"دخول مفاجئ" عنوان الباب دا على موقع "المنصة" مخصوص للناس اللي بينهم إفيهات افتراضية مشتركة، ونظرة عميكة للدنيا، والجيل الذي اتخذ من السف طريقًا له.(*)
ولكن لماذا نسف؟ ولماذا تجد لغتنا ع السوشيال ميديا منفصلة تماما عن الإعلام السائد وبتكسر تابوهات تتعلق بالألفاص البسيئة؟ ممكن نفهم دا أحسن لو رجعنا لفيلم باموت فيه.. أذكياء ولكن أغبياء!
الفيلم دا تحديدا أفضل مدخل لشرح كذا حاجة: أولاً ازاي اتربيت أنا وأبناء جيلي على حب وتقدير السف والألش، ثانياً محاولة ربط السف إللي الجيل اتربى عليه بردود أفعالنا النهاردا تجاه أخبار مصر اللي تشرح القلب، ثالثاً تفسير ردود الأفعال اللي كارفة على عدمية دي من منظور هزيمة ثورتنا وإصابتنا بإحباط وسوشيال فاتيج.. مع قليل من كرشة النفس والغازات اللي احتمال تطوّل شوية.
لغة السوشيال ميديا بتكسر تابوهات الألفاص البسيئة عشان الواقع قبيح وبذيء ياسمك إيه.. وسيادتك جاي تقول لي احترم البنات اللي على الصفحة؟ يعني الشباب اللي بيتخطف وبيتعذب ويموت في سلخانات الداخلية مابيأثروش في أخلاقياتك؟ بلوك يا منافق!
وليه ماحدش بيتكلم عن الواقع التافه اللي بيديره ناس ومؤسسات تافهة فاكرة إن إثبات سلطويتها ييجي باستعراض عضلاتها في القبض على أطفال شايلين بلالين ومساطر؟ أو المواطنين الشرفاء إللي بيهتفوا تسقط الزبالة للغلوشة على مواطن بيطالب المحافظة بلم الزبالة من الشارع؟ الواقع اللي حتى فشل يخلي الناس اللي بتغني "تسلم الأيادي" يعيشوا في أمان ويستمتعوا بالغد المشرق البسام؟
لو هانتكلم عن تفاهة الواقع مش هانخلص. عندك مثلا تانت هدي، رغن انها بتتابع كل بوستاتي لكن مقتنعة أن انجازات الدولة لا يراها إلا المؤمنون، يعني نفس اللي شوفناه أيام الإخوان. بس هانقول إيه؟ أدينا متنيلين مستمتعين بهزيمتنا وبنقلش عليها. ما هو اللي مخلي تانت فاطمة لسة مصدقة إن أسد السنة سوف يعود، هو نفسه اللي مخلي تانت هدي تصدق إننا بصدد التحول لقوة عظمى، وهو برضه اللي مخلي دكتور رفيق مستني عودة نسر المخابرات من غيبته. طب لو هما دول اللي بيتصارعوا على المشهد. هنخش احنا نعمل إيه والنبي؟
بالتالي فيلم رائد زي أذكياء ولكن أغبياء من أكتر الحاجات اللي شايفها بتعبر عني وعن جيل حاول بجد ولقى إن مافيش فايدة.. الواقع تافه بشكل مؤلم والساركازم بقي دمه تقيل، وروح سينما الواقعية وفانتازيا التسعينات حاجة كدة عواجيزي. من الآخر حاجة ما ينفعش تاخدها على محمل الجد!
الحل حالياً في حركة هزلية تسف على تانت فاطمة، وتانت هدي، وأونكل الدكتور رفيق ومعتقداتهم وثوابتهم اللي متشبثين بيها لآخر شاب في حالة فاطمة وآخر شاب وفقير في حالة هدى ودكتور رفيق. إهانة الثوابت دي أقل واجب وماينفعش ناخدها بجدية بعد ما التجربة أثبتت تفاهتها وعدم قدرتها على تقديم شيء ذو قيمة. الجديد بقى هو إصرار أونكل والتانتات على التهليل لنفس المنتج مع توقع نتيجة مختلفة على الرغم من وضوح الفشل وتفاهة القائمين عليه.
ولا ننسى هنا تحية من أسسوا للألش وبدأوا في الكتابة عن تفاهة الواقع وعدم الحاجة لأخذه بجدية، الواحد مش هينسى اسهامات أشرف الشريف، ومحمد نعيم، وحجازي، وآدم ياسين، دا غير رامي أبادير جلاد السوشيال ميديا اللي مابيسمحش بأي جدية خصوصاً فيما يتعلق بالمحن، ودا لينا فيه كلام كتير إن شاء الله.
