تصميم سيف الدين أحمد، المنصة 2025
خلال العام الأول من تولي الشرع الحكم في سوريا، اتسمت العلاقات السورية المصرية بالفتور فيما حظي الشرع بدعم خليجي

عام على سقوط الأسد| دعم خليجي للشرع وتوجس مصري

منشور الاثنين 8 كانون الأول/ديسمبر 2025

"هو ليه العالم واقف ورا أحمد الشرع؟" سؤال طرحه الإعلامي المصري عمرو أديب في برنامجه "الحكاية" حينما كان الرئيس السوري المؤقت يزور واشنطن، بعد أيام من رفع الولايات المتحدة اسمه من قائمة الإرهاب، ويعقد لقاء مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، كأول رئيس سوري يدخل البيت الأبيض منذ استقلال البلاد عام 1946.

أديب الذي أبدى دهشته من حجم الدعم المُقدم لزعيم هيئة تحرير الشام السابق، والذي "لا يجد له تفسيرًا"، على حد قوله، كان يشير بسؤاله إلى "قلق" السلطة المصرية من الصعود المفاجئ والسريع للرجل الذي كان اسمه مدرجا قبل عام على قوائم الإرهاب، واصفًا علاقة مصر بالإدارة السورية الجديدة بـ"الباردة والمتحفظة"، حيث تبدو القاهرة "غير مرحبة بالشرع".

بعد عام من تولي الشرع، أبو محمد الجولاني سابقًا، مقاليد الأمور في سوريا، عقب الإطاحة بحكم بشار الأسد، تبدلت المواقف الدولية والإقليمية وتقلصت الهواجس، ولو مؤقتًا، من قيادة دمشق في ثوبها الجديد.

القاهرة قلقة

استقبلت العاصمة السورية وفودًا وحطت طائرة الشرع في بلدان عدة، إلا أن العلاقة مع مصر ظلت حذرة يشوبها التوتر ولم تخل من التراشق الإعلامي بين الالحين وآخر، وسط شكوك لم تُبدد ولم تبرح مكانها من الخلفية المتشددة للإدارة الجديدة.

تتعامل مصر مع إدارة الشرع على أنها "سلطة الأمر الواقع" التي تحكم بعد فترة انهيار مؤسسات الدولة، وهو المصطلح الذي استخدمه وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي في وصف الإدارة الجديدة.

أرسى هذا الوصف أسس العلاقة مع الشرع طوال العام، حيث كانت مصر آخر الدول العربية التي تقيم اتصالات مع إدارة دمشق الجديدة. إلى أن استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي الشرع على هامش القمة العربية الطارئة التي عقدت بالقاهرة لمناقشة الأوضاع بقطاع غزة في مارس/آذار الماضي.

السادات والسيسي والشرع

"حدة التراشق الإعلامي أكبر بكثير من حدة الخلاف الرسمي، فالعلاقة بين الحكومتين مازالت فاترة ومتحفظة، حيث تبدو مصر متريثة وغير مندفعة في الانفتاح الدبلوماسي والسياسي على حكومة دمشق الجديدة"، بحسب سفير مصر السابق بسوريا حازم خيرت، الذي أشار في حديثه لــ المنصة إلى أن القاهرة تتابع عن كثب التطورات اليومية في سوريا وتريد أن ترى عملية سياسية متكاملة ومسارات إقليمية واضحة للحكام الجدد في دمشق.

يعزو خيرت أسباب عدم ارتياح مصر للانخراط الكامل مع حكومة الشرع إلى عدم استقرار الوضع الأمني في سوريا في ظل الاشتباكات والاحتجاجات التي يغلب عليها الطابع الطائفي، واعتماد وزارة الدفاع على جنود مرتزقة لا يحملون الجنسية السورية، إضافة إلى وجود ميليشيات مسلحة على صلة بالنظام، بحكم انتماء الشرع السابق إلى هيئة تحرير الشام، أحد فروع القاعدة في سوريا.

