

أحلام وكلمات وشعارات لكن كان لها تأثير السحر، وصرنا ملايين في كل مكان، ملأنا الشوارع وأخفنا الغول.

حسنًا، كنت تنوي شراء تويتر وتضيفه إلى تل ألعابك الثمينة الأخرى، ولكنك تراجعت لأسباب لم تبدُ في الحقيقة مقنعة. غير مهم، المهم أنك تراجعت عن الصفقة وهذا خبر لو تدري عظيم! ذلك العصفور الأزرق الصغير كان  في أحد الأزمنة مساحتنا الوحيدة التي انطلقنا منها لخلق عالم من الأحلام، وكدنا أو اعتقدنا أننا سننجو.

أسقطنا أنظمة جبارة لكن العالم كان كارتونيًا حد السخرية، وانهار على رؤوسنا. لكننا لازلنا نتنفس. نتنفس الهزيمة ونساور الأمل علنا نمضي بأقل خسائر ممكنة. هناك في تلك المساحة الافتراضية رفعنا السقف حد السماء. قاربنا الديجتال بأدواتنا البدائية الـ"مانيوال" كما قلت لك، أحلام وكلمات وشعارات، لكن كان لها تأثير السحر وصرنا ملايين في كل مكان، ملأنا الشوارع وأخفنا الغول.

أعترف أنه لولاك وكائنات العصر الحديث لما أتيحت لنا تلك المنصة. كتر الله خيرك وخيرهم. ولكن دع تويتر بحاله. فمن غير المعقول أنك كنت تنوي مزاحمتنا هناك. أقول لك، اشتر فيسبوك، فأنا لا أحب زوكربرج الذي يشبه الآلات ويحكي مثلها.

هناك انشرْ كلَّ ما شئت واجعله يعمل بالطاقة الكهربائية أو الشمسية أو أي طاقة تريد. فلا طاقة لي على أن أكون تحت سلطة عالمك السريع اللاهث في كل الأماكن. أن يصبح التايم لاين مسرحًا لصورك في كل مناسبة وأنت تلهو بتوقيع الصفقات وابتلاع الشركات كحوت لا يشبع. خذ نفسًا يا إيلون خذ نفسًا عميقًا يا عزيزي! فهذه جولة تحسب لنا. 

أراك تقرأ وتهز رأسك ربما سخريةً أو أسىً. ولكن ضع نفسك مكاني! اشترِ القمر أو قطعةً من المريخ، حتمًا لا نريد أن نكون هناك. فنحن نحب هذه الأرض وعلى استعداد للموت من أجلها، صعب عليك أن تفهم معنى هذا الاستعداد يا إيلون، فأنت تُسَرّح عشرة بالمئة من عدد موظفينك في أكبر شركات العالم، فقط كي تحافظ على أرباحك، وليمت أولئك المُسرَّحون فقرًا.

أما نحن، فنعرف كيف نتقاسم اللقمة وشربة الماء الأخيرة، هكذا علمتنا الساحات والميادين. اخلق عالمًا مثاليًا بعيدًا عن دمارنا. هذا العالم لن يتسع لكلينا، وقريبا قد نسقط نحن من على حافته منسيين كما عشنا، لكنك لن تهنأ طويلًا فبطوننا ولّادة.

وفقك الله يا إيلون لكن حِلْ عني قليلًا.

باقٍ لي من الزمن بضعة أنفاس قصيرة قبل أن يبتلعني الموج راضيةً، في عالم يقيس الوجود بعدد المليارات في البنوك. تعبت من السباحة والجري والصراع مع منظومتك. فلأجل عالمك تشتعل الحروب، وتباد بلاد لتعيدَ إعمارها من جديد.

جميلة؟ ربما، كخططك المليئة بالشفرات لكن لا روح فيها، ونحن نسكن الزوايا والعمارات القابلة للاشتعال نتكدس فوق بعضنا. بالنسبة لك هذا غير مهم فنحن أعداد في احصائيات الكوفيد، وأرقام في حسابات شركات الأدوية واللقاحات، وانجاز يضاف إلى سجل الحكومات حينما نتلقى التطعيمات والمعونات وخيام اللاجئين على طول الحدود بين عالمي وعالمك الممتد للكواكب الأخرى. وفقك الله يا إيلون لكن حِلْ عني قليلًا. 

تعبت، لكني لن أقفز من ناطحة سحاب في مدنك الحديثة. سأظل في أسفلها مع الملايين مثلي أقرض كفأرة صغيرة شبكة الأسد إلى أن يقع، أو يتعلم ألا يزاحمني في هذا الكون الوسيع، وأن يعلم أن قوتي في أسناني. أنت يا إيلون تحكم العالم بكبسة زر وأنا أقضم حتة حتة أساس بنيان بيت الغول رغم تعبي. 

كن بخير، 

ليليان