مبكرًا، تعلمنا يد الأب وعصا العائلة حدود الحرية الفردية، والمتاح لك اجتماعيًا على حسب موقعك الطبقي والجغرافي والجندري. ماما ستقول لكِ "عيب أنت بنت". وحين تستمر في التبول على نفسك أو أرضية الصالة، سيلسعونك بشوكة ساخنة.
بالصفعات، بالضرب بالحزام، بحدف الشبشب، بالتنكيل والإهانة، بالعنف المادي والمعنوي يتم تربيتنا في الأسرة والمدرسة. طبعًا حين كبرنا حاولنا التخفيف من أثر هذا العنف بالضحك والهزار، كالنكت السخيفة المكررة عن شبشب الأم الطائر.
لكن هذا الاستظراف بالنكت، حتى لو أعاد تلوين عنف الطفولة وإخراجك من حالة الضحية لحالة أخرى ترى فيها الأمر "عادي" لأن الجميع يتعرض لما تتعرض له، لن يمكنه إزالة الجدران والحدود التي تزرعها أنماط التربية المصرية فينا، لأن هذه الحدود موجودة ليس فقط حفاظًا على الأعراف الاجتماعية، بل لحمايتك من عواقب وخيمة.
يراقب الطفل كيف يخفت صوت الكبار حين يتحدثون في السياسة، وكيف يتحاشون ذكر اسم الرئيس بأي نقد، وكيف لا يعترضون على هلاوس الشيوخ وأوهامهم، وكيف يُسمح للولد بما لا يُسمح للبنت. ينمو المرء فيتعلم تحاشي السياسة، والآراء الخلافية، وأن يلتزم بحدود دوره الجندري، ويحتفظ برأيه لنفسه.
ما يحدث بعد فترة، أن الصمت يُطبق على الأصوات الداخلية، تنسى أفكارك، ويتوقف مخك عن التفكير في كل محظور، حتى يتحول الإنسان إلى فرخة داجنة، يعلفها النظام بيد، واليد الأخرى قابضة على سكين ينتظرك مع أول مذبحة.
كان هذا مصير الواحد، اللهم من نشأ بالصدفة في أسرة يتقاطع تاريخ أحد أفرادها مع العمل العام، فلربما تنتقل بعض الأفكار والاهتمامات إليه. لكن إذا لم توجد هذه الصدفة فمصيرك المعتاد هو مزرعة الدواجن.
علاء عبد الفتاح، كما يسرد في شذرات من كتابه، نشأ في أسرة مشتبكة بشكل كامل مع العمل العام؛ الأجداد من رواد الأكاديميين بالجامعات المصرية، الأب من قيادات اليسار في السبعينيات، صدرت ضده أحكام متعددة، وظل لسنوات هاربًا. أكمل دراسة القانون في السجن، وخرج ليصبح أحد رموز الحركة الحقوقية.
الوالدة أستاذة جامعية، ناشطة في مجال الحريات الأكاديمية، ملهمة دائمًا لطلبتها. لذا نما علاء في بيئة لا يهمس فيها الآباء حين يتحدثون في السياسة، ولا تتجنب العائلة الخوض في المحظورات مع حضور الأطفال، بل مثل الكثير من أبناء اليساريين المصريين، كان يشارك منذ صغره في معسكرات "النسور الصغيرة" وهي رحلات ومعسكرات ترفيهية وتعليمية، يمتزج فيها أبناء وبنات القوميين باليساريين.
أنا، على الجانب الآخر، كان أهلي يرسلونني إلى رحلات ومعسكرات "الأشبال"، حيث يتم تقسمينا إلى مجموعات، كل مجموعة على اسم أحد الصحابة، وحين نسافر في رحلات صيفية إلى البحر نستيقظ لنصلي الفجر ثم نقرأ القرآن ونقضي ثلاثة أيام في منطقة منعزلة في الإسماعيلية أو رأس سدر، بعيدًا عن موبقات الشواطئ. وسواء مع "الجماعة" أو في البيت، فالجميع يتحاشى السياسية، والدين أوامر تجب طاعتها، والأدوار الجندرية حدودها مرسومة بعيب وحرام.
حتى كان الإنترنت، ثم المدونات، فانتشلتني من هذا المصير لمسارات أخرى.