صعود قوة راديكالية لرأس السلطة يلهم تيارات مشابهة داخل مصر

"من منظور الدولة المصرية يبقى أي تيار أو سلطة لا تُصنف تنظيم الإخوان المسلمين جماعة إرهابية موضع ريبة سياسية وأمنية، الأمر الذي يجعل الانفتاح على دمشق الجديدة تحديًا معقدًا"، يقول الباحث السوري درويش خليفة لـ المنصة، مبينًا أن انفتاح القاهرة على حركة حماس خلال رعايتها المفاوضات الأخيرة مع إسرائيل، "تقف وراءه دوافع أمنية صرفة للتصدي لتهديد مباشر بمحاولة دفع سكان غزة نحو سيناء"، أما في الحالة السورية فلا وجود لاعتبارات مماثلة تجعل القاهرة تتجاوز حساسيتها التقليدية تجاه الحركات ذات الخلفية الإسلامية.

ويتفق الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب أحمد سلطان مع ما ذهب إليه خليفة بخصوص عدم تجاوز الحساسية الأمنية من الحركات الإسلامية، فصعود قوة راديكالية بتغيير خشن قائم على العنف إلى رأس السلطة يشكل مصدر إلهام لتيارات مشابهة داخل مصر وهو ما تخشاه القاهرة حتى الآن استنادًا إلى تركيبة الحكم. 

دعم خليجي

على عكس الموقف المصري، بادرت دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر إلى فتح قنوات دبلوماسية مع الشرع، وضخ حزمة من الاستثمارات، وقادت الرياض على وجه الخصوص مبادرات لرفع العقوبات الدولية عن سوريا وإعادة دمجها في النظام العالمي، وهو ما يفسره السفير حازم خيرت برغبة دول الخليج في احتواء سوريا ودعم التجربة الجديدة بعد نهاية حقبة الأسد التي عزلت دمشق عن محيطها العربي.

وخلال زياراته إلى السعودية والإمارات هذا العام، كال الشرع المديح لتجربة الدولتين في التنمية، واعتبرهما دولتين تعملان بجهد مضاعف وتواكبان التطور التقني والتكنولوجي الحاصل في العالم، عكس دول أخرى سمى منها مصر والعراق، وهي تصريحات أثارت غضبًا إعلاميًا واسعًا واعتبرها البعض محاولة منه للتقرب من دول الخليج على حساب مصر، وعكست الفتور في العلاقة بين البلدين.

الأمر لا يخلو من البراجماتية، فالدعم الذي حصل علي الشرع من دول الخليج يفسره درويش خليفة بالرغبة في تقليص النفوذ الإيراني بالمنطقة بعد فترة طويلة من هيمنته على القرار السوري في عهد الأسد، في المقابل تتعامل القاهرة بحذر شديد مع الحكومة الانتقالية بعد أن آلت إدارة دمشق إلى هيئة تحرير الشام والفصائل ذات التوجه الإسلامي.

الرئيس السوري أحمد الشرع يصافح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبينهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. الرياض، 14 مايو 2025

"لا توجد استراتيجية عربية واضحة للتعامل مع الشرع حتى الآن، لكنه، حتى لو لم تكن مرتاحًا تمامًا للإدارة الجديدة، فلا بد أن يكون هناك قدر من الدعم لها  يمنحها هامشًا للمناورة دون تركها فريسة للمطامع التركية والأمريكية والإسرائيلية"، يضيف أحمد سلطان.

محاولات الطمأنة

وفي محاولة منه لفك الارتباط ومغازلة الأطراف الإقليمية، حرص الشرع على التأكيد في أكثر من مناسبة على أنه ليس امتدادًا للأحزاب الإسلامية سواء التنظيمات الجهادية أو الإخوان المسلمين، كما رفض تصنيفه باعتباره امتدادًا للربيع العربي، وأعلنت دمشق بشكل رسمي توقيعها على إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي ضد "داعش".