كدخول مفاجيء، ترددت أمام تقديم فيلم تقيل زي "أونكل زيزو حبيبي" لما فيه من عناصر إبهار زي الديك لهيطة، وشوربة المجادم، والبينالتي اللي كسر العارضة، والطفل أبو دم تقيل، ودكتوره النفساني اللي اتعقد من ده كله. بس للأسف ماقدرتش أشوف فيه تعبير عن جيل بيتعامل مع هزيمته بنوع من العدمية خصوصاً أن البطل أونكل زيزو زي ما احنا عارفين لازم ينتصر لقيم محمد صبحي المباشرة الأبوية ذات الدم اللي يلطش.
نيجي بقي للوحش سمير غانم.. رجل المرحلة وكل مرحلة.. الوحيد اللي عمره مامشي على الخط المرسوم.. اللي عادل إمام جنبه تقزم في الفيلم.. العبقري اللي فهم الليلة من بدري وقرر ماياخدهاش جد. مين فينا دلوقتي مش واخد سمير غانم مثل أعلى ومتأكد إن عبقريته تكمن في إنه فهم الفولة من الأول؟
طب مين فينا ماشافش "أذكياء ولكن أغبياء" ييجي خمسين سبعين مرة وبالتالي انضم لتنظيم الناجون من النار؟ مين فينا لما حد من صحابه يسأله عن حد إسمه "حمدي" يرد بكل تلقائية: "دة حمتي بتشاع العربية"، ومين فينا لما بيوصف حد طيب بيقول "عم علوان دة أجدع راجل في اسكندرية"، ولو بيوصف حد غلس أو شرير بيقول "عم علوان دة أندل راجل في اسكندرية"، طب مين فينا ماوصفش حد دمه تقيل بوصف عم شيحة: "فيه حمار بيقولوله شي وفيه حمار بيقولوله حا.. إنما شي حا ده يبقي حمار ابن ستين حمار.. صح". ناهيك طبعاً عن السؤال الوجودي المتعلق بالعلاقة بين الحب والكازوزة! ومصطلح "إهضممم" علشان نداري على أي هرتلة تتعلق بتسييح مش وقته أو في وجود مزة. دي شوية إفيهات مش أي حد هايفهمها إلا اللي إتربي على تقدير أذكياء ولكن أغبياء وفهم كتينة الواقع وأحترم عدم الحاجة لاحترامه.
العدمية اللي بنحاول نتقنها في التعامل مع تانت فاطمة وتانت هدي وأونكل الدكتور رفيق في دنيتنا الهايفة (لاحظ هنا أن الموضوع مش في مصر بس - يعني مثلاً لما رؤساء العالم يروحوا فرنسا يعملوا واجب العزاء في جي سوي تشارلي بالشكل التعيس ده، وصورة صورة صورة كلنا كدة عايزين صورة، لازم نفتكر كلمات الجنرال محمد نعيم في الحاجة لعدم أخذ العالم الكتيانة دي بجدية بعد ما هم نفسهم نسيوا كانوا بيتعاملوا بجدية إزاي مع قضايا كبيرة زي الإرهاب لما العالم كان في منافسة من حاجة اسمها الإتحاد السوفياتي عندها سلاح وتواجد إقتصادي وسياسي مكسر الدنيا.
الفكرة اللي "أذكياء ولكن أغبياء" قدمهالنا هي اتنين طلبة جامعة رجالة ماخدوش العالم بجدية لما لقوا إن إيجار أوضة في اسكندرية في العام الدراسي عند عم شيحة أو لوكاندة البسفور أو بانسيون كاميليا اللي طلع بيت دعارة أسعارها مبالغ فيها وشروطها تعجيزية، في حين إن فيلا حمدي (بتشاع العربية) سعرها معقول.. بس للبنات! بالتالي شيء طبيعي إن سمير غانم ماياخدش الواقع التعيس الغير عادل دا على محمل الجد وقرر يقنع عادل إمام اللي لسة في الواقع محتفظ بكتير من التقليدية والذكورية المحافظة تجلت في لحظة الحقيقة: "شوف أما أقول لك.. أنا مش هالبس فستان يعني مش هالبس فستان!".. لكن بعد لحظة المخرج نقل نقلة حلوة لإنتصار منطق السف على المنطق المحافظ، أو ما يمثله سمير غانم على ما يمثله عادل إمام.. وعادل إمام لسة بيزعق لسمير غانم وبيقول: "أنا قلت مش هالبس فستان.. يعني لايمكن ألبس فستان.. ناولني الباروكة.. يا خسارتك يا زغلول".. يقوم أبو سمرة مناوله الباروكة وقايل له: "زغلول مفيش.. إنت من النهاردا اسمك بهيرة".
اللهم ارزقنا حب العدمية ووعي سمير غانم!
...........
(*) لو كنت حديث العهد بلغة السف والمفردات المستخدمة في هذا المقال، يمكنك الاستفسار عن المفردة غير المفهومة في التعليقات، وربما يصبح هذا نواة معجم جديد.