العالم الجديد
اكتشاف المدونات كأداة نشر، خصوصًا ما تتيحه من استخدام اسم مستعار وإخفاء الهوية، مثّل تدريبًا فعليًا على التفكير الحر بعيدًا عن رقابة الأسرة والمجتمع والدولة. وتتزايد الجرأة حين يتعرف المرء على آخرين يشاركونه التوق والشوق لتلك الحرية، حتى لو كانت من خلف شاشة على الإنترنت.
حمانا في تلك السنوات عدم اهتمام النظام أو متابعة الأمن لما يحدث. ولولا أن التقط محمد حسنين هيكل الخيط حين تحدث عن المدونات ومتابعته لما يكتب وينشر فيها، وخاصة مدونة بهية، لما تصاعد الاهتمام برصد المدونات.
كنت مسؤول جمع هذه التبرعات، وبها اشترينا "السيرفر" ودفعنا إيجار المواقع، وتطوير خدماتها
احتاج الأمر وقتًا من أجهزة الأمن للربط بين ما يحدث في الشارع من مظاهرات في مع انتخابات 2005 وما تلاها، وما يحدث على الانترنت. ثم بعد 2006، ومع اهتمام الإعلام الأجنبي وسعيه للاعتماد على المدونين في تغطية الأحداث وكأحد مصادر المعلومات، تحول بعضهم إلى مصادر أولية لحوادث ضخمة.
وثقت نورا يونس مذبحة اللاجئين السودانيين في ميدان مصطفى محمود بالجيزة، وغطت مدونة جار القمر بالتفاصيل وقائع العنف والقتل في حادث طائفي في محرم بك بالإسكندرية، ونشر مسعد أبو فجر ومدونين من سيناء عن توحش الأمن في سيناء 2007. حتى الحوادث والقصص الشخصية كان النقاش على المدونات يجرفها إلى الحيز العام، فتتحول لموجة تجدد المياه وتبعث الحياة.
أذكر أن منال نشرت عام 2005 تدوينة بعنوان "سرتن سرتن في أي مكان..صحرا ان كان أو بستان"، حكت فيها عن تعرضها لتحرش جنسي أثناء سفرها في الطائرة. هذه التدوينة والتعليقات عليها، وما تلاها من نقاش، كانت أحد أسباب إطلاق حملة "كلنا ليلى". حيث انطلقت من المدونات دعوة للنساء للكتابة عن وقائع التحرش والتمييز التي تتعرض لها النساء.
وبعدها بسنوات غطى المدون مالكوم إكس وقائع التحرش الجماعي بالنساء في شوارع وسط البلد أول يوم العيد، وهى الحادثة التي تحولت لعلامة فارقة، جرى بعدها الاعتراف بوجود كارثة في أمان النساء في الشارع والمساحات العامة.
كان علاء في قلب كل هذا وبعيدًا في الوقت ذاته، فهو يدعم كل المبادرات والحملات ويروج لها على مدونته، لكن شغفه الأساسي كان البرمجة والتكنولوجيا، ولديه رؤية حالمة حول إمكانيات الإنترنت كأداة للتحرر والتعلم.
لم تكن المدونات مثل السوشيال ميديا الآن، حيث الكل متصل بالكل. بل كانت أقرب لموقع شخصي، وهذا الموقع ليس مرتبطًا بمواقع أخرى. من هنا بنى علاء "جردل منال وعلاء للمدونات"، الذي تحول بعد ذلك إلى "مجمع المدونات المصرية". الفكرة كانت أن يكون هناك موقع، يتم تحديثه بشكل آلي كل دقيقة، ويحتوي على لينكات لكل ما يُنشر على المدونات المصرية. وبالتالي تحوّل الموقع إلى مساحة افتراضية يلتقي فيها المدونون، ويتفاعلون، ويتعاركون، ويخرجون أحيانًا من الإنترنت إلى الحياة الواقعية.
حين كبر حجم مجتمع المدونات، كنا نحتاج إلى تطوير الموقع، فقسّمنا المهام. جمعنا التبرعات من المدونين، وكنت مسؤول جمع هذه التبرعات، وبها اشترينا "السيرفر" ودفعنا إيجار المواقع، وتطوير خدماتها. كان هذا هو شغف علاء الأكبر؛ كيف يمكننا استخدام التكنولوجيا لمساعدة الناس على التعلم، وعلى تطوير أنفسهم ليصبحوا أكثر استقلالية، لكن في الوقت ذاته مشتبكين مع بعضهم البعض.