لا تزال سوريا حاضنة للتنظيمات الجهادية وتعتمد وزارة الدفاع على مطلوبين أمنيًا

الأشهر الماضية كانت شاهدة أيضًا على محاولة نظام الشرع تبديد الهواجس المصرية من تشكيله خطرًا عليها، حيث أوقفت قوات الأمن الناشط أحمد المنصور الذي أطلق تهديدات ضد القاهرة من داخل دمشق، ودعا المصريين للنزول في تظاهرات وإحداث فوضى في الذكرى الـ 14 لثورة يناير، كما منعت السلطات السورية محمود فتحي أحد المتهمين بقضية اغتيال النائب العام المصري والصادر بحقه حكم بالإعدام، من دخول البلاد.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، استنكرت وزارة الخارجية السورية ترديد متظاهرين في دمشق هتافات "مسيئة لمصر ورئيسها" مؤكدة أن تلك التصرفات لا تعكس على الإطلاق مشاعر الشعب تجاه مصر قيادة وشعبًا.

تشي التصريحات الصادرة عن الشرع والمواقف التي اتخذتها حكومته بأنه يريد التبرؤ من إرثه الجهادي وخلع العباءة القديمة من أجل تثبيت نظامه وسط أنظمة تناهض الإسلام السياسي، وكسب التأييد الدولي وبناء علاقات مع دول الجوار إلا أن ذلك يتطلب المزيد من الإجراءات الداخلية، حسبما يوضح الباحث أحمد سلطان، حيث "لا تزال سوريا بيئة حاضنة للتنظيمات الجهادية وتعتمد وزارة الدفاع على مطلوبين أمنيًا".

أما درويش خليفة فيرى أن دمشق بإمكانها أن تفتح بابًا لاستعادة ثقة مصر عبر خطوات عملية، أهمها وضع قيود واضحة على نشاط تنظيم الإخوان ومنعه من مزاولة العمل السياسي أو نشر فكره الأيديولوجي، كما أن انضمام سوريا إلى منتدى غاز شرق المتوسط قد يشكل رافعة مهمة، لأنه يضعها في إطار تعاون اقتصادي استراتيجي تقوده القاهرة، ويعيد وصل ما انقطع بين دولتين تمثلان ركنًا أساسيًا في معادلة الأمن العربي.

إسرائيل هنا

نتنياهو على قمة جبل الشيخ في سوريا، 17 ديسمبر 2024

بموازاة ذلك، تلعب إسرائيل دورًا محوريًا في شكل تطبيع الأنظمة العربية ومصر على الخصوص مع حكومة الشرع، حيث يواصل جيش الاحتلال هجماته العسكرية على الجنوب السوري منذ سقوط حكم بشار الأسد، بهدف تعزيز نفوذه وفرض ما يسميه حماية الدروز في السويداء، في وقت تسعى فيه دمشق لإبرام اتفاق أمني يسمح لها باستعادة الجولان المحتل والانسحاب من جبل الشيخ الذي احتلته إسرائيل مؤخرًا.

"قد يكون صمت دمشق عن التوغلات الإسرائيلية المتكررة في الجنوب، وعدم اتخاذها خطوات عملية للرد، عاملًا أساسيًا في تشكيل الخطاب الإعلامي المصري الذي يُلمح إلى أن وصول الشرع إلى السلطة جاء بدعم غربي إسرائيلي"، يقول خليفة الذي يرى أن هذا الطرح يغذي مشاعر القاهرة القلقة تجاه دمشق، خاصة مع تعقيدات المشهد الإقليمي عقب 7 أكتوبر 2023.

غير أن السفير المصري السابق بسوريا حازم خيرت يلقي الكرة في ملعب الشرع نفسه، لافتًا إلى أن هذا الحذر  الذي اتسمت به العلاقة مصر قد يزول حينما توفر الحكومة الانتقالية المناخ الإيجابي لتحقيق الاستقرار والعدالة بين الطوائف الدينية وتتخذ خطوات واضحة تبرهن على الدفاع عن سيادة أراضيها، مشيرًا إلى أن القاهرة لا تمتلك أي مطامع خاصة تسعى إلى تحقيقها وما يهمها في الأخير هو الحفاظ على وحدة سوريا.