لذا أفنى وقته في خلق مبادرات تساعد الفئات المختلفة على التشبيك مع بعضها البعض، وفي خلق مجتمعات صغيرة يجمعها اهتمام ما مشترك، حتى لو لم يكن هو مهتمًا بموضوعها. بينما كان شغفه الأول والوحيد هو البرمجيات المفتوحة.
ومبكرًا جدًا، في عام 2002 تقريبًا، وبينما يتسابق الجميع في مصر على تحميل نظام تشغيل ويندوز على الكمبيوتر، كان شغف علاء بالبرمجيات الحرة ينمو. والبرمجيات الحرة هي نظم تشغيل وتطبيقات وبرامج كمبيوتر مفتوحة المصدر ومجانية التحميل والاستخدام للمستخدم العادي، كما يمكن للمبرمجين دراستها وتعديلها لأي غرض دون قيود ملكية فكرية، وكذلك يمكن نسخها وتداولها مُعدّلة، كل هذا بشكل مجاني.
في هذا الوقت، كانت الشركات الكبرى تحتكر صناعة ونشر نظم تشغيل الكمبيوتر. وحين ظهرت البرمجيات الحرة غيرت هذا المفهوم، وفتحت الباب أمام الملايين لصناعة برامجهم واستخدامها ونشرها ومشاركتها مع الآخرين مجانًا. كان هناك عنصر سياسي في المشروع يحمسنا تجاه البرمجيات الحرة، إحساس أنك تحارب وحشًا كبيرًا مثل مايكروسوفت ومن خلفها أمريكا والأثرياء.
لم يكتفِ علاء بتعلم واستخدام تلك البرمجيات، بل سعى لتأسيس مجتمع مصري من المهتمين بنشر البرمجيات الحرة. استعيد هنا تدوينة قديمة لعلاء نشرها بتاريخ 15 يوليو 2007، بعنوان "حيث تأكل البطاريق الطعمية"، قال فيه:
"من ييجي خمس سنين بدأنا مع محمد سمير ومصطفى حسين ويوسف أسعد وعزبي رحلة. في السكة شاركنا ناس كثيييير و الرحلة فرعت وشعبت و لقينا نفسنا بنعمل تجربة فريدة في التنظيم الذاتي والديمقراطية المباشرة. و حققنا نجاحات مكناش نحلم بيها (وأخفقنا في تنفيذ أي نجاحات مخطط ليها بشكل جيد).
EGLUG زي كل حاجة مهمة شاركت فيها، قضيتلها سنتين جامدين جدا و بعدين الموضوع بدأ ينام شوية بشوية. لكن في السنتين دول غيرت مسار حياة ناس كثير و أحنا أولهم. عشان أحكي التجربة دي معناها إيه بالنسبة لي هاخد عشرات التدوينات، وأنا بصراحة مكسل ومشغول. بس حبيت أشرككم في لحظتين هرتلة في وسط قمة نجاحنا لما كنا مصدقين أننا بنشكل العالم كله مش بس ذواتنا".
هذه التدوينة كانت احتفاء بمرور خمس سنوات على تأسيس مبادرة مجتمع البرمجيات الحرة المصرية، وهو تجمع لعدد من المهتمين باستخدام ونشر البرمجيات الحرة، كانوا يتعاونون على نشر تلك الثقافة، عبر تصميم الإعلانات، وتنظيم الفعاليات.
كان الشغف بتلك البرمجيات هو ما قاد علاء ليتعرف على شبكات أوسع من دول العالم المختلفة، فسافر وتعلم وعمل، واتسعت شبكة علاقاته، لينتقل بعد ذلك إلى جنوب أفريقيا حيث عاش وعمل لسنوات. ثم قامت ثورة 25 يناير، فترك بيتًا كبيرًا بحديقة أمامية وأخرى خلفية وحمام سباحة، ووظيفة مستقرة، وقفز على الطائرة، ومنها إلى ميدان التحرير.
من يبلع الإنترنت؟
قامت ثورة يناير والربيع العربي في لحظة مفصلية من تاريخ التكنولوجيا والإنترنت، ولعبت تلك الأحداث دورًا في تشكيل مستقبل الإنترنت ووضعه المزري كما نشهده حاليًا.
فالبرمجيات الحرة التي كانت في جوهرها مشروعًا اقتصاديًا ثوريًا، غرضه نزع سلطة الشركات الأمريكية، وإتاحة المعرفة والتكنولوجيا لكل الناس، انتهى بها الحال في حضن شركات مثل جوجل، فظهرت برمجيات تشغيل الكمبيوتر المتاحة تحت رخصة البرمجيات الحرة، لكن كلها في النهاية برمجيات صنعت برعاية الشركات الكبرى.
بدلًا من أن تقوم شركات الاتصالات بابتلاع شركات صناعة المحتوى، ابتلعت شركات المحتوى الأمريكية الإنترنت، وحاليًا في طريقها لابتلاع شركات الاتصالات
وبينما كان علاء ورفاقه في بداية الألفية يشجعون الناس على حذف نظام تشغيل ويندوز وتحميل نظام "أوبنتو" و"لينكس". أصبح بإمكان الجميع تحميل نظام أندرويد، وجوجل كروم على أجهزتهم. لكن من أين يمكنك تحميل كل تلك البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر؟ من سوق "جوجل بلاي" أو من سوق "أبل".
بمعنى أن الشركات الأمريكية، بدلًا من محاربة البرمجيات الحرة، قامت بابتلاعها وإنشاء الأسواق الافتراضية التي سيقوم المبرمج الحر بإتاحة برنامجه عليها. وهكذا، خسرنا مع الوقت معركة البرمجيات الحرة كأداة تحرر ومقاومة.
أما المعركة الثانية، والتي اشتدت منذ 2007 وحسمت في 2011، فهي معركة السيطرة على الإنترنت بين شركات تقديم خدمات الاتصالات والإنترنت، وشركات تقديم المحتوى.
كانت شركات الاتصالات والانترنت تسعى لأن تتحول إلى نموذج شركات "الكابل" التليفزيوني، فبمجرد اشتراكك مع الشركة الفلانية، ستوفر لك الإنترنت وتوفر لك أيضًا الاطلاع على محتوى مجاني. يذكر جيلنا كيف استثمرت شركات الموبايل في إنتاج ودعم منصات ومحتوى على الإنترنت في هذه الفترة. وحتى الآن توفر بعض شركات الموبايل لمستخدميها إمكانية الاستماع إلى أحدث الأغاني، ومشاهدة الأفلام.
سعت شركات الاتصالات لابتلاع السوق، لأنهم كان يدركون أنه إن عاجلاً أم آجلًا سينتشر الإنترنت في كل مكان، عندها لن يكون مجرد تقديم خدمات الاتصالات والإنترنت كافيًا، لذا سعوا لابتلاع شركات محتوى الإنترنت.
لكن حين حدثت ثورة يناير وما تلاها من ربيع عربي، انهارت هيبة تلك الشركات، واتضح أنه مهما عظم دورها، حتى لو كانت جزءًا من شركات عالمية كفودافون، فهي مجبرة على الالتزام بالقرارات المحلية. وإذا قررت السلطة قطع الإنترنت فسيتم قطعه، في حين أن شركات صناعة المحتوى محمية دائمًا بوجودها في أمريكا، فاستغلت الربيع العربي، لتقديم نفسها للإداريين والسياسيين في أمريكا والعالم بصفتها صانعة وحاكمة العالم الجديد.
استثمرت شركات مثل جوجل وفيسبوك وتويتر في مبالغة وصف ما يحدث بصفته "ثورة فيسبوك"، وسعوا جميعًا لخطف اللقطة، وتوافد الرؤساء التنفيذيون لجوجل وفيسبوك على زيارة مصر وتونس في 2011، ثم العودة وتقديم أنفسهم لأمريكا قائلين؛ انظروا، شركاتنا صنعت الثورة، تتغير المجتمعات وتسقط الأنظمة، بينما شركات تقديم الإنترنت والاتصالات كلاب مطيعة للأنظمة الاستبدادية.
لذا، فبدلًا من أن تقوم شركات الاتصالات بابتلاع شركات صناعة المحتوى، ابتلعت شركات المحتوى الأمريكية الإنترنت، وحاليًا في طريقها لابتلاع شركات الاتصالات. إيلون ماسك، مالك تويتر، يستثمر بكثافة في توفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، بحيث يتوفر إنترنت حر يتجاوز الحجب الذي تفرضه الأنظمة. بل متجاوزًا حتى ظروف الحرب وتدمير البنية التحتية، مثلما يحدث في أوكرانيا حيث تستهدف روسيا محطات الكهرباء والمياه، لكن الانترنت متوافر عبر الستالايت.
خطبة الوداع
في عام 2011، لم تكن المعركة بين الجبهتين حسمت بعد. كانت شركات صناعة المحتوى توجه أسهم هجومها إلى شركات الاتصالات بسبب فرضها الرقابة على الإنترنت، وعمليات غلق الإنترنت المستمرة في الدول القمعية حيث كانت السابقة الأولى في مظاهرات إيران عام 2009. وبسبب هذا تأسست مؤسسة Access Now، كمؤسسة غير ربحية معنية بحريات الإنترنت، مدعومة من جهات حكومية ومؤسسات مانحة وشركات الإنترنت.
انتقد علاء إصرار شركات السوشيال على ربط حسابات المستخدمين بهوياتهم، وحذر من أن ذلك سيقضي على حرية الإنترنت
ومن أهم أنشطة Access Now المؤتمر السنوي المعروف باسم RightsCon، وهو مؤتمر يجمع بين شركات الإنترنت، وبين نشطاء وحقوقيين من دول مختلفة، أغلبها من العالم الثالث. يُعقد المؤتمر بالتناوب عام في "سيليكون فالي" في كاليفورنيا حيث مقر أغلب تلك الشركات، وعام في دولة من دول الجنوب مثل ريو دي جانيرو، وتونس، والفلبيين وغيرها.
وفي دورة المؤتمر الأولى التي عقدت في سيليكون فالي، كاليفورنيا في أكتوبر 2011، وُجهت الدعوة لعلاء لإلقاء كلمة افتتاحية. بدأ علاء كلمته بالحديث عن المحاكمات الاستثنائية، حيث كان يفترض أن يقف أمام محكمة عسكرية عند عودته إلى مصر. وطالب علاء الحضور بالقراءة والتضامن مع ضحايا المحاكمات الاستثنائية سواء كانت في جوانتانامو بأمريكا، أو في مصر، أو أي مكان في العالم.
ذهب علاء لذلك المؤتمر وهو يعلم جيدًا أن شركات الإنترنت الكبرى لا يمكن أن تكون حليفة للثورة أو داعمة للتغيير مثلما كانت ترفع من شعارات وقتها، بل ذهب محاولًا تقديم رؤية أخرى، لعلها تثير شهيتهم لتحالف مع الحقوقيين والنشطاء السياسيين.
كلمة علاء عبد الفتاح في مؤتمر RightsCon عام 2011
قال علاء بوضوح إن غرض شركات الإنترنت الكبرى تحقيق ومضاعفة الأرباح، وليس دعم حقوق الإنسان. ثم ركز في كلمته على نقطتين؛ الأولى أن التشريعات الحكومية التي تفرض الرقابة على الإنترنت تضر أرباح تلك الشركات، ضاربًا المثل بالقانون الذي يسمح للحكومة بإجبار شركات الاتصالات على غلق الإنترنت. وقال إن القانون موجود منذ سنين، ولم تفكر الشركات في الاعتراض عليه أو أخذه للمحكمة، كما أن القانون بالتأكيد يحتوي على مجموعة من الخطوات الإجرائية لغلق الإنترنت، لكن ما حدث أن مسؤولًا ما اتصل بفودافون، التي ضرب بها مثلًا عن بقية الشركات، وطلب غلق الإنترنت، فقاموا بغلقه.
أما النقطة الثانية فتحدث علاء موجهًا حديثه للشركات، خصوصًا شركات السوشيال ميديا، منتقدًا إصرار فيسبوك وتويتر على ربط حسابات المستخدمين بهوياتهم. حذر علاء بأن هذه السياسة ستقضي على حرية الإنترنت، وهي اعتداء على حقوق المستخدمين، وشدد في كلمته أن المستخدم من حقه الحفاظ على سرية هويته، بل وأن يكون له أكثر من هوية افتراضية.
"أنا في المنزل، غير شخصيتى في العمل. إذا كنت مراهقًا يمكننى الاختباء من أمي لتدخين السجائر، لكن لا يمكنني إخفاء حساب فيسبوك عنها".
حذر علاء في كلمته أن تلك السياسات ستضر بشكل خاص بالأطفال والمراهقين، وستجعلهم عرضه للتنمر الإلكتروني من قبل أقرانهم وزملائهم، وسيجعل حياة وتوجهات المستخدمين مكشوفة للجميع.
عاد علاء من المؤتمر ليقف أمام النيابة العسكرية في مصر، حيث تم اتهامه بالاعتداء على قوات الأمن في مذبحة ماسبيرو التي راح ضحيتها 25 قبطي. رفض علاء الإجابة على أسئلة النيابة أو الاعتراف بشرعيتها، فحكم عليه بالسجن، وولد ابنه خالد أثناء تلك الحبسة.